•داود عبد السيد: اصنعوا دولة القانون أولًا قبل محاسبة السينمائيين •خيرية البشلاوى: احتفينا بالنماذج السلبية.. ولا يمكن مقارنة تلك الموجة بأفلام «الترسو» •محمد فراج: تأثر الجمهور ببعض المشاهد.. نجاح للعمل وفشل فى الرسالة •علاء الشريف: الفن لا يصنع الظواهر فى المجتمع بل يرصدها •كريم السبكى: بطل «قلب الأسد» ليس بلطجيًا.. وأعدمنا بطل «عبده موتة» •حسام موسى: بعض المؤلفين عديمى الكفاءة قادوا السينما نحو هذا المنحدر •علماء نفس: لا نحتاج إلى رصد البلطجة قدر احتياجنا لبحث المشكلات التى تواجهنا فى الوقت الذى يحلم فيه المصريون بالسير قدما نحو دولة القانون التى يسودها العدل والمساواة، وتختفى منها البلطجة ولغة القوة، تسير السينما عكس هذا الاتجاه بتمجيد «البلطجة» والإشادة باللجوء إلى القوة فى مواجهة الآخرين سواء كنت على حق أو باطل. هذا الاتجاه السينمائى لا يمكن وصفه بمجرد مصادفة أو موجة عابرة، فقد بدأ مع ثورة 25 يناير، وأخذ يتزايد بدور العرض على نحو لافت بداية من فيلم «الألمانى»، ونهاية بفيلم «القشاش»، المتوقع عرضه فى عيد الأضحى، وبين البداية والنهاية سلسلة طويلة من الأفلام أبرزها «عبده موتة» و«قلب الأسد». إذا كانت السينما تثير صدمة البعض باختيار «البلطجى» بطلا، فتبقى الصدمة الكبرى بالنجاح الكبير الذى تحققه تلك النوعية من الأفلام والتى حقق بعضها إيرادات فاقت العشرين مليون جنيه، رغم أن تكلفته ربما لم تتعد الملايين الثلاثة. علاء الشريف، مؤلف ومخرج فيلم «الألمانى» الذى يعتبره البعض الطلقة الأولى فى موجة أفلام البلطجة، يرى أن الفن هو رصد لحدث واقعى وهو شخصيا قد قام بعملية رصد واقع معين، والصمت على الوضع وعدم التعبير عنه غير مقبول وخصوصا أن هناك مجموعة كانت من المنتفعين من وجود هؤلاء البلطجية وعدم الكشف عما يحدث، وكان الوضع سينفجر إن آجلا أم عاجلا، وما فعلناه فقط هو التنبيه إلى وجودهم. ودافع علاء عن فيلمه بالقول إن نهايته تؤكد أنه لم يمجد الألمانى أو البلطجى ولم يجعله يشعر بالسعادة ولو لحظة واحدة طوال الفيلم، بل كان فى حالة يأس وقلق وهو شخصيا قام برصد هذه الظاهرة لإيمانه بأن الفن يرصد الواقع، وشدد على أن الفن لا يصنع ظواهر فى المجتمع، بل يرصدها فقط. واعتبر أننا لن نجد حلا لمشكلاتنا ولن تسود دولة القانون إلا عندما نعرف مشكلاتنا ونرصدها، كما فعلنا فى فيلم «الألمانى» فى مشهد يقول الضابط «والحكومة هتعمل إيه والمنطقة فيها 5 آلاف بلطجى»، فلابد من توفير العمل لهم ومحاولة مساعدتهم، معربا عن اعتراضه على تسميتهم بالبلطجية لأنهم، حسب قوله، مساكين ولو أغلقنا كل الأبواب فى وجوههم فسيخرجون على الناس فى الشوارع وحينها سنرى الإرهاب الحقيقى. أما كريم السبكى، مخرج فيلم «قلب الأسد»، فيرى أن وظيفة السينما هى نقل الواقع، وفى حال كانت الأعمال بعيدة عن الواقع وشعر الجمهور أنها بعيدة عنه ولا تمثله فإنها لن تحقق أى نجاح، مشيرا إلى أن تلك الأعمال لا تنقل الواقع بحذافيره وإنما هناك ما هو موجود فى الواقع أكثر عنفا مقارنة بالأفلام. وأضاف السبكى أن تلك الأعمال لا يشترط أن تقدم حلولا، وإنما تعرض المشكلات وتسلط الضوء عليها، أما عبء الحل فهو وظيفة