عامان ونصف العام مرت على انطلاق ثورة 25 يناير، عانى فيها القطاع الصناعى من عقبات كثيرة، ارتفاع سعر الطاقة، وانخفاض قيمة الجنيه، وانخفاض دعم الصادرات، بالإضافة إلى عدد من العوامل الخارجية، مثل كساد الدول الأوروبية والولايات المتحدة، على خلفية الأزمة العالمية. «الشروق» حاورت محمود الجرف، رئيس هيئة التنمية الصناعية، حول أبرز الخطوات التى تنوى الحكومة القيام بها فى الفترة القادمة لتذليل العقبات أمام النشاط الصناعى وإعادة نشاط القطاع.
• ما هى إستراتيجية هيئة التنمية الصناعية خلال الفترة القادمة من أجل النهوض بالقطاع؟ هناك تشوه كبير فى القطاع الصناعى، وكان لابد من رصد هذه التشوهات والاعتراف بها لمعالجتها والتغلب عليها. اللقطة الأولى لهذا التشوه أن هناك 100 ألف منشأة صناعية، 33 ألفا فقط ينتمون إلى القطاع الرسمى.
اللقطة الثانية، أكثر من 70% من هذه المنشآت متركز فى الدلتا (القاهرة والاسكندرية)، والباقى مبعثرون فى مختلف أنحاء مصر. أما عن اللقطة الثالثة، هو حجم فاتورة الواردات الكبيرة جدا التى تعانى منه ميزانية الدولة. كيف يكون هذا التشوه مع كل الخامات الطبيعية التى تتمتع بها مصر والموارد البشرية والموقع الجغرافى الممتاز؟ هناك خطأ فى المعادلة الصناعية فى بلدنا. وهذا ما نعكف على علاجه الآن.
• كيف ستعالجون تلك المشكلات؟ نحن نعمل الآن على إعداد خريطة صناعية تحدد إستراتيجية التوسع الصناعى على فترة زمنية طويلة، من 20 إلى 30 عاما، فى المجالات المختلفة، مبنية على المقومات المختلفة من قوة بشرية، وخامات طبيعية، والموانئ، والطلب، والسوق العالمى. نحن نعمل على هذه الخريطة منذ 5 أشهر وسيتم الإعلان عنها نهاية الشهر الحالى. وتضم خطة التوسع لهذه الخريطة أكثر من 120 مستوى للمعلومات الصناعية، بدءا من حصر لأماكن المواد الخام الموجودة فى الأرض، ومن طرق المواصلات والموانئ اللازمة لكل منطقة صناعية، إلى نوع النشاط الإنتاجى الذى تحتاجه كل منطقة، والسكن والتعليم، إلخ.
•دائما ما كانت هناك شكوى من قلة الأراضى المتاحة للتوسع الصناعى. فهل هناك أراضٍ كافية لكل هذه التوسعات المخطط لها؟ الخبر الجيد أن هناك أراضى صناعية متاحة، أما الخبر السيئ، هو أن هذه الأراضى عبارة عن مساحات شاسعة بعيدة عن العمران، وهذا هو التحدى، لأن ترفيق هذه الأراضى يحتاج إلى ميزانية كبيرة، وفى الوقت الحالى ليس من المفترض أن نثقل على الحكومة. ولذلك نبحث عن بديل آخر لا يحمل موازنة الحكومة مزيدا من الأعباء. وهذا البديل يريد الخروج من الصندوق فى التفكير.
• إذن ما هو البديل؟ نحن نخطط حاليا إلى طرح الجيل الثانى من المطور الصناعى، ولكن الطرح هذه المرة سيكون مختلفا عن الجيل الأول من المطورين.
• وما هى أهم أوجه الاختلاف؟ سنقوم بطرح الأراضى هذه المرة بنظام حق الانتفاع لمدة 49 عاما كحد أقصى، فقد انتهى عهد بيع الأراضى الصناعية حتى نضمن الحفاظ على أصول الدولة وعدم اهدارها.
وسيتم تخصيص حصة محددة لن تقل عن 20% داخل كل منطقة للصناعات الصغيرة والمتوسطة. كما سيتم تجهيز دائرة متكاملة لمساعدة هذه الصناعات، من حيث تسهيل الحصول على القروض، وربط المنتج مع الصناعات التى تحتاج إليه، والاتفاق مع الموردين لإمدادهم بالمواد الذى يحتاجون إليها. هذا هو العون الحقيقى لهم.
• وما هى المناطق المرشحة لطرح الجيل الثانى من المطور الثانى؟ الصحراء الشرقية، والصحراء الغربية، والوادى الجديد، والساحل الشمالى الغربى، وإذا احتجنا إلى مناطق أخرى، سنتقدم بطلب للحصول عليها، لقد حصلنا على الضوء الأخضر، فالصناعة ضمن الأولويات الحكومية الفترة المقبلة.
تخصيص دعم للترويج للمناطق الصناعية • ولكن تلك الاجراءات وحدها ليست كافية لحل مشكلات نقص المرافق والطاقة فى الاراضى الصناعية؟ ستقوم هيئة التنمية الصناعية بتوفير دعم للمساهمة فى توصيل المرافق إلى الاراضى البعيدة عن العمران. وسيتولى توزيع هذا الدعم صندوق دعم وترفيق الأراضى الصناعية. وقد وافقت المالية على تبعية الصندوق للهيئة، وتم تخصيص 500 مليون جنيه له، وستقوم الهيئة بتجميعهم من «وفورات» ميزانيات الهيئات التابعة لوزارة الصناعة للعام المالى الحالى. ونعمل على الاستعانة بمؤسسات كبيرة مثل البنك الأهلى أو بنك مصر لإدارة ماليات الصندوق، لتحقيق الشفافية وتفادى أى شبهة فساد.
