يمر العالم بمأزق. فقد انتهك النظام السورى القواعد الأساسية للقانون الدولى والإنسانى عندما استخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه. وأصيبت الأممالمتحدة، التى يفترض أن تتولى حفظ السلم الدولى، بالشلل بسبب تعنت روسيا والصين اللتين تملكان حق النقض فى مجلس الأمن. فليس من المستغرب أن يدافع كل من دعاة التدخل الليبرالية والمحافظين الجدد الواقعيين عن التدخل العسكرى الأمريكى، حتى لو كان ذلك غير قانونى. وكما قال الرئيس أوباما يوم السبت الماضى، «إذا لم نفرض المحاسبة فى مواجهة هذا العمل الشنيع، فكيف نبرر تصميمنا على الوقوف فى وجه الآخرين الذين يخرقون القواعد الدولية الأساسية؟» ولكن هذا السؤال يتجاهل ما هو واضح: إذا بدأت الولاياتالمتحدة هجوما من دون تفويض من مجلس الأمن، فسوف تنتهك أهم قاعدة دولية أساسية على الإطلاق، حظر استخدام القوة العسكرية فى غياب موافقة مجلس الأمن إلا فى حالة الدفاع عن النفس. وربما تكون هذه القاعدة أكثر أهمية للأمن فى العالم وأمريكا من الحظر المفروض على استخدام الأسلحة الكيميائية. ولا يستطيع أوباما أن يبرر هجوما على سوريا استنادا إلى وجود تهديد مباشر للولايات المتحدة. كما لا يبدو أن هناك تهديدا مباشرا لتركيا، عضو حلف الناتو، قد يبرر الهجوم بدعوى الدفاع الجماعى عن النفس. والحقيقة المحزنة هى أن الرئيس السورى يواجه أهوالا فى الوقت الراهن تهدد شعبه على الرغم من أن الصراع قد تسبب فى فرار مليونى لاجئ إلى بلدان أخرى. ●●● ويرى البعض أن القانون الدولى يوفر «مسئولية الحماية» الذى يسمح للدول بالتدخل أثناء الكوارث الإنسانية، من دون تفويض من مجلس الأمن. ويشيرون إلى تدخل حلف الناتو فى كوسوفو عام 1999. لكن فى عام 2009 رفض الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، هذا الرأى، موضحا ان «المسئولية عن الحماية لا تغير الالتزامات القانونية للدول الأعضاء بالامتناع عن استخدام القوة إلا بما يتفق مع الميثاق، بل تعززها»، وهو الموقف الذى أكده يوم الثلاثاء. (رأت اللجنة الدولية المستقلة بشأن كوسوفو أن التدخل كان «غير قانونى ولكنه مشروع»). ويقول آخرون إنه موقف قانونى، وإن كان ساذجا، الاعتماد على ميثاق الأممالمتحدة الذى تم انتهاكه مرات عديدة. فما الضرر من انتهاكه مرة أخرى، خصوصا عندما يكون البديل هو ذبح الأبرياء؟ ولكن كل هذه الانتهاكات تتراكم، وكل منها تجعل من الصعب إلزام الآخرين بالقواعد. وإذا ما توقعنا ما حدث فى كوسوفو والعراق مع سوريا سيكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، منع الآخرين من استخدام مماثل للقوة. ولنتأمل العالم ما قبل الأممالمتحدة. فقد كانت القاعدة الأساسية لذلك النظام، التى استمرت طوال قرون، أن للدول الحق فى خوض الحرب عندما تنتهك حقوقها الشرعية. وقد حاولت إسبانيا تبرير غزوها للأمريكتين بحماية السكان الأصليين المدنيين من الفظائع التى ارتكبتها شعوب أصلية أخرى. وقامت حرب الخلافة فى النمسا بسبب الخلاف على حق المرأة فى وراثة العرش. وعلى نحو كبير، بررت الولاياتالمتحدة الحرب المكسيكيةالأمريكية، بما فى ذلك الاستيلاء على ولاية كاليفورنيا وجزء كبير من ما أصبح الآن جنوب غرب أمريكا، عبر الإشارة إلى عدم دفع المكسيك التعويضات عن الأضرار القديمة والديون المستحقة. ولم تكن مشكلة النظام القديم عدم وجود من ينفذ القانون، ولكن فى وجود الكثيرين ممن يرغبون فى القيام بذلك، ويقدرون عليه. وكانت النتيجة حرب مستمرة تقريبا. وفى معاهدة كيلوج برياند لسنة 1928، وميثاق الأممالمتحدة لعام 1945، رفض العالم هذا النظام. وتم منع قيام الدول بإنفاذ القانون من تلقاء نفسها، وصار عليها العمل من خلال نظام للأمن الجماعى. ●●● وعلى الرغم من جميع إخفاقاتها الواضحة، حققت منظومة الأممالمتحدة عالما أكثر سلاما من سابقتها. فلم يعد من من حق أى زعيم تحصيل الديون أو الاستيلاء على عروش من خلال الحرب. ويجوز أن تتفتت الدول إلى أجزاء أصغر، ولكنها لا تتعرض للغزو. وصارت دبلوماسية البوارج غير واردة. ومن الطبيعى أن تكون هناك رغبة فى الرد بالقوة على الفظائع فى سوريا. فمن المستحيل مشاهدة ذبح المدنيين من دون الشعور بدافع أخلاقى للتحرك. ويدفعنا تخاذل مجلس الأمن عن التصرف إلى الشعور بالعجز فى مواجهة الشر. ولكن الاختيار بين القوة العسكرية أو اللا شىء خيار غير صحيح، حيث لا تعتمد معظم قواعد القانون الدولى على القوة لتنفيذها، ولكن على سلطة الأمم الجماعية فى حرمان الدول من مزايا العضوية فى النظام الدولى. ويستطيع أوباما قطع أى تعاقدات حكومية متبقية مع الشركات الأجنبية التى تتعامل مع نظام الأسد، كما يمكنه العمل مع الكونجرس لتقديم المزيد من العون للمتمردين واللاجئين السوريين، بما فى ذلك توفير الترياق اللازم لعلاج الإصابة بغاز الأعصاب. كما يمكنه استخدام قدراته البلاغية للتشهير بروسيا والصين، والضغط عليهما. وعلى الرغم من حكمة مؤسسى الأممالمتحدة، إلا أنهم أظهروا قصر نظر لا يصدق فى الإبقاء على نظام فيه خمس دول دائمة تمتلك حق النقض فى مجلس الأمن. وللأسف، من المستبعد أن يتغير هذا النظام، على الرغم من الإجماع تقريبا على أن هذا التشكيل ليس له معنى. والسؤال هو عما إذا كنا نستطيع التكيف مع هذه العيوب. وإذا لم يكن الأمر كذلك، علينا أن نفكر جيدا فيما كان من الممكن أن يكون البديل، وندرك أنه كان من الممكن أن يكون أسوأ من ذلك بكثير.