فجأة، أعلنت الحكومة التونسية المؤقتة حرباً شرسة على مختلف الواجهات ضد الحركات الإرهابية التي صلب عودها في تونس. ففي ندوة صحفية، أعلن النهضوي علي العريض تصنيف جماعة "أنصار الشريعة" ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، قبل أن يلتزم وزير داخليته لطفي بن جدو باتخاذ كل التدابير اللازمة للقضاء على هذا الفصيل الإسلامي. ففيما يزداد الوضع السياسي تأزماً مع تواصل اعتصام "الرحيل" الذي تنظمه مختلف قوى المعارضة التونسية منذ ما يناهز الشهر للمطالبة برحيل الحكومة الحالية بعد اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي، ها هي حركة النهضة تكتشف على حين غرة أن الارهاب أصبح له موطن قدم فوق الأرض التونسية، وهو البلد الذي كان في الماضي بمنأى عن امتداد الأخطبوط الارهابي الذي بلغت أذرعه الدول المجاورة لها. فمنذ الأيام الأولى التي تلت الثورة التونسية، تعالت الأصوات للتحذير من تنامي المد السلفي الذي استغل اهتزاز أركان الدولة بعد اسقاط النظام السابق، لينتشر في مختلف مدن وقرى تونس. ومنذ ذاك الحين، نبهت القوى الحقوقية والفرق الثقافية من خطورة غض الطرف عن حالة التعبئة والتحشيد التي ينظمها السلفيون، بمختلف تياراتهم، للتحضير للحظة الصفر. فعندما بلغ لوسائل الاعلام عن أنباء باقامة "امارة اسلامية" بمدينة سجنان الصغيرة، ولما كان السلفيون ينظمون ما سموه ب"الشرطة الاسلامية" الموازية من أجل مراقبة أخلاق الناس، ادعت السلطات المحلية أن في الأمر مبالغة وتهويل. وبعدما تم الاعتداء على الفنانين واستهداف أنشطتهم، زعمت الحكومة أن تلك الحركات هي مجرد تصرفات فردية ولا تعبّر عما يعتقد فيه السلفيون التونسيون. وفي الأثناء، أتقنت الحركات السلفية اسغلال حالة التسامح تجاههم من طرف لا يختلف جذرياً في مرجعيتهم الفكرية، لينظموا أنفسهم بعناية، وهو أثبتته وزارة الداخلية في الندوة الصحفية الأخيرة. مجموعات دعوية لنشر الأفكار السلفية. جناح عسكري مسلح للتدريب وللقيام بعمليات قتالية. فرقة للاغتيالات. تلك هي كانت هرمية تنظيم "أنصار الشريعة" التي كشفتها المصالح الأمنية، مؤكدة أن هذه الحركة كانت بصدد التخطيط للانقلاب على الدولة! هدف سبق أن تمّ التنبيه اليه في العديد من المرات، لكن تخاذل الحزب الحاكم الحالي عن الأخذ بها هو الذي أدى الى تعاظم نفوذ ذلك التنظيم. فحدث المحظور: اغتيالات سياسية، مهاجمة الجيش التونسي فوق مرتفعات جبال الشعانبي، قنابل مفخخة ضد الشرطة. ففي بلد ندر فيه الارهاب، وانعدمت فيه التيارات الراديكالية المتطرفة، يتحول مشهد الدماء المسالة بفعل عمليات تنظمها مجموعات محسوبة على السلفية الجهادية، تدريجياً، إلى صورة بدأت تُنمّط في ذهنية المواطن التونسي. ولا يمكن الا تحميل حركة النهضة المسؤولية الأبرز في ما آلت اليه البلاد. فهي التي تغافلت، عمداً، عن الأنشطة التحريضية التي تقوم بها تلك المجموعات ضد النشطاء العلمانيين. وتركت المساجد والجوامع لقمة سهلة أمام الأئمة المحسوبين التيار السلفي ليبثوا أفكارهم في مؤسسات دينية من المفروض أن تكون تحت إشراف الدولة. كما استغل السلفيون الظرف التونسي المهتز من أجل تهريب والسلاح وتخزينه في بلد لم يكن في الماضي رواج الأسلحة فيه أمراً معتاداً ومتداولاً، وأرسلوا جماعاتهم للقتال في سوريا، وربطوا علاقات تنظيمية مع الإرهابيين في الجزائر وليبيا ومالي. ويحدث كل ذلك تحت أعين حركة النهضة التي غضت الطرف عن مراقبتهم ومحاسبة من يلتجئ إلى العنف منهم. فهي التي فعّلت قانون العفو التشريعي العام ليشمل الإرهابيين الذين سُجنوا في العهد السابق جراء ثبوت إعدادهم لعمليات ارهابية، ولم تُعاقب بما فيه الكفاية السلفيين الذين تأكد اقترافهم لتجاوزات ضد الناس، واستعمال متعمد للعنف ضد خصومهم الفكريين. وهاهي اليوم على حين غرة، تدّعي حركة النهضة أنها ستعمل على محاربة الحركات الارهابية، بعد أن ترسخت أقدامهم في تونس! لا يمكن لحزب فشل في التعاطي مع المسألة السلفية أن يواصل حكم بلد تسعى فيه بعض القوى المتطرفة إلى تهديد قوام دولته. والواجب على النهضة اليوم، أن تتنحى جانباً، حتى لا يزداد هذا الورم استفحالا، ويصعب اثر ذلك استئصاله.