كتب إيان بريمر، رئيس المجموعة الأوراسية، بالاشتراك مع جون هنتسمان الابن، سفير الولاياتالمتحدة السابق بالصين، مقالا بجريدة نيويورك تايمز عن لقاء الرئيسين الأمريكى أوباما والصينى شى جين بينج فى كاليفورنيا اليوم الجمعة. تناول المقال مصادر الاحتكاك التى تطل برأسها على الدوام فى العلاقات بين الولاياتالمتحدة والصين. فهناك المنازعات التجارية والتوترات بشأن كوريا الشمالية والجدل حول الحد من انبعاثات الكربون وادعاءات هجمات الفضاء الإلكترونى التى تشنها الصين.
فبعد أن خرج الرئيس أوباما منتصرا من معركة إعادة انتخابه، يمكنه أن يتحرر من قيود المنافسة الانتخابية ويعامل الصين الصاعدة بالرعاية التى تستحقها. والصين أيضا لديها الفرصة لتغيير طريقة التعامل مع الولاياتالمتحدة خصوصا بعد تغير قيادتها.
ويدعو المقال الرئيسين الأمريكى والصينى إلى انتهاز هذه الفرصة لتحسين العلاقات، حيث إنه فى حالة عدم انتهازهم لها فلن تكون هناك فرصة أخرى لسنوات. فالتعاون بين أمريكا والصين مهم لمستقبل البلدين والعالم، ولا تكفى سياسة الحد من الأضرار المتبعة حاليا.
•••
يرى الكاتبان أن أول خطوة يتعين على الرئيس وممثليه اتخاذها هى وقف محاولة التفاوض مع الصين التى يريدون رؤيتها ويكون تعاملهم مع الصين كما هى بالفعل.
إلا أنه فى الوقت الراهن على الأقل يمكن أن يكسب الرئيس أوباما قدرا أكبر من ثقة الرئيس شى بعدم مطالبته بأمور لا يمكن لبيجين تقديمها، كالشراكة العالمية لعلاج المشكلات المالية، والتغير المناخى، والانتشار النووى، والكثير من القضايا الأخرى. ويمكن للرئيس شى بدوره أن يكسب قدرا أكبر من الثقة فى واشنطن بضمان أن الصين مازالت تفتح الأسواق المحلية للشركات الأمريكية، وذلك بفرض حماية الملكة الفكرية وبالحفاظ على وجود ملعب تنافسى مستوى.
كذلك فإنه بوضع «إعلان مبادئ» جديد سوف يتعين على كل جانب أن يساهم ويقدم التنازلات. إلا انه ينبغى الإشارة إلى حقيقة أن هناك بعض التكاليف والمخاطر التى لن تقبلها الصين لأنها قد تعرِّض استقرارها الداخلى للخطر. على سبيل المثال، لن يمكن للصين أن تقلل انبعاثات عوادم المصانع بشكل حاد، لأنها تخشى أن الإنتاج الأبطأ قد يجعل ملايين العمال الصينيين عاطلين.
كما أنها لن تقوم بدور كبير فى دعم منطقة اليورو غير المستقرة إذا كان القيام بذلك يتطلب منها العمل مع حكومات غير ألمانيا التى تثق فى استقرارها، وهى كذلك لن تغير موقفها بشأن تايوان أو التبت أو ميدان السلام السماوى «تيان آن من».
ولهذا لا ينبغى للرئيس أوباما توقع تحرك كبير بشأن قضايا من قبيل التبت أو النزاعات الحدودية بين الصين وجيرانها فى شرق بحر الصين وجنوبه، ومجموعة من قضايا حقوق الإنسان. ويمكن لأوباما إلزام الولاياتالمتحدة بمقاربة صريحة تعترف بمصالح الصين الجوهرية وتسمح لواشنطن بالعمل كوسيط أمين، إذا كان هذا مناسبا.
•••
ينبغى على الولاياتالمتحدة مواصلة ممارسة ما يلزم من ضغط، دبلوماسيّا ومن خلال منظمة التجارة الدولية، لجعل بيجين تنفتح. وصحيح أن اتفاقية التجارة الحرة غير ممكنة فى الوقت الراهن، لكن هناك الكثير الذى يمكن للولايات المتحدة والصين عمله لتوسيع وتعميق علاقة التجارة والاستثمار وتحاشى التصادمات غير الضرورية.
ومع أخذ هذا الأمر فى الاعتبار، ينبغى على المفاوضين الأمريكيين والصينيين بدء العمل لوضع «اتفاقية إطار للاستثمار التجارى»، وهى أساس لأى اتفاق أكثر طموحا فى السنوات المقبلة.
ويضيف الباحثان إلى ذلك ضرورة تكوين فريق عمل يتصل مباشرة بالرئيس أوباما والرئيس شى، وتكون مهمته الأساسية هى رسم الخطوط الحمراء الخاصة بكل جانب بطريقة تقلل احتمال الصراع إلى أدنى حد ممكن، خاصة فيما يتعلق بقضايا الفضاء الإلكترونى. وسوف يضمن هذا عدم ضياع الأفكار الجيدة فى اتصالات بين الجهازين البيروقراطيين اللذين لا يفهمان باستمرار بعضهما البعض.
•••
وفى ختام المقال يشبه الكاتبان الزعيم الصينى شى جين بينج بالزعيم السوفييتى السابق ميخائيل جورباتشوف، وذلك على خلفية اعترافه مع معظم قيادة الصين بالحاجة إلى بريسترويكا، أو إعادة هيكلة. إلا أنهم على عكس جورباتشوف لا يرون الجلاسنوست، أو الانفتاح، على أنه وسيلة لتحقيقها ولن يغير ذلك أى قدر من الوعظ من جانب أمريكا.
إلى حد ما، الأخطار أعلى بالنسبة للرئيس أوباما والرئيس شى عما كانت عليه بالنسبة لرونالد ريجان وجورباتشوف. فليس هناك تهديد نووى أمريكى صينى كى تركز العقول على العلاقات الأقوى، وليس هناك سور برلين كى يفصل بين ثروات البلدين. وعلى أى الأحوال، أمريكا والصين مربوطتان ببعضهما فى شكل «تدمير اقتصادى مضمون بشكل متبادل»، وهذه نقطة بداية جيدة لشراكة حان وقتها.