فى الأعوام الأخيرة شغلت إسرائيل مسألة مهمة هى الوقت المتبقى لإنجاز القنبلة النووية الإيرانية. وفى الواقع، فإن السباق مع الزمن أمر مشترك بين إسرائيل وإيران معا. فالموارد الاقتصادية لإيران ليست غير محدودة وهى تدفع ثمنا باهظا مقابل طموحاتها الإقليمية. وإذا لم تخفف الولاياتالمتحدة من العقوبات المفروضة على إيران، فستضطر الجمهورية الإسلامية إلى التنازل التدريجى عن مكاسبها الاستراتيجية. لقد وافق الرئيس السورى بشار الأسد على حل موضوع السلاح الكيميائى، ويخاطب الرئيس الإيرانى حسن روحانى الغرب بلهجة تصالحية، وبدأ حزب الله فى إخلاء حواجزه ونقلها إلى سيطرة الجيش اللبنانى، فما هى دلالة جميع هذه اللفتات؟ لا يمكن لأحد أن يفكر جديا فى أن العالم الشيعى والنظام العلوى قررا تغيير سياستهما من الحرب إلى المفاوضات، ومن العدائية إلى المصالحة. فالأسد يواصل تدمير المدن السورية، والمرشد الروحى الأعلى لإيران على خامنئى يواصل برنامجه النووى، ولا ينوى حزب الله التخفيف من سيطرته على لبنان. وفى الواقع، فإن التغييرات الخارجية فى الشرق الأوسط مرتبطة كلها بهذا الثقب الأسود الذى يبتلع المدنيين والمقاتلين والغذاء وكثيرا من المال، والذى هو الحرب السورية. تحاول إيران تضليل العالم مستخدمة الأسلوب عينه الذى استخدمته الجيوش العربية فى حرب يوم الغفران: هجوم وتراجع. وقد عرفت إيران رؤساء جمهورية مختلفين: من الرئيس محمد خاتمى «المعتدل» (1997 2013)، مرورا بمحمود أحمدى نجاد المتشدد (2005 2013)، وصولا إلى روحانى الزعيم المعتدل. بيد أن القاسم المشترك بين هؤلاء الرؤساء كلهم هو المحافظة على العلاقة مع سوريا والدفع قدما بالمشروع النووى. ما يمكن قوله إن تعيين روحانى «المعتدل» لم يكن مصادفة، فهو يخدم النظام فى تحقيق أهداف داخلية وخارجية. فعلى الصعيد الداخلى يهدف روحانى إلى منح الإيرانيين أملا خادعا بالليبرالية، وإلى الحؤول دون الاحتجاج الشعبى على الوضع الاقتصادى المتدهور. أما على صعيد الخارج، فتوليه الرئاسة يهدف إلى التخفيف من العقوبات الاقتصادية التى تخنق الاقتصاد الإيرانى أكثر فأكثر. يتطلب المشروع النووى الإيرانى سنوات طويلة وميزانيات ضخمة بسبب طابعه الخاص. والهدف من التوزيع المكلف للمفاعلات النووية فى جميع أنحاء إيران هو الحؤول دون تكرار القصف الإسرائيلى لمفاعل العراق سنة 1981 ومفاعل سوريا فى 2007. والكذب واضح فى ادعاء إيران أن أهداف مفاعلاتها سلمية، فهى الدولة الثانية فى الشرق الأوسط فى تصدير النفط والخامسة عالميا، وهى ليست بحاجة إلى طاقة نووية. فلماذا هذا الاستعجال فى السعى إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية الآن؟ الجواب يكمن فى أن الأزمة السورية التى يدفع النظام الإيرانى ثمنا باهظا لها يوازى ثمن بناء مفاعلاته النووية.