لن ينعدل حالنا المائل والمعوج إلا إذا بدأنا الاعتراف بحقيقة المرض الذى نعانى منه. أحد الأمراض أو الأوهام التى «تعشعش» فى عقولنا أن الأوروبيين والأمريكيين وكل ما هو أجنبى عنصرى تجاه قضايانا، وأننا كمصريين وعرب أكثر تسامحا مع هذا الأمر. هذا الوهم أو هذه النغمة عادت للسطح مرة أخرى على خلفية التعليق على حادث مقتل السيدة مروة الشربينى فى دريسدن على يد ألمانى من أصل روسى الأسبوع الماضى. ألمانيا التى نهاجمها لديها عقدة مع اليهود لأنها كانت نازية وعنصرية، لكنها أيضا هى التى تفتح أبوابها أمام المهاجرين المسلمين الأتراك، وهى التى احتضنت الشهيدة مروة وزوجها، وسارعت بمحاكمة قاتلها وتجريمه. الحادث بشع ومدان ومقزز وتفوح منه رائحة عنصرية ويمكننا أن نلصق به كل وصف سيئ، لكن هل هو فردى أم لا، وهل هى عنصرية ضدنا أم لا، وهل نحن ملائكة أبرياء والآخرون هم الشياطين؟ أولا: وبطبيعة الحال فإن الدين الإسلامى يحضنا على التسامح وقبول الآخر.. هذا صحيح.. لكن هل نحن جميعا نعمل بذلك؟ أشك فى ذلك كثيرا. ثانيا: هل هناك عنصرية فى الغرب؟.. نعم، هذا صحيح، لكنها مثل العنصرية الموجودة فى أماكن كثيرة، وهى موجهة ضد كل ما هو أجنبى وليس ضد كل ما هو مصرى أو عربى أو إسلامى.. فالأحزاب والهيئات ذات التكوين العنصرى من قبيل حزب جان مارى لوبان فى فرنسا أو النازيون الجدد فى ألمانيا أو اليمين المتطرف فى روسيا بزعامة جيرنوفسكى.. هؤلاء يرفضون كل ما هو أجنبى مثلما هناك عرب ومسلمون كثيرون يرفضون كل ما هو غربى.. ويرون فى أى فتاة أوروبية تسير فى شارع عربى رجسا من عمل الشيطان ينبغى تجنبه. هناك الكثير من البشاعات فى الغرب والسياسات المنحازة لصالح إسرائيل، لكن المؤكد أن احترام كثير من البلدان الأوروبية لحقوق المواطنة جعل العرب والمسلمين وسائر الأجانب يحصلون على حقوق لا يستطيعون الحصول عليها فى بلدانهم الأصلية. هذه المواطنة والمساواة هى التى جعلت شخصية مثل باراك أوباما تصبح على قمة أمريكا بكل التعقيدات التى تكتنف أصوله وقصة صعوده، وكثيرون سألوا بعد نجاحه: هل يستطيع ابن مهاجر هذى مثلا أن يصبح رئيسا لدولة عربية فى الخليج؟! أذكر أثناء عملى فى صحيفة خليجية أن سألنا إعلاميا فرنسيا عن الاضطهاد العنصرى الذى تعرض له العرب والمسلمون فى الغرب فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001؟ إجابة الرجل جاءت صادمة وقال: نعم هناك بعض التمييز والاضطهاد حدث ويحدث للعرب والمسلمين.. لكن الصحيح أن قوانين العرب سمحت لهم بالحصول على الجنسية وأداء شعائرهم الدينية فى المساجد والاحتفاظ بكثير من خصوصياتهم.. وفى المقابل فإن بعض أبناء بلدان عربية مثل فئة «البدون» لا يستطيعون الحصول على جواز سفر رغم أنهم ولدوا فى هذه البلدان. الخلاصة علينا ألا نهاجم ألمانيا والغرب كثيرا فى مسألة المواطنة.. لأنه قبل أن نتحدث عن القذى فى عين الآخر علينا أن نتذكر الخشبة الموجودة فى عيوننا.