فوز واحدة وإعادة ب 8 دوائر .. الوطنية للانتخابات تعلن نتائج المرحلة الثانية بمجلس النواب في الشرقية    التعليم توقع بروتوكول تعاون مع مؤسسة مصر الخير لتنفيذ مشروعات دعم وتطوير العملية التعليمية    وزير الري: تعاون مائي متجدد بين مصر والمغرب    العربية للتصنيع توطن أحدث تكنولوجيات الصناعات الدفاعية    البورصة تختتم تعاملات جلسة اليوم الثلاثاء بربح 7 مليارات جنيه    محافظ الغربية يعقد اجتماعًا مع شركة "تراست" لمتابعة تشغيل النقل الداخلي بمدينتي طنطا والمحلة    كامل الوزير يصدر قرارًا بتعيينات في غرف اتحاد الصناعات    عاجل- رئيس الوزراء زراء يتابع تطور الأعمال في التجمع العمراني الجديد بجزيرة الوراق ويؤكد أهمية استكمال المشروع وتحقيق النقلة الحضارية بالمنطقة    أ ف ب: فنزويلا تسمح باستئناف الرحلات لترحيل مهاجرين غير قانونيين    المبعوثة الأمريكية تجري محادثات في إسرائيل حول لبنان    نهائي بطولة شمال إفريقيا للشابات.. المغرب يتقدم على مصر بهدفين بالشوط الأول    انطلاق مباراة مصر والكويت في كأس العرب    ألونسو: نعيش تحت الضغط في ريال مدريد.. وأسعى لكسر سلسلة التعادلات    ضبط 3 أطنان من اللحوم والدواجن الفاسدة في الخصوص    مشهد تمثيلى يتحول لجدل واسع.. حقيقة واقعة اختطاف عريس الدقهلية    12 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    3 عروض مصرية.. 16 عملا تأهلت للدورة 16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    مكتبة مصر العامة تنظم معرض بيع الكتب الشهري بأسعار رمزية يومي 5 و6 ديسمبر    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    الصحة تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    كأس إيطاليا.. موعد مباراة يوفنتوس ضد أودينيزي والقناة الناقلة    كأس العرب - شكوك حول مشاركة براهيمي أمام السودان    رسميًا.. بدء عملية اختيار وتعيين الأمين العام المقبل للأمم المتحدة    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    فتح باب التسجيل فى دورة الدراسات السينمائية الحرة بقصر السينما    مادورو يرقص من جديد فى شوارع كاراكاس متحديا ترامب.. فيديو    مصر ضد الكويت.. الأزرق يعلن تشكيل ضربة البداية في كأس العرب 2025    إزالة 2171 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة ضمن الموجة 27 بالمنيا    فى زيارته الأولى لمصر.. الأوبرا تستضيف العالمي ستيف بركات على المسرح الكبير    رئيس جامعة الأزهر: العلاقات العلمية بين مصر وإندونيسيا وثيقة ولها جذور تاريخية    المحكمة الإدارية العليا تتلقى 8 طعون على نتيجة انتخابات مجلس النواب    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    زيلينسكي: وثيقة جنيف للسلام في أوكرانيا تم تطويرها بشكل جيد    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    طارق العوضي يكشف تفاصيل جديدة في جريمة التحرش بأطفال المدرسة الدولية بالإسكندرية    مدير الهيئة الوطنية للانتخابات: الاستحقاق الدستورى أمانة عظيمة وبالغة الحساسية    مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لاستلام عيّنات من الصليب الأحمر تم نقلها من غزة    6 نصائح تمنع زيادة دهون البطن بعد انقطاع الطمث    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    بعد جريمة التحرش بالأطفال في المدارسة الدولية، علاء مبارك يوجه رسالة قوية للآباء    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    وزير العمل يسلم 25 عقد عمل جديد لوظائف بدولة الإمارات    فوائد تمارين المقاومة، تقوي العظام والعضلات وتعزز صحة القلب    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    اليوم .. إعلان نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    شيري عادل تكشف كواليس تعاونها مع أحمد الفيشاوي في فيلم حين يكتب الحب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح التعليم على الطريقة الفنلندية
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 05 - 2013