• وهل الحكومة قادرة على توفير احتياجات هذه المصانع الجديدة من الطاقة؟ الطاقة تحدٍ حقيقى أمام القطاع الصناعى، ولكنه مؤقت، فالأزمة سيتم حلها جذريا خلال 18 شهرا من الآن. الحكومة تعمل على إعادة هيكلة خريطة الطاقة حاليا، وتوفير موارد إضافية لها. ستبدأ بخطة تحرير الأسعار، وتحويل صناعة الاسمنت إلى الفحم، واستيراد الغاز، هذا الخليط من الثلاث نقاط، سيؤدى إلى انقضاء الأزمة نهائيا. كما أن هناك توليد الطاقة من المخلفات والرياح، والطاقة الشمسية، وهناك عدد كبير من المستثمرين المحليين والأجانب تقدموا لها.
• الدولة تتحدث عن استيراد الغاز منذ ما يقرب من عام ولم يتم اتخاذ أى خطوة إيجابية حتى الآن وخطة تحرير الطاقة لا تزال معلقة.. أليس من التفاؤل أن نعتقد حل الأزمة فى خلال 18 شهرا؟ استيراد الغاز كان معلقا بسبب آلية تحديد السعر ، وهذا تم الانتهاء منه. حيث قررت وزارة البترول ألا تتدخل فى الأمر وتركت تحديد السعر للقطاع الخاص على أن تكون عملية الاستيراد تحت اشراف الحكومة.
وبالنسبة للغاز المقدم من الدولة للقطاع الخاص ستقوم الحكومة بتحديد الحصص التى سيتم توريدها لكل قطاع من الصناعات، والأولوية لن تكون بالطبع للصناعات كثيفة استهلاك الطاقة.
عدم الاستقرار السياسى يعوق الاستثمارات الأجنبية • واجه المستثمرون كثيرا من المشاكل منذ ثورة 25 يناير.. هل ساهم ذلك فى خروج كثير من الاستثمارات إلى خارج البلاد؟ معظم الطلبات المقدمة إلى رئيس الهيئة منذ ثورة 25 يناير هى طلبات للتوسع فى الأنشطة الصناعية، وليس العكس. هذا لا يعنى عدم وجود مشاكل، بل هى محدودة، وتتعلق فى القسط الأكبر منها بمشاكل تمويلية. لقد أعلنت الهيئة فى يناير الماضى، على سبيل المثال، عن طرح 5.4 مليون متر مربع فى 10 مدن جديدة، ولقد تلقينا 8000 طلب من كبار المستثمرين فى السوق المصرى، كل اسم يخطر على البال موجود ضمن هذه الطلبات، وقد تمت الموافقة على 7700 طلب منهم، وسيتم الإعلان عنها فى الأسابيع القليلة القادمة. لقد انتهينا من الموافقات وجارٍ تحديد السعر الآن. وقررت الهيئة أنه لن يتم طرح الأراضى فى مزادات، المزاد يؤدى إلى رفع سعر الأرض، وهذا يؤدى إلى رفع تكلفة الصناعة، وهذا عكس العرف العالمى، لا يجب أن تمثل الأرض 70% من تكلفة المشروع كما هو الآن، هذا إفشال للصناعة، من الأفضل تخصيص هذه النفقات فى توسيع المشروع نفسه.
•ولكن تخصيص الاراضى للمستثمرين يفتح الباب للمحسوبيات، لا سيما مع تردد أنباء عن تدخل رجال أعمال الإخوان لتخصيص بعض الأراضى لرجالهم.. فما هو تعليقكم؟ تخصيص الأراضى سيتم بطريقة شفافة وميكانيكية بدرجة كبيرة حتى يقل فيها مقدار تدخل العنصر البشرى. وقررت الهيئة تحديد سعر الأرض مسبقا وفقا للإمكانيات المتوافرة لديها، وسيتم اختيار المستثمر وفقا لبعض المعايير التى يتم تحديدها فى كراسة الشروط. وإذا تقدم أكثر من مستثمر لنفس قطعة الأرض، سيتم إجراء قرعة لذلك. كل هذه الاجراءات تستبعد وجود أى شبهة فساد.
وشهادة حق، رجال الأعمال الإخوان لم يمارسوا أى ضغوط منذ وجودى فى هذا المنصب أو يتدخلوا فى تخصيص الأراضى.
• ومع تهافت المستثمرين على التواجد فى مصر.. لماذا لا تقوم الهيئة حتى الآن بطرح رخص الاسمنت؟ معظم الطلبات المقدمة إلى الهيئة، توسعات وليست استثمارات جديدة.. فدخول أى مستثمر أجنبى جديد حاليا صعب. الجميع يراقب الأحوال ويتريث بسبب الأوضاع السياسية. كما أن الهيئة لم تكن فى عجلة، أمامنا عام لطرح هذه الرخص، ومع الاتجاه للاعتماد على الفحم كطاقة بديلة رخيصة بدأت رخص الاسمنت تكتسب أهمية.
ولكننا نفضل الانتظار لحين صدور حكم القضاء فى رخص الحديد، الذى سيحدد هل سيلتزم المستثمرون بسداد فروق على قيمة الرخص التى حصلوا عليها قبل الثورة أم لا؟ وبناء عليه سيتم تحديد آلية التعامل مع الرخص الجديدة. نحن لا نريد الوقوع مع مشاكل جديدة مع العالم الخارجى.