فى مقال نشر بتاريخ 10 مايو 2013 فى صفحة الرأى بجريدة الشروق، كتب د. خالد فهمى أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية والذى أكن له كل تقدير واحترام - ينتقد مشروع قانون الحق فى المعلومات. ويقول الدكتور فهمى فى مقاله «إن مشروع الحق فى المعلومات فى صيغته الحالية جاء مخيبا للآمال مكرسا لقيم الرقابة والسرية ومعرقلا لجهود الثورة فى انتزاع الحق فى المعرفة».
إلى هنا ويبدو إننا بصدد قانون سلطوى يكرس لاحتكار السلطة للمعلومات فى مصر ويمثل عائقا نحو تحقيق أحد أهم أهداف الثورة المصرية ألا وهى الحرية.
ولكن السؤال هو كيف لمشروع قانون بهذا السوء أن يدخل ضمن أفضل 15 قانونا على المستوى الدولى وفقا لتقييم قام به خبير البنك الدولى السيد توبى مندل؟
وفى ذات المقال ذكر الدكتور خالد فهمى خمسة أسباب رئيسية دعته لرفضه. ولى الكثير من الملاحظات الفنية والعلمية على ما قاله ولكننى سأكتفى فى السطور القادمة بالرد على بعض النقاط الجوهرية التى أثارها بنيرانه الصديقة على القانون.
●●●
أولا: عن استقلالية المجلس القومى للمعلومات
جاء تشكيل المجلس القومى للمعلومات بشكل يراعى عدم غلبة التمثيل الحكومى عليه، بل يضمن فى عضويته مشاركة كل الأطراف المجتمعية والسياسية بعيدا عن غلبة أى تيار سياسى بعينه على تشكيل المجلس تحت أى ظرف. ويتضمن التشكيل النهائى للمجلس 6 ممثلين عن جهات حكومية مقابل 8 ممثلين عن المجتمع المدنى المنتخب. وفى هذا السياق أود أن أشير إلى أنه لأول مرة فى تاريخ المجالس القومية المصرية يكون التمثيل البرلمانى على مستوى الأربعة أحزاب الأكثر تمثيلا فى مجلس النواب لضمان التنوع الفكرى والإيديولوجى.
وخلافا لما قاله الدكتور خالد فهمى نص مشروع القانون على أن يعين رئيس المجلس القومى للمعلومات من قبل رئيس الدولة بعد موافقة المجلس النيابى المختص، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة مماثلة (وذلك لضمان استقلاليته وحياديته).
وقد راعى واضعو مشروع القانون بعد العديد من المناقشات ألا يكون المجلس القومى للمعلومات هو المسئول عن نظر التظلمات التى ترد من المواطنين والمؤسسات، بل سيتم ذلك عن طريق لجنة محايدة يرأسها أحد نواب رئيس مجلس الدولة يندبه المجلس الخاص، وعضوين أحدهما يختاره رئيس المجلس القومى للمعلومات والآخر منتخب من ثلثى أعضاء المجلس (بما يضمن مشاركة المجتمع المدنى فى اختياره).
ويكفل القانون للمجتمع المدنى والإعلام الاطلاع على محاضر اجتماعات المجلس القومى للمعلومات، كما يلزم المجلس بنشر تقاريره على موقعه الإلكترونى وإصدار بيانات تفصيلية عن تقاريره السنوية من أجل إتاحة الفرصة للمجتمع المدنى والإعلام والمعنيين بالأمر من التحقق من صدق هذه البيانات والأرقام ومن ثم ممارسة دورهم فى الرقابة والمساءلة.
ونأمل أن تكون تلك الرقابة المجتمعية والإعلامية رادعة لأى محاولة لحجب المعلومات أو تعطيل عمل المجلس أو فرض وصاية على حق الشعب المصرى فى المعرفة.
●●●
ثانيا: عن الاستثناءات
عملت اللجنة على صياغة عدد من الاستثناءات المؤسسية والموضوعية والتى تهدف لتنظيم عملية تداول المعلومات فى مصر. وقد ذكر الدكتور فهمى جانبا منها عندما انتقد استبعاد كل من المخابرات العامة والعسكرية من الخضوع لهذا القانون.
ولكن كان من المدهش عدم ذكر الدكتور فهمى لأهم مادة فى هذا القانون ألا وهى المادة 34 والتى تنص على إلزام كل مؤسسات الدولة (بدون استثناء) بالإفصاح عن المعلومات التى من شأنها الكشف عن انتهاكات لحقوق الإنسان أو جرائم فساد أو أخطار جسيمة تمس سلامة المواطنين أو مخاطر بيئية.
●●●
ثالثا: عن تعريف الأمن القومى
يقول الدكتور خالد فهمى إننا تعمدنا عدم تعريف مصطلح الأمن القومى فى القانون وانتقد عدم الأخذ بالمقترح المقدم من مجموعة المجتمع المدنى بقصر المفهوم على «الخطط الحربية والعمليات الحربية وحالة الاستعداد والقدرة العملياتية للوحدات العسكرية».
وإن رجعنا لأدبيات العلوم السياسية والإستراتيجية سنجد أن التعريف المقترح من مجموعة المجتمع المدنى ينتمى لما يسمى بالمدرسة الواقعية والتى تعرف الأمن القومى بناء على عوامل القوى العسكرية للدولة. ولكن هذا التعريف ليس متوافقا عليه فى الأدبيات. فهناك تعريفات (ليبرالية) تدخل العوامل الاقتصادية وكذلك هناك تعريفات تتحدث عن قيم المجتمع كجزء من مفهوم الأمن القومى.
وكانت وجهة نظر اللجنة أن نترك للمجلس المدنى المشكل والقضاء المصرى حسم تلك النقطة بناء على تقديرهم للمصلحة العامة (وهو المنهج المعمول به فى أغلب دول العالم).
●●●
رابعا: عن فترة حجب المعلومات السرية
وعلى عكس ما قاله الدكتور فهمى إن القانون سمح لجهازى المخابرات العامة والعسكرية بمضاعفة فترة حجب المعلومات السرية من خمس وعشرين لخمسين سنة، فقد جاء نص المادة ليسمح للمجلس القومى «بإصدار قرار بحجب هذه المعلومات على نحو كلى أو جزئى لمرة واحدة لا تجاوز مدة مماثلة».
وكما هو واضح من النص فقرار الحجب يملكه المجلس القومى المستقل وليس الأجهزة الأمنية.
فدعونا وإن اختلفنا فى المنهجية أن نتفق على ألا نقتل حلم حرية المعلومات.. حتى ولو بنيران صديقة.