«الأب يُهان ويُضرب من قبل عمدة قرية إخطاب، بمحافظة الدقهلية، والذي تحكم في حياة أهالى القرية الفلاحين الفقراء، وسلب أرزاقهم»، بهذا المشهد كانت أولى مراحل نضج الطفل ووعيه لما يحدث حوله، ولم يغب المشهد عن باله لحظة حتى استطاع أن يسجلها في قصيدة «الحذاء»، عام 1956، واستمر في تسجيل مشاهد حياته شعريا ونثريا، على الورق أو على المسرح، حتى تشعر أن هذا الشخص لم يشهد مرحلة مستقرة أو مريحة في عمره، ولم تكن حياته سوى سلسلة من المشاهد الدرامية. «46 عاما»، من 1 يونيو 1932 حتى 24 أكتوبر عام 1978، هي مدة حياته كاملة التي لم يكن حظه بها وفيرا، من المال أو الحياة الكريمة أو حتى الشهرة، التي لم ينلها «نجيب سرور» إلا بعد وفاته.
عاش مواطنا معارضا في كل مراحل حياته القصيرة، فشارك في الحياة الطلابية وكافح خلال هذه الفترة ضد أنظمة الحكم التى عاصرها من الملكية وحتى ثورة يوليو 1952 وفترته الأخيرة في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
اكتشف الشاعر والكاتب المسرحي «محمد نجيب محمد هجرس – نجيب سرور –» مواهبه مبكرا، فلم يجد مستقبله في كلية الحقوق، التى التحق بها إرضاء لوالده، فتركها لدراسة الفن المسرحي، إخراجا وتمثيلا، في المعهد العالي للفنون المسرحية، واستطاع بعدها أن يسافر في بعثات حكومية إلى عدة بلدان لدراسة المسرح، كان أولها روسيا أو «الاتحاد السوفيتي» آنذاك، في عام 1958، وهناك ظهر للناس ميوله الشيوعية والماركسية، مما كان له تأثير عليه في التقارير التي كتبت وقدمت ضده.
في روسيا، تزوج نجيب سرور من «ساشا كورساكوفا»، التي عانت معه حتى وفاته، وتشردت معه في منفاه خارج البلاد وفي اضطهاده وسجنه داخل البلاد، فكانت خير معين له في هذه الفترات.
وفي عام 1964 بدأ فعليا حياته الفنية والأدبية، والتى استمرت 14 عاما فقط حتى وفاته، قدم خلالها أعمالا شعرية متفرقة، تجمعت بعد وفاته في الأعمال الكاملة، واستهلها دوما من أحداث البلاد والمعاناة التى كان يتعرض لها والاضطهاد التى شهدته مصر خلال فترة الأنظمة السياسية المختلفة، كما قدم العديد من الأعمال المسرحية التي كتبها ومثلها وأخرجها في أوقات كثيرة، وكان أولها هذه الأعمال «ياسين وبهية»، ومن أشهرها «يا بهية وخبريني» عام 1967.
لم تكن حياة سرور تسير على وتيرة واحدة، فتم نفيه في الستينيات إلى «بودابست»، وسجن عدة مرات بسبب مهاجمته للسياسات الحكومية، وتم تعذيبه ومنع عدة أعمال له كانت تؤرخ الأحداث القمعية التى كانت تشهدها البلاد أو تقوم بها أنظمة الحكم ضد معارضيها.
حتى إنه في 1969، تم إيداع سرور مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، واتهامه بالجنون، وظل بينها وبين المصحات النفسية لمدة ثلاث سنوات، وعندما خرج من مستشفى الأمراض العقلية، تم تعيينه مديرا للمسرح القومي، بتوصية من يوسف السباعى، وزير الثقافة وقتها.
اتسمت أعمال نجيب سرور بالتراجيدية، التى عكست حياته، ومن أهم هذه الأعمال، «لزوم ما يلزم»، «بروتوكلات حكماء ريش»، «رباعيات نجيب سرور»، «الطوفان الثاني»، «فارس آخر زمن»، وغيرهم.
وعكس كل شاعر كتب بقلبه واستهدف قلوب الآخرين، كان سرور يوظف موهبته في عرض قضاياه بطريقة شعرية ونثرية، حتى أنه لقب ب «شاعر العقل».
كانت وما زالت حياة «نجيب سرور» البائسة وتجسيده لها في شعره ومسرحياته رمزا للنضال والكفاح ضد الظلم، من المجتمع ومن الأنظمة السياسية الذي عاش ومات ولم يجد ما يرضي انتماءه.
في 24 أكتوبر 1978، توفي نجيب سرور في منزل أخيه ثروت، بعيدا عن زوجته وأولاده، شهدي وفريد، بمدينة دمنهور، ولم يكن سرور ليتخيل أن أعماله وحياته البائسة ستخلد اسمه علي مدار 81 عاما.. في ذكري ميلاده.