يؤكد التدخل الواضح لمقاتلي حزب الله في المعركة التي احتدمت عند بلدة القصير الاستراتيجية الواقعة غربي سوريا دخول هذه الحركة الشيعية اللبنانية المسلحة في طور جديد من أطوار وجودها. ومنذ بداية ظهوره كمناوئ للاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982 ، وحليف يلقى الدعم من إيران وسوريا، كان هدف حزب الله الرئيسي يتمثل في مقاومة إسرائيل.
وتُوجت حملته المناوئة للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بقرار إسرائيل سحب قواتها بشكل كامل من لبنان عام 2000.
وجاءت الحرب التي اندلعت بين الطرفين عام 2006 واستمرت لشهر لتجعل العالمين العربي والإسلامي ينظر إلى الحركة نظرة بطولية على آدائها الرائع في تلك الحرب.
إلا أنه وفي غضون أقل من عامين، وتحديدا في مايو/أيار عام 2008، خفت ذلك البريق عندما وجه حزب الله أسلحته ناحية اللبنانيين أنفسهم، وهو أمر كان قادته قد نفوا من ذي قبل أن يحدث بأي حال من الأحوال.
وفي رد فعل على مواقف لقادة السنة وقادة من الدروز، اعتبرها الحزب مستفزة، لجأ الحزب لاحتلال عدد من المناطق السنية في الصراع القصير الذي أظهر وجود التوترات الطائفية بين السنة والشيعة في لبنان وفي المنطقة، إضافة إلى الانقسام بين حلفاء الحركة في إيران وسوريا من جهة وبين السعودية والأنظمة السنية وحلفائها من جهة أخرى.
"كل الأنظمة تذهب"
والآن، وصلت تلك القضايا الإقليمية والسياسية والاستراتيجية والطائفية إلى مرحلة أكثر خطورة، فحزب الله يعمد إلى التدخل بشكل كبير في الحرب الأهلية الدائرة على الأراضي السورية والتي ترتبط بشكل عرضي بصراعه الأساسي مع إسرائيل.
فالمخاطر التي تحدق بحزب الله واضحة للعيان، إذ يمكن لهذه الحركة أن تنجرف بشكل أكبر في هوة الصراع في سوريا للدرجة التي قد تستنفدها بشكل قوي وتجعل منها فريسة سهلة أمام إسرائيل، وذلك على الرغم من أن الأمين العام للحركة حسن نصر الله استبعد حدوث ذلك.
وقال أحد المراقبين الشيعة "نعم، يمثل ذلك خطرا على حزب الله، إلا أنه يعتبر جزءا من استراتيجية إيران الإقليمية الشاملة التي تتمثل في أن النظام السوري يجب ألا يسقط."
وأضاف "إنها الفكرة القائلة بأن كل الأنظمة تذهب، لذا فإن إيران تبذل كل ما في وسعها، فهي وحزب الله ينظران إلى سقوط النظام السوري الحالي على أنه تهديد لوجودهما السياسي في المنطقة."
وأردف قائلا "أما إسرائيل، فهي سعيدة ومهتمة باستمرار الحرب لترى حزب الله وهو يدخل رحى تلك الحرب التي من شأنها أن تطحنه بداخلها."
ويمكن النظر إلى ذلك كحقيقة واقعة، إذ من الصعب تخيل ألا تكون إسرائيل سعيدة وهي ترى المتطرفين والإرهابيين – من وجهة نظرها- في ذلك الصراع الطائفي السني- الشيعي وهم يقضون على بعضهم البعض في سوريا.
ففي خطاب له في الثلاثين من إبريل/نيسان، كان نصر الله واضحا عندما ذكر أن حلفاء سوريا في "محور المقاومة" – وهم إيران وحزب الله- سيقومون بكل ما هو ضروري للحفاظ على النظام في سوريا.
وتابع قائلا "هناك أصدقاء لسوريا في المنطقة والعالم لن يسمحوا بسقوط النظام السوري في أيدي الولاياتالمتحدة وإسرائيل، أو في أيدي الجماعات التكفيرية. وإذا ما ازدادت الأوضاع خطورة، فسيكون لزاما على الدول وحركات المعارضة وغيرها من القوات أن تتدخل بشكل فعال في الصراع الدائر على الأرض."
"حزب الشيطان"
ويبدو أن ذلك هو الوضع فعليا من ناحية حزب الله على الأقل، ويعكس ذلك ما يواجه النظام السوري بالفعل.
حيث يعزو بعض الدبلوماسيين الغربيين جزءا كبيرا من التقدم الأخير الذي أحرزته قوات نظام الأسد على الأرض إلى التدخل الفعلي لحزب الله، الذي يخبر أفراده قتال الشوارع أكثر من أفراد الجيش السوري النظامي.