المسئولين فى الدولة، كما أنه فى حال احتواء الأعمال على أية حلول فهذا شىء جيد ولكن ليس إجبارا. وأشار إلى أن فيلم «عبده موتة»، على سبيل المثال، يدور حول بلطجى، وقد نال البطل عقابه فى النهاية وتم إعدامه، كما أن البطل فى «قلب الأسد» ليس بلطجيا كما يدعى البعض، ومن يقول ذلك فأنا على يقين أنه لم يشاهد الفيلم وأن هذا الحكم من مشاهدة التريلر فقط. وأضاف السبكى أن من حق المبدع تقديم ما يريد، وفى النهاية الجمهور والنقاد يبدون رأيهم فيما يشاهدون، أما عن الموضوع أو الفكرة الخاصة التى تنتهى بدولة سيادة القانون فأرى أنه فى النهاية الفكرة هى التى تسوق صاحبها، فهناك أعمال تأخذ صاحبها إلى نهاية تعلى سيادة القانون وأعمال ذات نهاية مفتوحة. أما السيناريست حسام موسى، مؤلف فيلم «قلب الأسد»، فأشار إلى أن الجمهور حاليا لديه حساسية من كل شىء، وأيا كانت الموضوعات التى يتم تقديمها سوف نجد هناك انتقادا، مشيرا إلى أن البلطجة ظاهرة موجودة منذ فترة كبيرة، وليست ناتجة عن مشاهدة أعمال سينمائية مثل «إبراهيم الأبيض»، و«عبده موتة» فالسينما يجب أن تناقش كل الطبقات والمشكلات التى تواجه المجتمع. واعتبر موسى أن السينما لا تناقش واقعا افتراضيا وإنما تنبه لقنابل موقوتة موجودة فى المجتمع، وذلك بعرض المشكلات، موضحا أنه إذا لم تعرضه السينما بالشكل الصحيح فسوف يصل للجمهور بأى وسيلة أخرى، خصوصا أننا نعيش مع سماء مفتوحة وكل شىء موجود. وشدد حسام موسى على نقطة التناول، مشيرا إلى أن هناك تناولا جيدا للأفكار يطرح المشكلة بشكل محترم وموضوعى ويقترح حلا لها، وهناك تناول تجارى بحث يكون الهدف منه هو شباك التذاكر فقط. وأضاف أن فكرة الطرح وكيفية تناول الموضوع هى الأساس فى نجاح أى فيلم، موضحا أن التناول يجب أن يكون بالغوص فى أعماق المشكلة واقتراح طرق للتعامل معها، وأن تقديم الفكرة فى شكل تجارى فقط يأتى بطريقة عكسية، قائلا: «لن يوجد فن محترم تكون نتيجته عكسية». وقال حسام موسى إن دخول عدد من المؤلفين غير ذوى الكفاءة مجال الكتابة السينمائية فى الفترة الأخيرة هو ما أوصل السينما إلى هذا المنحدر، وأصبح الهدف من عدد ليس بالقليل من الأفلام هو المكسب المادى فقط، لكننى على يقين من أن الفن الجيد يخاطب وجدان وفكر الجمهور وليس غرائزهم، وهو الأقرب للمتلقى، بعكس الأفلام التجارية. وشاركه الرأى المنتج أحمد السبكى، وقال إن البلطجة والعنف ظواهر موجودة فى السينما منذ زمن، وهى تنقل واقع شريحة معينة من المجتمع المصرى، مضيفا أنه لا يروج للبلطجة ولم يمجدها، لأن البلطجى ينال عقابه فى نهاية العمل، مثلا فى «عبده موتة» الظروف دفعت بطل الفيلم إلى أن يتجه إلى البلطجة ولكن فى النهاية نال عقوبة الإعدام. وأشار إلى أنه لا يعنى وجود شخصية فى عمل ما الترويج لها، وإنما نريد توصيل رسالة أن هذا الفعل نهايته العقاب، وذلك لتخويف الناس من ذلك. أمام الفنان محمد فراج، الذى تعرض للهجوم بسبب الإعلان الترويجى لفيلمه «القشاش» المتوقع عرضه فى عيد الأضحى، فقال إن الفيلم لا يتناول قضية البلطجة، ولكنها قد تكون إحدى النقاط الموجودة فى الأحداث. وأشار إلى أن تأثير الأفلام يتوقف على نسب وجود تلك الظاهرة بالفيلم، مشيرا