أدخلت الثورات العربية عبارات إلى تاريخ الشعوب العربية واصبحت تتردد فى العديد من المناسبات بعد ان اطلق بعض الرؤساء العرب إبداعاتهم فى وصف شعوبهم بأوصاف تباينت من الاستهانة بهم إلى الشتيمة التى وصلت حد التحقير باستخدام ابشع الألفاظ فى حق الشعوب التى طالبت بالتغيير، ثم ما لبثت أن تحولت إلى صراع مسلح بعد تعنت الرؤساء فى الاستماع إلى شعوبهم والإغراق فى الاستهزاء والسخرية منهم ومن مطالبهم. وبعد انطلاق الشرارة الأولى للثورات العربية فى تونس، افتتح الرئيس السابق زين العابدين بن على هذه الأوصاف والألقاب فى خطابه عندما أطلق عليهم «العصابات الملثمة» و«المناوئين المأجورين» التى أقدمت بالاعتداء ليلا على الشعب، ثم خاطبهم بالعبارة الشهيرة التى تحولت إلى موقف فكاهى ساخر عندما وجه نداء إلى شعبه بوقف التظاهرات وقال «أنا فهمتكم..إيه نعم فهمتكم». الرئيس الاسبق حسنى مبارك كان أكثر احتراما لشعبه فى مخاطبتهم مقارنة بمن سبقه ومن لحق به، ولكن التسريبات التى خرجت بعد ذلك، كشفت أنه كان يطلق على المتظاهرين بأنهم «شوية عيال تجمعوا على فيسبوك». بينما تعددت شطحات الرئيس السابق محمد مرسى الذى اعتاد على التخاطب بلغة العامة وبجمل باتت محل سخرية العديد من ابناء شعبه ومنها «الخمسة ستة سبعة ثلاثة اربعة»، «بعضهم يستخبى بره ويتصل بحد جوا».. «سأكشف عنهم النقاب» «الدرانك بيروح السجن لو كان درايفينج» وهو ما جعل رواد مواقع التواصل الاجتماعى ينشئون صفحات خصيصا للتعليق على خطابات مرسى والجمل الواردة فيها، كما استحوذت تلك الخطابات على جزء كبير من برنامج الاعلامى الساخر باسم يوسف وضربت التعليقات على خطاباته الارقام القياسية. وفى الثورة الليبية، وصف العقيد الراحل معمر القذافى الشعب الليبى بأنهم ليسوا إلا «جرذان» و«قطط وفئران» ويتناولون حبوب الهلوسة لتخريب البلاد، وسيلاحقهم «بيت بيت وزنقة زنقة»، كما هدد بأنه سيقوم بتسليح الشعب والقبائل الليبية للدفاع عن ليبيا، فى تلميح إلى أنه يقاتل أناسا آخرين غير الليبيين، وهو ما درجت عليه العادة فى خطابات الرؤساء. الجدير بالذكر أن خطابات القذافى كانت جدلية وفكاهية، كان الجميع يتندر عليها، لما تحمله من شطحات فى المفردات والعبارات. وفى اليمن لم يترك الرئيس الأسبق على عبدالله صالح فرصة إلا وهاجم شعبه فيها، فأطلق على الثورة منذ البداية «ثورة البلطجة والتخلف»، وأصوات النشاز والإرهابيين، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما وصفهم فى لقاءاته الصحفية ب«الثعابين». وقال إن «الحكم فى اليمن كما يرقص الشخص على رءوس الثعابين. فى السودان، لم يكن الشعب السودانى أكثر حظا من باقى أشقائه العرب بعد أن انطلقت مظاهرات تمت مواجهتها بعنف، وخرج الرئيس السودانى عمر البشير فى خطاب مطلقا على شعبه «شوية شذاذ آفاق وناس محرشين»، وزاد استنفار الشعب حين تحدى البشير المعارضة خلال لقاء جماهيرى نهاية العام الماضى وخاطبهم بأن إسقاط نظامه بمثابة «لحس الكوع»، كما أكد ذلك مساعد رئيس الجمهورية نافع على نافع بأن من يريد إسقاط النظام فعليه «بلحس كوعه» أولا. هذا الحدث استدعى الناشطين السودانيين إلى تنظيم حملات على موقع التواصل الاجتماعى أطلقوا عليها «جمعة لحس الكوع وشذاذ الآفاق» ترافقت بمظاهرات ميدانية. وفى سوريا، أطلق الرئيس بشار الأسد على شعبه الثائر مختلف المسميات والألقاب، وذلك عند إلقاء خطاباته حينا أو من خلال لقاءاته المتلفزة، حيث وصف الأسد وأعوانه بدء الحراك السلمى بأنه من فعل بعض «المندسين» والمخربين، وأنهم لن ينجحوا فى ذلك، لأن الشعب سيقف سدا منيعا أمام مخططات هؤلاء «المندسين». ورد السوريون على ذلك بإطلاق النكات التى تسخر من هذا الوصف، ثم ما لبث الحراك السلمى أن تحول إلى مواجهات بين الشعب والقوات الحكومية من الأمن والشبيحة. واتفق جميع الرؤساء فى بلدان الثورات على أن الحراك الذى قام به الشعب هو ليس إلا مؤامرة دولية على بلده، وأن هناك من يديره خلف الكواليس غيرة وحسدا من رغد العيش والرفاهية والترف الذى يعيش فيه كل شعب من الدول التى قامت بها الثورات، وأن من قام بذلك ليس إلا المخربون الغرباء. كما وعد كل رئيس بأنه سيقوم بالإصلاح الذى طالما انتظره الشعب الثائر، على أن يعطيه الفرصة والوقت المناسب لهذه الإصلاحات. العامل المشترك الأكبر فى الخطابات أيضا كان توجيه الخطاب إلى دفة العداء العربى الإسرائيلى، وأن هذه الثورات تصب فى خدمة إسرائيل ويجب إيقافها، فى إنكار واضح أن الفقر والجوع والبطالة وغلاء الأسعار والعديد من الأسباب السلبية هى التى دعت الشعوب إلى الثورات التى قامت بها.