خالد أرجنش، بطل «القرن العظيم»، المسلسل المعروف عندنا بعنوان «حريم السلطان» تخلى عن ملابسه التاريخية الفاخرة، المحلاة بخيوط ذهبية، ذات الألوان الزاهية، وخلع خواتمه، المدججة بفصوص الألماس. غادر القصور العثمانية العامرة بالجوارى والعبيد. نزل إلى الشارع، عند مجامع المتظاهرين فى أحداث انتفاضة ضد النظام. فى صوره التى تناقلتها وكالات الأنباء، لم يعد الآمر الناهى، الذى لا يطرف له جفن، ولكن أصبح رجلا عاديا، وربما أجمل وأدفأ إنسانيا، فهنا، يرتدى خالد فانلة، نصف كم، رمادية اللون، مشدودة حول الصدر، يلف ذراعيه حول ذراعى من بجانبيه، فيما يشبه السلسلة، وهو الوضع الأمثل لمواجهة هجمات الشرطة.. وفى صورة أخرى، بجواره زوجته الممثلة، بير جوزار، ممسكا بزجاجة مياه، ويضع كمامة على أنفه، تجنبا لاستنشاق الغاز المسيل للدموع.
لم يكن مؤدى شخصية «السلطان سليمان» هو الفنان الوحيد فى المظاهرة، فثمة عدد لا يستهان به، من نجوم الشاشة، الكبيرة والصغيرة، اندمجوا مع الغاضبين، سواء فى المصادمات المباشرة، أو بإثبات المواقف، لأن الظروف حالت دون تواجدهم، فها هى ذات الرونق الهادئ الخلاب، هازال كايا، بطلة مسلسل «فريحة»، المتواجدة فى لوس أنجلوس، حملت لافتات تقول «لست وحدك يا اسطنبول»، و«يعيش ميدان تقسيم».
دوافع الفنانين لم تكن احتجاجا على قطع مئات الأشجار، أو بسبب منع بيع الخمور من العاشرة مساء إلى العاشرة صباحا، حسب ادعاء بعض وكالات الأنباء الحكومية، كما لم تكن المرة الوحيدة التى ينزل فيها النجوم إلى الشارع.
جاءت الانتفاضة التى امتدت من اسطنبول إلى أنقرة إلى أزمير إلى... احتجاجا عنيفا ضد ممارسات سلطة، مشكوك فى نزاهتها، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، برغم شعاراتها البراقة، المخادعة، فالعائد من الرواج التجارى الذى تشهده تركيا، يصب فى جيوب المحيطين بحزب «العدالة والتنمية». وثمة إدراك، واستنكار، لدور السلطات الحاكمة، كمخلب لحلف «الناتو»، تقوم بالتواطؤ المريب ضد الدول المجاورة، وآخرها سوريا.
وبالإضافة لاعتقال وسجن أكثر من مائة صحفى وكاتب، تعمل الحكومة على العودة إلى العثمانية، فالأصل فى حديقة «تقسيم»، أنها كانت، فيما مضى «ثكنة» عثمانية، وشاء الحزب الحاكم، اصطياد عدة عصافير بفرمان واحد: الاستيلاء على الحديقة، قطع أشجارها، إنشاء بناية على شكل الثكنة، تعيد ملمحا عثمانيا، فضلا عن استغلاله كمركز تجارى، على طريقة المولات، حيث تتولى شركات المقاولات، التابعة للنظام، ذات السمعة السيئة، بتحقيق المشروع والاستفادة منه.
وما وضع بعض المتظاهرين أكاليل الزهور تحت تمثال كمال أتاتورك إلا تعبيرا عن الصراع بين العثمانية والأتاتوركية.أيا كانت نتائج هذه الانتفاضة، فإنها جولة، من جولات سابقة ولاحقة، يؤدى فيها الفنانون، ضمير الوطن والناس، دورا نبيلا، يذكرنا بفنانى مصر الشرفاء، الأقوياء، الذين يقفون ضد هدم وتشويه وجه مصر الثقافى.
منذ شهور قليلة، وفى نوبة من نوبات هجوم «العدالة والتنمية» على المعالم الثقافية العصرية، المتحضرة، تقرر هدم أهم وأضخم دار سينما فى اسطنبول.. سينما «إيميك»، العريقة، ذات الطابع المعمارى المشابه لسينما «ريالتو» بالإسكندرية، والتى يتم هدمها الآن.. أسندت الحكومة التركية عملية الهدم وإقامة «مول» مكانها، فى شارع الاستقلال، إلى شركة مقاولات مشكوك فى نزاهتها.
وأمام دار العرض، التى يقام فيها مهرجان اسطنبول السينمائى الدولى، اندلعت مظاهرة الفنانين الأتراك، ومن بينهم «سلمى أرجش»، التى قامت بدور السلطانة خديجة فى «حريم السلطان» و«أوكان بالبيك»، الذى أدى دور «إبراهيم باشا» فى ذات المسلسل، وهازال كايا، سالفة الذكر، وآخرون.. وطبعا، تعاملت الشرطة مع المتظاهرين بأدواتها: خراطيم المياه، الساخنة هذه المرة، والغازات الخانقة، والعصى.. الترسانة التى قد تفلح مرة، أو مرتين، ولكنها، غالبا، فى النهاية، لا يكتب لها النصر.