وقال أحد أولئك الدبلوماسيين "إحدى الدلائل الكبيرة التي تشير إلى وجود أزمة حقيقية أمام النظام تتمثل في أن حزب الله وقوات الدفاع الوطني يجب أن تلعب مثل هذا الدور الكبير في الهجمات الرئيسية التي شنت على مدينة القصير وشرقي دمشق."
وقوات الدفاع الوطنية هي عبارة عن ميليشيات جرى تشكيلها مؤخرا يعتقد أنها تضم في صفوفها 50 ألف مجند يجري تدريبهم وتمويلهم وتسليحهم من قبل إيران وحزب الله، وينحدرون بشكل عام من الطوائف العلوية وميليشيات الشبيحة.
أما المدى الحقيقي لتدخل حزب الله على الأرض فهو الموضوع الذي يخضع لجزء كبير من التخمين والغموض.
إلا أن عددا ممن سقطوا قتلى من قوات حزب الله في اليوم الأول من الهجوم على مدينة القصير يوم الأحد، والذين بلغ عددهم ما يقرب من 30 قتيلا، كانوا ضعف ما أفصحت عنه قوات النظام من تقديرات.
وأعلن أحد قادة الثوار وهو يقف على جثة أحد مقاتلي حزب الله "ليعلم العالم كله أننا نقاتل إيران وروسيا وحزب الشيطان (في إشارة منه إلى حزب الله) إضافة إلى النظام، بينما يتجاهلنا العالم ولا يمدنا بأي نوع من الأسلحة أو الذخائر أو المعدات أو المقاتلين."
إلا أنه من الصعب تخيل حزب الله وهو يساعد النظام السوري في استعادة سيطرته على الأراضي السورية برمتها.
وبينما تحرز القوات النظامية السورية تقدما في بعض المناطق الحيوية، استطاع مقاتلو الثوار بسط نفوذهم على بعض الأجزاء الأخرى والسيطرة على مساحات واسعة من الأرض في الشمال والشرق والجنوب.
وإذا ما انتهت الأزمة العسكرية إلى نوع من التوازن الجزئي، فإن المساعدة التي يقدمها حزب الله في بسط النفوذ على منطقة القصير التي تضم ما يقرب من 20 قرية شيعية يسكنها العديد من اللبنانيين ستكون مهمة بالنسبة للنظام ليكون قادرا على حماية الصلة بين دمشق والمدن الرئيسية إلى الشمال، إضافة إلى الساحل الشمالي الغربي الذي ينظر إليه كونه بمثابة القلب للمناطق العلوية في سوريا.
انفجار طائفي
وفي القصير، يجد حزب الله نفسه في صدام مباشر ليس مع الثوار السوريين من الغالبية السنية ومقاتلي تنظيم القاعدة السلفيين فحسب، بل يجد نفسه أيضا في مواجهة رفاقه من المسلحين اللبنانيين السنة ممن قدموا للمشاركة في هذه الحرب.
أما السياسيون في لبنان – ممن يدركون طبيعة التقسيمات الطائفية في سوريا- فاتفقوا منذ عام على إقصاء لبنان بعيدا عن الصراع السوري وأن يبقوا على الحياد.
ومع حالة الاقتتال بين السنة والشيعة اللبنانيين خارج الحدود، إلى أي مدى يمكن تجنب تفجر الأوضاع داخل الأراضي اللبنانية؟
فقد بدأت بالفعل إمارات هامة لتفجر تلك الأوضاع في الظهور، خاصة في مدينة طرابلس الشمالية التي لا تزال الأقلية العلوية التي تقطن تلك المنطقة على خلاف لعقود مع الغالبية السنة ممن يقطنون المناطق المتاخمة لهم.
إلا أن طرابلس تعرضت بالفعل لبعض تلك الصراعات العرضية التي جرى تحجيمها وعزلها حتى الآن.
وفي بعض المناطق الأخرى، تنحصر نقاط الاحتكاك بين الطائفتين السنية والشيعية في بعض المناطق كوادي البقاع الذي يقع في الطرف الجنوبي من العاصمة اللبنانية بيروت، ومدينة صيدا التي تقع في محافظة الجنوب.
ومن خلال ذلك لا يمكننا استبعاد وقوع أي صراع طائفي. إلا أن الحرب الأهلية، التي شهدها لبنان والتي استمرت لخمسين عاما لم يربح فيها أي من أطراف النزاع، يبدو أنها تجعل الفصائل اللبنانية الرئيسية أكثر حرصا على منع ذلك من الحدوث مرة أخرى.
إلا أن السلفيين المسلحين من السنة الذين ظهروا على الساحة اللبنانية مؤخرا هم من يشكلون خطرا حقيقيا.
فعلى الرغم من أنهم أقل عددا، إلا أن المخاوف تكمن في لجوء هؤلاء إلى بعض عمليات التفجير العشوائية الاستفزازية من قبل تنظيم القاعدة أو تابعيها في العراق وسوريا.