فى الثمانينيات من القرن الماضى قرر الفنلنديون القيام بتغيير راديكالى فى نظام التعليم الخاص بهم والذى كانت تحيطه المشاكل من كل جانب. كان قرارهم بالتغيير يهدف إلى توفير العدالة والفرص المتكافئة لجميع الفنلنديين. لم يهدف الفنلنديون إلى التفوق أو إلى التوصل إلى أفضل نظم التعليم فى العالم. كانت غايتهم فقط هى توفير تعليم جيد للجميع. وقرروا أن الغاية من التعليم هى اكتشاف ما يريد الأطفال امتهانه ومساعدتهم على أن يبرعوا فيه. فطبقوا مجموعة من القرارات الجريئة التى تخدم أهدافهم، وفى عام 2000 قام الفنلنديون بإخضاع طلبتهم إلى امتحان بيزا العالمى PISA Test الذى يقيس قدرات الطالب فى القراءة والرياضيات والعلوم، حيث تم عقده لأول مرة آنذاك بهدف عقد مقارنة بين أنظمة التعليم فى العالم وقياس مدى نجاحها والنظر فى طرق تطويرها. وكانت المفاجأة للجميع بمن فيهم الفنلنديون أنفسهم أن احتل الفنلنديون المركز الأول على العالم! ثم تكرر عقد الامتحان كل ثلاث سنوات، فجاءت النتائج لتؤكد أن نتيجة عام 2000 لم تكن مصادفة حيث تصدرت فنلندا قائمة الأنظمة التعليمية فى العالم فى عامى 2003 و2006 وكانت من ضمن أفضل ثلاث دول على العالم فى عامى 2009 و2012.

لفتت فنلندا أنظار العالم على مدى عقد بأكمله. فماذا فعلت؟ كيف استطاع الفنلنديون أن يتحولوا إلى رواد فى التعليم دون حتى أن يخططوا لذلك؟!

●●●

دعونا إذًا نستعرض مجموعة القرارات التى اتخذها الفنلنديون والتى قد يبدو الكثير منها صادما أو صعب التنفيذ. ولكن تذكر عزيزى القارئ قبل أن تكمل هذا المقال أن النفس البشرية تقاوم التغيير وتركن إلى ما هو مألوف، وتذكر أننا إذا ما أردنا تغيير النتائج تغييرا جوهريا فعلينا بالضرورة تغيير البدايات تغييرا جذريا.

بدأ الفنلنديون بتحويل نظام التعليم فى الدولة إلى نظام لا مركزى بحيث تتولى كل مقاطعة إدارة التعليم فيها بشكل شبه كامل. وأتاح هذا النظام اللامركزى درجة كبيرة من الحرية فى اتخاذ القرار. ولكى ينجح مثل هذا النظام اللامركزى، كان لزاما عليهم أن يتأكدوا من شيئين: الأول هو أن يكون القائمون على التعليم وأصحاب القرار فيه هم من المتخصصين فى هذا المجال فقط. والثانى هو أن يكون المدرسون على درجة عالية من الكفاءة، ففى فنلندا لا يسمح للشخص بالعمل كمدرس دون الحصول على درجة الماجستير وتلقى تدريب عالى الجودة. فأن تصبح مدرسا فى فنلنا بات أصعب من أن تصبح طبيبا أو مهندسا. وكان لا بد أيضا من توفير دخل محترم للمدرس يليق بأهمية المهنة التى يمتهنها فى المجتمع. وهكذا ما لبثت أن تمتعت مهنة المدرس بمكانة مرموقة فى المجتمع وأصبح لها بريق واحترام جعلاها مهنة جذابة للشباب الفنلندى. وأصبح هناك إيمان عميق بأن المدرس هو مرتكز العملية التعليمية التى تتمحور حول الطفل، وبالتالى أصبحت الأولوية لاختيار الراغبين للتأهل كمدرسين بعناية فائقة، وتأهيلهم وتدريبهم تدريبا عالى الجودة، ثم توفير كل ما يحتاجونه لإنجاز مهامهم، ومن ثم كان من السهل وضع الثقة فى مثل هؤلاء المدرسين وإعطائهم مساحة من الحرية فى التصرف. وهكذا، فعلى الرغم من وجود خطوط عريضة لمناهج التعليم فى الدولة فإن المناهج قد تختلف من مدرسة إلى أخرى، بل قد تختلف من طالب إلى آخر طبقا لاختياراته وميوله الشخصية. فالفنلنديون يؤمنون بالتنوع والاختلاف وبعدم وجود مقياس موحد للنجاح. فالنجاح يختلف تعريفه باختلاف القدرات والملكات.

●●●

وكان من أهم القرارات الجذرية التى اتخذتها فنلندا هى منع الامتحانات فى جميع المدارس. فالطالب الفنلندى لا يمر بتجربة الامتحانات قبل أن يتم عامه ال 16. وتكمن أحد القيم الأساسية وراء هذا القرار فى إعلاء روح التعاون على روح المنافسة. فطبقا للفلسفة الفنلندية فى التعليم، فإن المنافسة تقتل الابتكار والإبداع، فالتفوق الحقيقى لا يقوم على المنافسة بل على القدرة على العمل الجماعى، وتنعكس هذه القيمة على التواصل بين القائمين على العملية التعليمية، فتجد الجميع منهمكين فى حل المشكلات وليس محاولة الانتصار فى معارك لا تفيد. بل إن تلك القيمة تتجلى بشكل أكبر فى القوانين الحاكمة لإنشاء المؤسسات التعليمية نفسها حيث تقرر منع المدارس الخاصة منعا باتا. وإجبار الجميع على تلقى التعليم فى مدارس حكومية بهدف وأد مبدأ المنافسة. وكانت نتيجة تلك السياسات أن تضاءلت الفروق فى مستوى الجودة بين المدارس بحيث يستطيع المواطن الفنلندى أن يرسل ابنه لأقرب مدرسة لسكنه لثقته فى أنها لن تختلف كثيرا فى جودتها عن أى مدرسة أخرى فى الدولة.

وكما هو متوقع يعتمد ما يتلقاه الطالب من تعليم على الكيف وليس الكم. فتبدأ علاقة الطالب الفنلندى بالمدرسة فى سن السابعة. فلا توجد سنوات للحضانة بالمدرسة اللهم إلا سنة واحدة اختيارية عند سن السادسة، وقد تندهش عزيزى القارئ حين تعرف أن الطالب فى المرحلة الابتدائية لا تفرض عليه واجبات مدرسية على الإطلاق وأن إجمالى عدد الساعات التى يقضيها الطالب فى المدرسة أقل من مثيلاتها فى الدول الأخرى، بل إن نفقات التعليم فى فنلندا أقل من مثيلاتها فى الدول الأخرى. وانطلاقا من مبدأ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لا يتم الفصل بين المستويات المختلفة للطلاب داخل الفصول، مما يساعد الطلاب على التعاون ومساعدة بعضهم البعض وتقبل التنوع فى المجتمع.

●●●

واستمرارا لتطبيق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، يولى النظام التعليمى الفنلندى عناية خاصة لنوعين من الطلاب: الطلاب الضعاف والطلاب المتفوقين وأصحاب المواهب الخاصة. وهكذا نجد أن نسبة عالية جدا من الطلبة (4045% طبقا للإحصائيات فى 2011) يتلقون عناية خاصة فى إحدى مراحلهم التعليمية. ويعد مبدأ التدخل المبكر من أهم المبادئ فى نظام التعليم الفنلندى حيث يتم تشخيص مشاكل الطفل والتعامل معها فى المراحل الأولى من التعليم بدلا من انتظار تفاقمها بحيث يصعب التعامل معها، فطبقا لإحصائية فى عام 2010 تجد أن النسبة الأكبر من الطلبة المستفيدين من التدخل المبكر هم طلبة فى السنوات الثلاث الأولى الابتدائية. وهكذا، فمن الطبيعى أن تجد مدرسين أو ثلاثة يقومون بالتدريس لنفس الطالب ومساعدته، ومن المعتاد كذلك عقد اجتماعات أسبوعية لبحث حالة كل طالب على حدة يشارك فيها مدرسو الطالب والمدرسون المساعدون ومدير المدرسة والإخصائى النفسى. فالهدف هو ضمان ألا يتخلف أحد عن الدراسة... فكانت النتيجة الطبيعية لكل هذا هى تقارب الفوارق فى المستوى بين الطالب المتفوق والطالب الضعيف ويرجع هذا فى الأساس إلى نظام تعليم يهدف إلى العدالة ويعتمد بشكل أساسى على قوة من المدرسين المؤهلين.

نظام يهدف إلى العدالة.. كان من الطبيعى إذًا أن يقدم خدماته بالمجان. فالتعليم فى فنلندا تعليم مجانى تماما فى جميع مراحله، بدءا من المرحلة المدرسية مرورا بالتعليم الجامعى ووصولا إلى الدراسات العليا. فالفنلنديون يعتبرون التعليم حقا أصيلا من حقوق الإنسان. ولذلك توفر الحكومة كامل نفقات التعليم من الضرائب باعتباره مسئولية مجتمعية يتشارك فيها الجميع حتى تعود بالنفع العام.

تغيير كهذا لم ولن يتأتى إلا بإرادة سياسية واعية وجريئة وداعمة للتغيير المستدام. إرادة تعى متطلبات مجتمعها وتجرؤ على اتخاذ القرارات الصعبة وتدعم شعبا يريد أن يخطو خطوات واسعة وواثقة نحو التقدم بين الأمم.



باحثة فى الشئون التعليمية جامعة لانكستر بإنجلترا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.