إلى أنه عند التركيز على قضية خطيرة مثل البلطجة أو العنف يجب أن يضع صناع العمل فى اعتبارهم كيفية معالجة تلك القضية وطريقة تقديمها وما هى الرسالة التى يريدون إيصالها من العمل. وأشار فراج إلى أن الأعمال التى تتحدث عن البلطجة قد تنقل سلوكيات سلبية، بسبب تكرار تلك الأعمال مثلما شاهدنا «عبده موتة» وغيره من الأعمال التى تدور فى نفس الإطار، حيث نرى أن بعض الشباب تأثر بعد مشاهدته تلك الأعمال، وأخذ فى تقليد بطل العمل، وأضاف فراج قائلا «هذا يعتبر نجاحا للعمل، ولكنه فى نفس الوقت أوصل أشياء سلبية للمجتمع». وأضاف فراج «نشأتى ليست بعيدة عن الحارة الشعبية، لذا أرى أن هناك عددا كبيرا من الموضوعات من الممكن استنباطها من تلك المناطق، وتحوى الكثير من المخزون الدرامى والقصص يصلح لعدد لا بأس به من الأعمال الفنية». من جانبه يقول المخرج داود عبدالسيد: عندما توجد ظاهرة مثل البلطجة فهى تعنى وجود ميل ورغبة لدى البعض فى كسر القواعد والقوانين، وحينها علينا أن نسأل: لماذا حدث هذا؟.. والإجابة هى لأن القانون كان انتقائيا ولا يتم تطبيقه على الجميع وكل شخص تتم معاملته حسب مركزه الاجتماعى والكل ليسوا سواء أمام القانون وهناك أحكام لا تنفذ وهو ما استمر لمدد طويلة وهو ما أضعف القانون. غير أن داود لفت إلى أن السينما التى تقدم هذه الأفلام هى السينما التجارية التى تعمل على تلبية رغبات الجمهور، سواء باللجوء إلى الكوميديا أو البلطجة بغض النظر عن أى شىء ستفعله لإضحاكك، وأكرر أننى هنا أعنى السينما التجارية وهى ليست أخلاقية. وأضاف عبدالسيد أن مثل هذه التساؤلات بالنسبة له تعنى أننا نترك الأصل ونمسك فى الفرع والأصل من وجهة نظرى أنه علينا ضبط المجتمع حتى تنتهى الظاهرة.. فهى عبارة عن انعكاس لمرض اجتماعى، وما يحدث هو إعادة إنتاج هذه الظاهرة الاجتماعية فى السينما فيعاد تصديرها للمجتمع أو تزيد أو تتضخم وهو خطأ بالطبع ولكن يجب معرفة مصدرها.. فهل السينما هى من صنعت ظاهرة الرقص بالسيوف؟.. وفى 2005 ألم تشاهد الصورة الشهيرة للبلطجى ومعه السيف وخلفه عساكر وضباط ودعنا نتخيل أننا ألغينا كل الأنواع وجعلناها سينما أخلاقية مملة فهل هذا سيحل المشكلة؟. ولفت إلى أن هناك فارقا بين سينما جماهيرية تعبر عن رؤية فنان للمجتمع وسينما تجارية تستثمر حتى أمراضه فمن يقدم فيلم بورنو فهو فى الحقيقة يستثمر الكبت الجنسى، لكن الفن ليس هكذا. ورأى أن الحل يكمن فى إصلاح المجتمع وتعليم جيد وتليفزيون يقدم مواد فنية جيدة مع رفع مستوى الثقافة والوعى للمواطنين، وحينها فقط لن يذهب الجمهور إلى تلك الأفلام، وعندما يصبح لدينا قانون وقتها فقط من الممكن أنه حتى لو قدمت السينما أفلاما عن البلطجة فلن يقلدها من يشاهدها لأنه سيخاف من سلطة القانون. واتفقت معه الناقدة خيرية البشلاوى، وقالت إن هذه الأفلام ما هى إلا انعكاس لغياب القانون والانقلاب على بعض المفاهيم مؤخرا للدرجة التى أصبحنا فيها نمجد الخروج على القانون، ونشيد بمن يسعى لنيل حقوقه بيديه فى ظل انهيار القيم والتعليم. ورفضت البشلاوى المقارنة بين هذه الموجة وموجة بطل «الترسو»، التى قدمها الفنان الراحل فريد شوقى، مشيرة إلى أن الظروف حينها والوعى