ب-افتتاحيات الحروف المقطعة (1) فى القران الكريم عدد 29 سورة بدأت بحروف مقطعة، لا عهد للأساليب البلاغية شعرا ولا نثرا بهذه البدايات شديدة الدهشة رفيعة الوقار، وقد جاءت بدايات تلك السور فى أنساق متغايرة فهناك ثلاث سور تبدأ بحرف واحد وهى «ص»، «ق»، «القلم»، و9 سور تبدأ بحرفين وهى «طه»، «يس»، «النمل» وتبدأ بحروف «طس»، وتشترك 6 سور فى البداية بلفظ «حم» وهى «غافر»، «فصلت»، «الزخرف»، «الدخان»، «الجاثية»، «الأحقاف»، 13 سورة تبدأ بثلاثة أحرف، منها 6 سور تبدأ بحروف «ألم» وهى «البقرة»، «آل عمران»، «العنكبوت»، «الروم»، «لقمان»، «السجدة»، 5 سور تبدأ بحروف «ألر» وهى «يونس»، «هود»، «يوسف»، «إبراهيم»، «الحجر»، سورتان تبدأ كل منهما بحروف «طسم» وهما «الشعراء»، «القصص»، ثم سورتان تبدأ كل منهما بأربعة أحرف وهما «الأعراف» تبدأ بحروف «المص»، و«الرعد» تبدأ بحروف «المر»، وأخيرا سورتان تبدأ كل منها بخمسة أحرف وهى «مريم» تبدأ بحروف «كهيعص»، «الشورى» تبدأ بحروف «حم عسق». (2) هذه 29 سورة فاجأت بلغاء العرب بهذه الافتتاحيات غير المعهودة فلم يعترضوا عليها، ولم يوجهوا لها أى نقد، ولم يطعنوا فى بلاغتها بل إن بلغاء العرب قد تمنوا أن يكون القرآن قد نزل على واحد منهم هو (الوليد بن المغيرة)، ((وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ))، الزخرف (43). وقد تعود أساتذة التلقين والتحفيظ أن يساعدوا التلاميذ على تذكر المحفوظات فيصيغون كلمات تجمع الموضوع مثل قول علماء النحو: حروف المضارعة هى (أ،ت،ن،ي) وتجمعها كلمة «أنيت»، وكذلك حروف العلة (أ،و،ى) وتجمعها كلمة «واى»، وقال المفسرون إن افتتاحيات السور ال29 بلغت 18 حرفا هى (أ/ح/ر/س/ ص/ ط/ع/غ/ ق/ك /ل/ م/ن/ه/ى) وتسهيلا لحفظ هذه الحروف جمعوها فى عبارة رشيقة هى «قول حكيم قاطع له سر»، والحروف العربية هى تسعة وعشرون حرفا إذا اعتبرنا الألف والهمزة حرفين، فالحروف الافتتاحية قد استعملت نصف عدد الحروف «14حرفا»، ولا يغيب عن بالنا أن المسلمين وغيرهم استمعوا لهذه الحروف تتلى فلم يعترضوا ولم ينتقدوا، بل لم يسألوا عن معناها، وعدم سؤالهم يعنى أن جميع الناس قد استوعبوها، فالرافضون لم ينتقدوها والمؤمنون لم يسألوا الرسول عنها، فلعل هؤلاء جميعا قد رأوا «الأحرف المقطعة» افتتاحا مبهرا يلفت القارئ والسامع بل ربما يكون افتتاحا «وظيفيا بلاغيا»، حيث يشير إلى المادة الرئيسة فى البلاغ وهى الحروف. (3) على أن أهل اللغة قد نظروا إلى الحروف نظرة لغوية، ودققوا فى علم الأصوات ولذلك قرروا أن الحروف المقطعة وهى 14 حرفا تمثل نصف عدد الحروف الأبجدية كما قررنا، وليس ذلك فحسب فقد جائت هذه الحروف تمثيلا لوظائف أخرى: فأولا من حيث الهمس والجهر فالحروف المهموسة عشرة أحرف تجمعها كلمة «فحثه شخص سكت»، ونحن نجد من هذه الحروف العشرة 5 أحرف من الحروف المقطعة وهى حروف «ص،ك،ه،س،ح» وحروف الجهر 18حرفا جاء منها فى الحروف المقطعة 9 أحرف، وكذلك الحروف «الشديدة والرخوة» والحروف «المطبقة والمنفتحة» وحروف «القلقة» فكل نوع من هذه الحروف ذكر نصف عدده، فإذا سألنا أنفسنا سؤلا عقليا: هل أمرنا الله أمرا لازما بتفهم وتفسير وتأويل هذه الحروف؟ والجواب المتيقن أن الله لم يأمر، ولن يسألنا عنها حيث إنها لا تحمل أمرا ولا نهيا، ولا تشير إلى معتقد. فهل تعتبر هذه الأحرف وهذا رأى خاص أشبه «بالغلاف/الظرف» الذى يضم الخطاب بداخله؟، ونسأل سؤلا آخر: إذا استثنينا هذه الحروف من البحث والتنقيب هل ينقص ديننا شيئا؟ والجواب المتيقن أن التدين لا يتوقف على فهم هذه الأحرف، إذ لو كان التدين يحتاجها لتولى القرآن أو الرسول بيانها.