ملابس الحداد السوداء، وعلامات الحزن المرسومة على الوجوه، وتلاوات القرآن الكريم القادمة من معظم منازل قرية زاوية رزين فى المنوفية، كلها كانت تشير إلى حجم الحزن الذى تركه موت 7 من أبناء القرية فى نفوس الأهالى، الذين جمعهم «الفقر» فى الحياة قبل أن يفرقهم الموت بطرق شتى، مرضا، أو كمدا، أو دهسا تحت عجلات مقطورة إحدى سيارات النقل. الأحزان «القديمة» لأهالى القرية الفقيرة التابعة لمركز منوف، جددها مقتل 7 من ابنائها دفعة واحدة، أمس الأول، فى طريقهم لصيد «لقمة العيش» الصعبة، بالعمل فى أحد مصانع الطوب بمدينة سرس الليان، عندما انتزعت مقطورة سيارة نقل أرواحهم، وتركتهم جثثا على أسفلت طريق منوف زاوية رزين.
وقبل أن تعود جثث أبناء القرية إلى مثواها الأخير، ارتدى الأهالى الملابس السوداء، معلنين الحداد على شهداء «الكفاح والعمل»، كما أغلقت المحال التجارية أبوابها، وبدت المنازل شبه خاوية، مع توجه معظم الأهالى إلى مستشفى منوف العام، لمواساة أهالى الضحايا، والوقوف بجانبهم فى المحنة، بالإضافة إلى الاطمئنان على باقى المصابين من أبناء القرية، وفور الانتهاء من إجراءات استخراج تصاريح الدفن، بدأت عملية نقل المتوفين إلى القرية.
من جهته، قال رئيس مركز ومدينة منوف، أحمد أبودان، إن الحادث راح ضحيته كل من رضا عبدالحفيظ، 40 سنة، وربيع عبده المالكى، 55 سنة، والشحات حسين حمزة، 50 سنة، ومحمود محمد رجب، 20 سنة، ورضا أحمد، 45 سنة، وأحمد الطملاوى، 30 سنة، وعبدالغنى الملاح، 45 سنة، مؤكدا أنه سيتم إجراء أبحاث اجتماعية لجميع الحالات، تمهيدا لصرف إعانات شهرية ومساعدات إنسانية لأسر الضحايا.
ويقول سائق الإسعاف، محمد خليفة، وهو أحد أبناء القرية إن «رضا خليفة يعمل مع باقى الضحايا والمصابين، فى مصنع الطوب بسرس الليان، منذ سنوات، لتوفير لقمة العيش لأسرته المكونة من زوجة و4 أبناء تتراوح أعمارهم ما بين 16 سنة و7 أشهر»، مضيفا: «شهداء العمل كانوا يتقابلون يوميا فى الجامع لصلاة الفجر، ثم يتوجهون بعدها إلى العمل فى مصنع الطوب، ليرجعوا فى آخر اليوم ومعهم مصروفات الأسرة، لكنهم خرجوا اليوم وعادوا جثثا»، فيما عجزت منى حميد، زوجة خليفة، عن الحديث، فاختنقت الكلمات وسط بكائها، وهى تقول «ربنا يعوض علينا، ابنتك حنين عندها 7 أشهر، عاوزاك».
أما المدرس سمير فتحى خليفة، فتحدث عن ربيع المالكى، قائلا «كان مثالا للشاب المكافح، تحمل الكثير من الأعباء مع والده الفلاح البسيط، لتوفير مطالب أسرته، التى تضم والديه وزوجته، وابنه، وأشقاءه الخمسة، بينهم معاقة، ورغم أنه لم يكن يمتلك أكثر مما يساعد به والده على المعيشة، إلا أنه كان محبوبا من الجميع».
واعتبر المستشار محمد خيرالله، أحد أهالى القرية، أن «الحادث كارثة كبيرة بالنسبة للقرية، فلم أشهد فى حياتى تشييع 7 جثامين فى موكب جنائزى واحد بالقرية»، مطالبا المسئولين برعاية أسر الضحايا، والمساهمة فى تعليم أبنائهم، ومساعدتهم على توفير حياة كريمة لهم.
ويقول عبدالعليم الطملاوى، شقيق زوجة أحمد الطملاوى، أحد ضحايا الحادث، «كنت أجلس مع أحمد فى الليلة السابقة على الحادث، وشربنا الشاى سويا، وتكلمنا عن المعيشة الصعبة، وغلاء الأسعار، ووقتها رأيت فى عينيه الهم والحزن والقلق والخوف من المستقبل، وكأنه كان يشعر بأنها الليلة الأخيرة فى حياته».
ويشير صبحى الملاح، شقيق ضحية الحادث عبدالغنى الملاح، إلى أنه رأى شقيقه آخر مرة أثناء صلاة العصر فى مسجد القرية، أمس الأول، مؤكدا أنه كان «طول عمره مكافح، وثابر على عمله، من أجل أولاده الأربعة»، فيما طالب شهاب عوض الله، ابن خاله، بأن توفر الحكومة فرصة عمل لوالدة الفقيد أو زوجته، حتى تتمكن من مواجهة أعباء المعيشة الصعبة