فى تحد جديد للفنان صلاح السعدنى الذى يمتد مشواره الفنى 50 عاما، قرر أن يصدم جمهور رمضان باختياره شخصية «عبدالقوى» الرجل العجوز الذى يتزوج من فتيات فى عمر الطفولة بمسلسل «القاصرات»، ليتمتع بهن بقسوة مقابل حفنة من المال يمنحها لعائلاتهن. عن هذا العمل والقضية التى يناقشها يتحدث صلاح السعدنى ل«الشروق»: يقول السعدنى: ما حدث من لغط خلال العامين ونصف العام الماضيين بعد ثورة 25 يناير جعلنى متحيراً جدا، فجلست أولا مع المخرج عصام الشماع، وبحثنا فى تاريخنا الأدبى عن رواية للواقع الذى نعيشه بعد الثورة، ومع قناعتنا بأن التيار المدنى انكسر بهذه الثورة بعد ظهور جحافل التيارات الدينية، فلم نجد الا رواية «السمان والخريف» للأديب الكبير نجيب محفوظ التى قدمها للسينما المخرج الراحل حسام الدين مصطفى، والتى ناقشت المجتمع المدنى الليبرالى الذى كان موجودا عقب ثورة 19 ضد الحكم العسكرى، وبالفعل تحمست لهذه الفكرة وتم كتابة أكثر من نصف حلقات المسلسل، لكن فى ظل التحضير اتصلت بى المؤلفة سماح الحريرى والمخرج مجدى أبوعميرة ليعرضا على مسلسل «القاصرات» الذى كان يسمى حينها «وأد البنات». والحقيقة عندما قرأت الحلقة الاولى تعرضت لصدمة شديدة وأصبت بالرعب من القسوة التى تظهر بها شخصية «عبدالقوى»، لكن خطورة قضية زواج البنات الصغار وأهميتها جعلتنى أتحمس للموافقة على المسلسل دون تردد، خاصة أن والدتى تزوجت وكان عمرها 12 عاما، وهذه كانت عادة فى الريف المصرى. • هل موافقتك على المسلسل بدافع الدراما أم القضية؟ القضية هى التى لفتت نظرى فى البداية لأن هذا الرجل «البهيمى» أحل ما حرمه الله، ورغم أنى لست فقيها فى الدين ولكنى مقتنع أن انتهاك براءة الأطفال حرام. فنحن نقدم فى هذا المسلسل موضوع خاص للأسف له من يدافع عنه فى المجتمع، ولا يجب أن ننسى أن العام الماضى حصلت مناقشات فى لجنة اعداد الدستور الذى عطلته ثورة 30 يونيو حول مسألة زواج الفتيات فى سن صغيرة، فهل يعقل أن تتزوج فتاة فى عمر 7 سنوات. بخلاف ذلك هذه القضية اثيرت فى محافظة الجيزة منذ فترة، فى احدى قرى البدرشين ظهر مجموعة من السماسرة يجلبون رجال اعمال عرب متقدمين فى العمر ليتزوجوا من بنات صغار مقابل حفنة من المال يمنحوها عائلاتهم، وكثير من هؤلاء العرب يتمتعون بهذه الفتيات ثم يسافرون بدونهن، الآزمة الأكبر أنهم يدعون تطبيق شرع الله. لذلك أبهرنى فى النص الذى كتبته سماح الحريرى أنه يتناول القضية من وجهة النظر الشرعية والطبية والنفسية. • هل الدولة يمكن أن تهتم أكثر بقضية زواج القاصرات بعد تقديمها على الشاشة؟ رغم قناعتى بأن الدور الاساسى والرئيسى للفن هو الامتاع، الا أنه قام بهذا الدور مرات عديدة، وساهم فى اقتراح حلول لكثير من القضايا المعقدة، فى فيلم «أريد حلا» لسيدة الشاشة فاتن حمامة الذى صدر بعده قانون الخلع الذى يسمح للمرأة التى لا تطيق العيش مع زوجها أن تطلق منه، فيلم «جعلونى مجرما» بطولة فريد شوقى الذى صدر عقب عرض هذا الفيلم قانون مصرى ينص على الاعفاء من الجريمة الأولى فى الصحيفة الجنائية حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة. فالفن له دور كبير، وعمل فى اوقات كثيرة خدمات كثيرة للمجتمع. • كيف حضرت نفسك لهذه الشخصية القاسية؟ مع كل التسهيلات التى قدمتها المؤلفة تبقى أمامى أن الشخصية شديدة القسوة والقبح، ولأنى اريد الجمهور أن يشاهد المسلسل ولا ينفر من هذه الشخصية وجدت أننى مطالب بعد هذه الخبرة الطويلة أن ابحث عن وسيلة أمرر بها هذه الشخصية القبيحة للمشاهد ليكرهها دون أن يكره صلاح السعدنى، وهذا أخذ منى جهدا كبيرا، كما تعمدت أن ابتعد عن المبالغة فى نطق اللهجة الصعيدية. • البعض تأثر بوفاة الطفلة ملك أحمد زاهر.. وشعروا بقسوة عبدالقوى لتعامله السيئ مع أهلها بعد وفاتها؟ هذه الطفلة تحديدا كنت أشعر بالغثيان كلما اقتربت منها، فى وجهها كالبدر وهى أصغر من أحفادى، ففى اللحظات التى كان يطلب منى المخرج أن اتحسس وجهها وشفتاها، كنت أصاب بحالة من القرف، من نفسى، خاصة عندما أتخيل أن هذا الرجل سيفترس هذه الطفلة التى لا ذنب لها، وبشكل عام أنا تعبت نفسيا فى تنفيذ هذا العمل. • كيف كنت تتعامل مع هؤلاء الاطفال على مستوى التمثيل؟ أدعى أنهن موهوبات بشكل مدهش، واعترف أن أى منهن لم تحتاج حتى الى الملحوظة، كل تدخلاتى معهن كانت فى تفصيلات بسيطة، لكنهن كن على وعى واستيعاب كامل ليس فقط بالتمثيل وانما بالقضية التى تقدم، وهذا اسعدنى للغاية وطمأننى على مستقبل الفن فى مصر. التمثيل مع بنات شديدات البراءة جعل التجربة بكرا ونقية، ولهذه الأسباب المسلسل وصل للمشاهد، فلا يوجد تكلف فى التمثيل على الاطلاق. هؤلاء الفتيات الفنانات كان لهن حضور طاغ ودخلن قلب المشاهد، لذلك كانت تجربة التمثيل معهن ممتعه. أيضا كنت سعيدا جدا بالتعاون لأول مرة مع داليا البحيرى، والفنانين الكبار رشوان توفيق وجمال اسماعيل اللذين اعتبرهما اخوتى الكبار من ايام مسرح التليفزيون، وكذلك ياسر جلال، وجيهان قمرى ولقاء سويدان، وسعدت جدا بالتعاون معهم، وأرجو ان الجهد الذى بذلناه يكون قد وصل الى الناس. • ألم تخيفك الصراحة والمباشرة الشديدة للمسلسل؟ سر نجاح «القاصرات» أن المؤلفة قررت لأول مرة تناول القضية بشكل مباشر من خلال الأطفال، وليس من خلال وسيط كما كان الفن يقدم هذه القضية من قبل. لذلك أرى ان سماح الحريرى البطل الحقيقى لهذا العمل، فما كتبته جديد على الدراما المصرية، لكن فى كل الأحوال لا أنكر أننى تخوفت من هذه المباشرة لأنى كنت أخشى أن يلفظنى المشاهد، ولكنى واجهت ذلك بأننى استرجعت ذاكرة السينما المصرية وبحثت كيف كان يقدم العمالقة مثل هذه الشخصية، بداية محمود المليجى الذى كان يتناولها بهدوء وبنظرة عين وبرقة شديدة، ففى الوقت الذى كان الفن يعانى من المبالغة فى التمثيل بمصر كان المليجى الأكثر بساطة ورقة فى التمثيل وإلقاء الجمل، وكذلك توفيق الدقن فكان يتناول الشخصية القبيحة بظرف شديد وكان يبحث عن الابتسامة ليخفف قسوة الشخصية، أيضا زكى رستم الذى كان يضغط على الشخصية وعلى الكلام ويبرز كل شىء. الحقيقة أنا قدمت شخصية عبدالقوى بخليط من صلاح السعدنى بخبرته الطويلة الى جانب هؤلاء العمالقة الذين أنتسب اليهم. • ما هى الاعمال التى تابعتها فى رمضان؟ «اسم مؤقت» و«ذات» لأنى أعشق الرواية التى أبدعها صنع الله ابراهيم، ثم «بدون ذكر اسماء» لوحيد حامد، ثم أتابع «القاصرات»، و«موجة حارة» للراحل أسامة انور عكاشة، وبالمناسبة هذه الرواية عندما كتبت كلمنى عكاشة بعد 4 حلقات فقط، وسألنى عن رأيى فى المشاركة بدور معين فرفضت، فسألنى عن السبب فقلت له أنا لا أخاف من الشخصية الشريرة ولكن فى هذا العمل الشر لا أجد له مبررات. فقال لى إنه لا يكتب عن شخص وانما يكتب عن مجتمع ونظام الحكم، فقلت له أنا أتحدث عن الشخصية التى رشحت لها، فهو كان يريدنى أن أقدم شخصية «القواد» التى قدمها فى المسلسل الفنان سيد رجب، ويجب أن اعترف الآن أن أسامة غضب منى بعد رفضى الشخصية لأنى لم أشجعه على كتابتها.