المجتمعى كان مختلفا عن الوضع الحالى تماما بعد أعوام طويلة من انهيار منظومة التعليم والقيم المجتمعية وبالتالى فالسينما لم تخترع شيئا بل تقلد الواقع ومحمد رمضان وصعوده كبطل يحصد الإيرادات كنموذج هو تعبير حقيقى عن الواقع الذى نعيشه. وطالبت خيرية أولا بتعليم الناس احترام القانون من خلال نظام تعليمى وطبى ومجتمعى صحيح.. فالبلطجة لا تعنى فقط حمل السلاح فمن يذهب للمستشفى ويتم معاملته بطريقة نعرفها جيدا فهى لا تقل بلطجة عما يحدث فى الشوارع. أما أمينة كاظم، أستاذ علم النفس بكلية البنات جامعة عين شمس، فقالت إن العلاقة بين السينما والواقع تبادلية، كما أنه من المفترض أن ترقى السينما بأخلاق الجمهور، مشيرة أن ذلك يتوقف على خلفية المخرج كونه المسئول الأول والأخير عن المنتج النهائى، حيث يجب عليه عند تجسيد شخصية البلطجى أن يوصلها للمشاهد على أن ذلك طريق غير سوى وأن هذا الفعل غير صحيح ولا يتم التمجيد فيه. واعتبرت أمينة أن هذه المشكلة نعانى منها منذ فترة ليست بالقصيرة، فمثلا فى مسرحية «مدرسة المشاغبين» نجد أن هناك عددا كبيرا من الشباب عقب المسرحية أصبحوا يقلدون أبطالها فى كل شىء، كما أن الواقع لم يكن يحوى تلك النوعية من الطلاب، على عكس ذلك إذا شاهدنا النسخة الأجنبية لذلك العمل نجد أنه رصد المشكلات وقدم لها حلولا. وأوضحت أن الفن عند نقله للواقع يجب أن يرقى به، لأنه من الصعب أن يبتعد عن الواقع والمشكلات التى تدور به، ولكن الواقع ملىء بالأشكال والألوان المختلفة، وهو ما يعطى الفرصة أمام كتاب السينما على الاختيار بين عدد كبير من الموضوعات والتنوع فيما بينها، بالإضافة إلى تقديمهم للحلول بشكل يتوافق مع السلوك السليم الذى يجب أن نكون عليه. فيما قال سيد صبحى، أستاذ الصحة النفسية وعميد كلية التربية النوعية جامعة عين شمس، إلى أن السينما وظيفتها ترشيد السلوك ومحاولة إيجاد حلول، ولكن ما تقدمه السينما الآن مجرد إثارة وتدعيم لسلوكيات غير أخلاقية. وأشار إلى أنه عند تقديم أعمال عن حالات البلطجة والعنف فإنها من الممكن أن تكون نقلا للواقع، ولكن يجب عندئذ أن نوضح أن هذا الفعل أو السلوك عبارة عن شىء سيئ على المستوى العام، وأن الشغب خروج على القانون، فى الوقت الذى يحتم على صناع السينما توضيح كيفية المحافظة على الأعراف وتحسين السلوك العام. وأضاف سيد صبحى أن كتاب السينما فيما مضى كانوا يتناولون تلك الموضوعات بشكل أفضل مما يتم تقديمه الآن، فمثلا كنا نرى أفلاما عن المخدرات، ولكن كان الهدف منها هو توضيح أن هذه التجارة نهايتها مظلمة، وعند كتابة أعمال عن الجريمة، كان يهدف الكاتب إلى توضيح أن هذا شخص ذو سلوكيات عنيفة ويجب علينا أن نستوعبه ويقوم المجتمع بمحاولة احتوائه وإصلاحه. واستطرد قائلا: «الآن انتقل الكتاب ومؤلفو السينما إلى العصر التجارى الابتزازى، واتجهوا إلى سيناريوهات الهدف منها شباك التذاكر وليس تعديل السلوك، وهو ما نلاحظه على تلك النوعية من الأفلام، لذا أطالبهم أن يسترشدوا بما قدمه سابقوهم». وشدد صبحى على أن الفترة الحالية لا تحتاج إلى الكتابة عن البلطجة ولكننا فى حاجة إلى بحث كيفية تعديل وحل تلك المشكلات التى تواجه المجتمع فى الفترة الحالية.