إن وجهة النظر السائدة بشأن الاتفاق الأمريكى الروسى لنزع السلاح الكيميائى السورى هى أن الاتفاق تطور سلبى ويشكل فشلا لاستراتيجية بنيامين نتنياهو حيال إيران. وفى الواقع منذ وقفت إسرائيل موقف المشجع على الهجوم الأمريكى، سواء من وراء الكواليس أو عبر نشر المعلومات التى تحدثت عن اعتراض الاستخبارات الإسرائيلية محادثات تشير إلى تعمد بشار الأسد استخدام السلاح الكيميائى، فالاستنتاج الطبيعى هو أن إلغاء الهجوم هو بمثابة ضربة للسياسة الإسرائيلية التى كانت تأمل أن يشكل رسالة إلى إيران ويلحق الضرر بحليفتها «سوريا». إن خطابات نتنياهو فى مطلع هذا الأسبوع والتصريحات الصادرة عن وزراء طلبوا عدم ذكر أسمائهم، تعمق الاحساس بخيبة الأمل الإسرائيلية. ويبدو أن إيران تراقب سلوك باراك أوباما وهى لا بد من أن تستنتج أنه لن يهاجمها، وبهذه الطريقة يصبح نتنياهو وحيدا. تخلط وجهة النظر هذه بين تكتيك رئيس الحكومة واستراتيجيته التى يمكن القول إنها الآن فى مرحلتها الأكثر تفاؤلا وضمانة. وفى الحقيقة فإن إسرائيل على عكس تصريحات نتنياهو الحربية، لا ترغب فى مهاجمة إيران لا وحدها ولا بمساعدة الولاياتالمتحدة. ويشكل هذا الأمر حتى بالنسبة لكبار مؤيديه، الخيار الأخير وفائدته غير مضمونة. كما أن إسرائيل، وعلى عكس تصريحات نتنياهو، لا تخشى حدوث محرقة نازية ثانية، بل إنها ترى أن حصول إيران على سلاح نووى من شأنه أن يضعف إسرائيل استراتيجيا ويؤدى إلى انتشار هذا السلاح. ومن أجل الحؤول دون ذلك، يهدد نتنياهو بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وهو يستخدم ورقة المحرقة النازية من أجل تقوية تهديده. وفى الواقع، فإن هذا التكتيك يقوم على التضليل الهادف إلى إشاعة شعور بوجود خطر حقيقى على الدولة لإجبار الولاياتالمتحدة على الدفاع عن حليفتها ويسمح لإسرائيل بالقيام بعملية عسكرية وقائية. لكن الهدف الاستراتيجى يختلف عن ذلك، وهو يسعى إلى أن يحدث مع إيران ما حدث مع سوريا. فمن الواضح للجميع أن المشروع النووى الإيرانى مثله مثل السلاح الكيميائى السورى لا يمكن تدميرهما بصورة كاملة من خلال هجوم عسكرى. كما أن الاتفاق على نزع السلاح الكيميائى من سوريا حتى إذا لم ينفذ بصورة كاملة من شأنه أن يؤدى إلى نتائج إيجابية أكثر من أى عملية قصف. لقد وصل نتنياهو اليوم إلى النقطة القصوى فى تحقيق استراتيجيته، فحقيقة أن روسيا هى التى حالت دون وقوع الهجوم الأمريكى من شأنها أن تعكس الوجه الآخر للموضوع، أى انضمام فلاديمير بوتين إلى الجهود المبذولة ضد انتشار السلاح غير التقليدى. ومن المحتمل أيضا أن يشجع موقفها هذا روسيا، مقابل تقوية مكانتها فى العالم، على الانضمام إلى عملية مشابهة حيال إيران. وفى الواقع ليس من مصلحة روسيا انتشار الأسلحة غير التقليدية، بل زيادة قوتها السياسية. وما تجدر الإشارة إليه هو أن تردد أوباما حيال الهجوم العسكرى على سورية من شأنه أن يقوى التهديد ضد إيران. فلو هاجمت الولاياتالمتحدة سوريا بعد عملية مضنية تسبق تصويت الكونجرس وفى ظل انهيار الدعم الدولى، فعلى الأرجح ستكون الإدارة منهكة بحيث لن ترغب فى الذهاب إلى حرب جديدة. «ولكن، عندما يحين أوان التعامل مع إيران» سيستنتج الإيرانيون بالتأكيد أن أوباما لا يستطيع التهديد مرتين بالهجوم ثم يتراجع، وهو فى المرة المقبلة سيطلق النار. من هنا فثمة حظوظ كبيرة لأن تكون إيران مستعدة للتسوية. إن المأزق الذى يجد نتنياهو نفسه فيه هو فى عدم قدرته على التباهى بإنجازه، فإذا أعلن رضاه «عن الاتفاق الروسى الأمريكى» فهو سيكشف أوراقه. لذا يرى أن عليه أن يواصل تهديداته، وأن يعبر من خلال وزرائه عن خيبة أمله من الأمريكيين. لكن إذا استمر التعاون مع الإدارة الأمريكية من وراء الستار حتى التوصل فى النهاية إلى تجريد إيران من منشآتها النووية، فإن الصحافيين سيسخرون من تضخيم نتنياهو للخطر الإيرانى، لكن المؤرخين سيحكمون بصورة إيجابية على سياسة نتنياهو فى هذا الشأن.
محلل سياسى «هاآرتس» نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية