الجماهير تحكى مشاكلها فى أفلام من صنعها وتضعها أمام الحكومات يسرا: الحرب العالمية الثالثة تهب برياحها قريبا.. وأرضنا ستدافع عن نفسها
هل ستكون أرضنا فى خطر؟ السؤال طرحته على الفنانة يسرا عقب قولها لى «سوف نشهد قريبا حرب عالمية ثالثة، حرب من نوع خاص تهدد كيان البشر وتحاصره بكم هائل من التلوث المعنوى والفكرى والبيئى، وتزلزل استقرارهم وربما تقضى على أخضر ويابس».
وفى إجابتها عن السؤال وجدتها تقول بانفعال: «لكن الأرض ستدافع عن نفسها، ستنقلب على كل من يخالف الطبيعة وتحاربه، ولعل بعد ذلك يستوعب الجميع الدرس».
كان حماس يسرا كبيرا لحضور فعاليات مهرجان أبوظبى السينمائى الدولى الأول لأفلام البيئة، وكذلك الفنان خالد النبوى والفنانة ليلى علوى رئيس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، وجميعهم تفاعل مع القضايا المهمة التى طرحتها شاشة المهرجان الوليد، والتى وضعت يدها على مناطق جراح كثيرة يعانى منها الوطن العربى ومواطنه الذى ينزف كثيرا بفعل الوجه الآخر والقبيح للعولمة، ذلك الوجه الذى حفز نخبة من السينمائيين لإطلاق صرخات الناس المكبوتة فى هيئة أعمال تحمل أفكارا ورؤى وصورا ومشاهد وآهات تسجل مأساة عالم فقد ضميره من أجل أطماع البحث عن المكاسب المادية على حساب سلالة الحياة، وتحذر وتندد بمخاطر البيئة الناتجة عن مشاريع الشركات الكبرى وبدعم من الحكومات والأنظمة والتى ربما تفقد الإنسان الشعور بأنه «كائن حى».
لم نكن ندرك معظم تلك المخاطر التى يواجها العالم جراء التلوث والحروب والقرصنة على أفكار الملاذ والتلاعب بها، إلا عندما فجرتها أعمال مهرجان سينما البيئة.. إذ إنه لم يقتصر على عرض الأفلام، بل كان على هامشه ما هو أهم وهو إقامة أكثر من عشر محاضرات لكبار المتخصصين فى مجالات علوم البيئة والمستقبل والأدب وعلاقتها بالسينما ومنهم د اياد بو مغلى المدير الإقليمى لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة بغرب آسيا الذى طرح المستقبل الذى نريده فى ضوء الأفلام والتى لها قدرة على التأثير على الجماهير أهمية الفيلم السينمائى فى دق ناقوس الخطر تجاه ما يحدث على كوكب الأرض ود. طلال أبوغزالة وتناوله لحقوق الملكية الفكرية، ود محمد المخزنجى الذى كشف نقاط تماس بين الأفلام العلمية ولغة الأدب وحق المواطن فى الاطلاع ومعرفة كل شىء عما يدور من حوله، والمخرج صالح كرامة والسيناريست محمد الحماوى اللذان أجابا عن سؤال: كيف تصنع فيلما للبيئة، وأكدت د. لارا نصار المسئول الإقليمية لتوثيق المعلومات بالاتحاد الدولى لحماية الطبيعة أن الأفلام هى الوسيلة الأفضل لضمان وصول الرسالة لتوعية المجتمع، وكيف نوثق سينمائيا ما بين السطور والمستور، بينما أشار الشيخ أحمد بن حمدان آل نهيان رئيس مجلس أمناء المهرجان بأن الأفلام بكل أنواعها أسرع وسيلة للتنبيه بالأخطار التى تواجهنا فيما أوضحت الفنانة يسرا إن السينما العربية تعانى نقصا كبيرا تجاه الفيلم البيئى، وبالتالى يسعى المهرجان لخلق ثقافة جديدة لدى صناع الأفلام قبل الجمهور.
وقدمت المحاضرات رؤية مهمة حول إلى أى مدى يمكن أن تكشف السينما الجوانب المظلمة فى حياة الأرض ككائن حى يتنفس ويتحرك..يعانى من كل ما يعانيه البشر من أمراض وتلوث وطمس ثروات طبيعية. وهنا يمكن طرح عملية «الفيديو التشاركى»، وهى مادة فيلمية يقوم بها المجتمع المحلى نفسه من خلال إنتاج وتحرير وإخراج الفيلم ويحكون عن المشكلات البيئية التى يعانون منها، وما الحلول التى يطلبونها أو يقترحونها من صناع القرار والحكومات حتى يحصل التغيير المطلوب.
المهرجان الذى أقيم ليرصد حالة متخصصة كالحفاظ على البيئة فى ظل هذا الزخم من المهرجانات الكبيرة فى المنطقة والعالم، وعلى رأسها مهرجان كبير منافس فى نفس المدينة وهو أبوظبى السينمائى الدولى، يعد بحق مغامرة تحتاج إلى تفسير، لكن مع مشاهدة طبيعة الأفلام والنقاشات تجد أن المغامرة تحمل رسالة خاصة تفسر دور السينما المهم فى مجالات لم تكن مطروحة من قبل على الشاشة بالشكل الذى فرضته تطورات العصر، إذ كشف فيلم الافتتاح الأمريكى الإماراتى «الأرض الموعودة» بطولة النجم مات ديمون وإخراج جوس فان سانت قضية الصراع بين رغبة تحقيق الثراء المادى للشركات الكبرى على حساب الثراء الذى وهبته الطبيعة للأرض والإنسان، بل وتغير ملامحها والتلاعب بخصوبتها حتى لو كان ذلك بهدف تنمية أسلوب المعيشة لحياة عصرية.
فبطلنا الشاب «مات ديمون» وزميلته العجوز اللذان يعملان بالتسويق لشركة «جلوبال» يذهبان إلى إحدى المدن النائية التى يعيش أهلها فى سلام مع أرضهم يأكلون من مزارعها، واذا بهما يحاولان إغراء الأهالى بالأموال مقابل الحصول على توقيعاتهم بالموافقة على الحفر فى الأرض لتوصيل خطوط الغاز الطبيعى باستخدام مواد كيميائية تهدد الأرض نفسها مستقبلا، وبينما يشتد الصراع بإيقاعه اللاهث ونبضه الواقعى بين بعض السكان الرافضين والخائفين على مستقبل مزارعهم ومنهم مدرس علوم عجوز وبين الطموح الجارف لموظف شركة جلوبال، نجد الأخير الذى ينتمى لأسرة ريفية يكتشف خداع شركته التى لا يهمها أى مخاطر بيئية تنتج جراء الحفر وكل هدفها اتمام الصفقة، لنجده فى تحول درامى رائع وبناء ذكى للسيناريو وأداء تمثيلى صادق ينقلب ذاتيا على إيمانه بالفكرة ويتراجع أمام الجميع ويكشف الغرض الحقيقى لمشروع الغاز الطبيعى المدمر للأرض ليبقى مشهد النهاية مؤثرا وتاركا تساؤلات مدهشة.
الفيلم بحق مغامرة ومفاجأة لأنه أولا يعرض فى نطاق مدينة تعتمد فى اقتصاداتها على الاكتشافات البترولية، وثانيا لأن بطله الأمريكى الذى يمثل القوة والسطوة والزحف باتجاه حياة عصرية تحول ليقف فى صف البشر العاديين وضد مصالح الشركات الأمريكية الكبرى التى تحقق أحلاما من العولة دون النظر لأى مخاطر. ويحسب اختيار هذا العمل السينمائى المتسق مع هدف التظاهرة النبيل لإدارة المهرجان وداعميه، وفى مقدمتهم رئيس المهرجان الشاب محمد منير، وفى أن تكون نقطة الانطلاق مؤثرة وموحية عبر إشارات وعلامات بدأت بسجادته الخضراء، حتى وإن جاء حفل الافتتاح متواضعا لحداثة التجربة.. فقيمة المهرجان تكمن فى خصوصيته.