-1- لأن الله بعث فى كل أمة بشيرا ونذيرا ((..وَإِن مِّن أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِير )) فاطر (24) أى أن الله لم يترك أمة من الأمم ولا جيل من الأجيال دون أن يرسل لها رسولا يعلمها ويخبرها بما ينفعها وما يضرها، حتى تتبين كيف تسلك حياتها (( وَمَا كَانَ 0للَّهُ لِيُضِلَّ قَومَا بَعدَ إِذ هَدَىٰهُم حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ)) التوبة (115).
فلا أمة من الأمم قد أهملتها السماء، فجميع البشر فى كل العصور كان الله يؤيدهم ومعهم نذير وبشير يعلمهم ما يجب أن يعرفوه وما يعلموه، كذلك يعرفهم ما يجب أن يتركوه ويتقون فعله.
وحتى يكون النذير حجة على من أرسل إليهم فلابد أن يأتى هذا النذير بلغة القوم الذين بعثه الله إليهم ((وَمَآ أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم..)) إبراهيم (5)، وقد سبق أن أرسل الله الرسل للأمم بلغاتهم حتى يتفهموا ويتبينوا.
كذلك حتى يتواصل الحوار بين الرسل والناس، فالله سبحانه وتعالى قد أرسل رسله بالبلاغ المبين أى بالبلاغ الواضح، وأهم ركن فى وضوح البلاغ وحدة اللغة بين الرسول وقومه وقد تعاملت الأمم السابقة مع أنبيائها وجادلتهم، حيث كان الجميع يتكلمون بلغة واحدة يفهم بعضهم بعضا.
-2- فإذا كانت آخر الرسالات «القرآن الكريم» من نصيب أمة العرب، اختارهم الله ليعلمهم كيف يستقبلون الدعوة وكيف يحملونها إلى غيرهم من الشعوب لذلك فلا عجب أن يؤكد القرآن طبيعة لغته وليس ذلك تمييزا للعرب ولكن تذكيرا بطبيعة اللغة، وضرورة الالتفات إلى جذورها وتراكيبها.
هكذا نرى القرآن يقرر فى سورة الشعراء ((وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ 0لعَٰلَمِينَ 192 نَزَلَ بِهِ 0لرُّوحُ 0لأَمِينُ 193 عَلَىٰ قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ 0لمُنذِرِينَ 194 بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُّبِين 195))، وحتى تقوم الحجة على الذين أنزل عليهم يقول القرآن ((إِنَّآ أَنزَلنَٰهُ قُرءَٰنا عَرَبِيّا لَّعَلَّكُم تَعقِلُونَ)) يوسف (2) أى لعل عقولكم تستيقظ فتتعرف على ما ينفعها، وإذا كان فى لهجات وثقافات بعض العرب بعضا من الإعوجاج يغرق السامع والقارئ فى بحر من الألغاز والغموض.
فإن الله يشهد للقرآن بأنه عربى منضبط ((وَلَقَد ضَرَبنَا لِلنَّاسِ فِى هَٰذَا 0لقُرءَانِ مِن كُلِّ مَثَل لَّعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ 27 قُرءَانا عَرَبِيّا غَيرَ ذِى عِوَج لَّعَلَّهُم يَتَّقُونَ 28)) الزمر، وتكرر ذلك البيان أكثر من مرة. -3- ورغم هذا التقرير الواضح من القرآن نفسه، فترى بعضا من الأعراب ظنوا أنهم المرجع اللغوى، وأنهم دون سواهم يحيطون باللغة العربية فها هم بعض المتعالمين يتطاولون ويصنفون بعض ألفاظ القرآن على أنها ألفاظ غير عربية بل راحوا يصنفون بعض ألفاظ القرآن التى اختاروها ويزعمون أن بعضها «رومى» وبعضها «فارسى».. إلخ.
وتلك دعاوى لا تثبت ولا يقوم عليها دليل، فهم ينقلون روايات مريضة هزيلة عن بعض الأعاريب ينقلها هؤلاء المدعون سواءا من المسلمين أو من المبشرين الذين صنعوا لأنفسهم مكانة بالكذب والإدعاء. -4- إن كلمات القرآن قد نزلت وتليت وسمعت فى المساجد والأسواق والمناسبات، وقد سمعها الأعداء كما سمعها الأصدقاء فهل سمع مثقفو العرب وحكماؤهم القرآن وهو يقرر أنه عربى مبين، وأنه عربى غير ذى عوج، وسكتوا فلم يعارضوه؟ بل إن جهولا من الأعاريب أراد أن يتهم محمدا أنه يتلقى هذا القرآن من مصدر بشرى آخر كان يقيم فى مكة.
فلما زعم ذلك جاء القرآن يكشف ما هم فيه من خلل عقلى فقد كشف القرآن أن ذلك المصدر البشرى المزعوم ما هو إلا رجل أعجمى غير عربى، إذا فهم اللغة العربية فهو لايستطيع نطقها مثل أهلها، فهل يستطيع الأعجمى أن يبدع هذا القرآن العربى المبين (( وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّهُم يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَر لِّسَانُ 0لَّذِى يُلحِدُونَ إِلَيهِ أَعجَمِيّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مُّبِينٌ)) النحل (103)