لأول وهلة يبدو ترشح السيد محمد خاتمى لرئاسة الجمهورية الإيرانية وكأنه رسالة تتجاوب مع أطروحات الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما، تماما كما كان الرئيس الحالى أحمدى نجاد ردا إيرانيا على الرئيس السابق جورج بوش، والرسالة غير مباشرة بطبيعة الحال. لأن ما أعنيه هو أن ترجيح كفة مرشح دون آخر فى الانتخابات الحرة لا يتأثر بالعوامل الداخلية وحدها، وإنما بالعوامل الخارجية أيضا. وحين تم انتخاب السيد خاتمى للرئاسة فى عام 1997، وظل طوال السنوات الثمانى التالية رافعا لواء التنمية السياسية وداعيا إلى حوار الحضارات، فى حين لم يلق من واشنطن سوى الصد وعجرفة المحافظين الجدد، فإن رد المجتمع الإيرانى فى انتخابات 2005 تمثل فى التصويت لشخص محافظ ومجهول آنذاك اتسم بالصلابة والعناد، هو أحمدى نجاد، وإسقاط منافسه السياسى الداهية هاشمى رفسنجانى، المعتدل الذى أيده الإصلاحيون. الأمر اختلف نسبيا بعد تولى أوباما للرئاسة، على الأقل من حيث إنه تبنى خطابا مغايرا، بدا فيه أحرص على الحوار والتفاهم، دون الاستعلاء والاستقواء. الأمر الذى يفترض أن تكون له استجابة مغايرة من جانب المجتمع الإيرانى، تدفع الأغلبية فيه إلى التصويت لصالح المرشح «المعتدل» السيد خاتمى ورغم أن هذه الرؤية تبدو منطقية، إلا أن الأمر لا يخلو من تعقيدات سياسية لا يمكن تجاهلها. معلوماتى أن الرجل استشار السيد على خامنئى قبل عدة أسابيع من إعلان قراره، فكان رد الأخير أنه بصفته الشخصية لا يحبذ دخوله إلى المعركة فى الظروف الراهنة، ولكنه بصفته مرشدا لا يستطيع أن يمنعه، وإذا فاز فى الانتخابات فلن يتردد فى التعاون معه. ومن الواضح أن خاتمى استجاب بعد ذلك لضغوط دوائر الإصلاحيين، وأعلن قراره بالترشح، مستندا إلى رأى «المرشد» ومعرضا عن رأى «السيد». من الصعب الآن التنبؤ بحظوظ أحد من المرشحين، ليس فقط لأنه لايزال هناك متسع من الوقت لإجراء الانتخابات فى 12 يونيو القادم، ولكن أيضا لأن السوابق تؤكد أن باب المفاجآت مفتوح على مصراعيه فى تلك الانتخابات. فلا نجاح السيد خاتمى كان متوقعا فى عام 97 ولا نجاح أحمدى نجاد خطر ببال أحد فى عام 2005. لكن الذى لا يمكن إنكاره أن السيد خاتمى اختار بقراره هذا أن يخوض مغامرة كبرى، سواء فاز فى السباق أو لم يفز، فهو إذا خسر سينهى بذلك حياته السياسية، وإذا فاز فإنه لن يستطيع أن ينجز شيئا مما وعد به لماذا؟ لأن مؤسسات الدولة الإيرانية الآن يهيمن عليها المحافظون، وهؤلاء لن يسمحوا له بتمرير شىء لا يرضون عنه، سواء فى الشأن السياسى الداخلى أو الخارجى، كما أنهم لن يمكنوه من إنجاز شىء فى مسألة الحوار مع الولاياتالمتحدة، التى لا يعترض عليها المحافظون، ولكنهم يريدون أن يحتفظوا بها كورقة فى أيديهم وإنجاز سياسى يحسب لهم، ولا يغيبن عن البال فى هذا الصدد أن مجلس الشورى المكون من 290 عضوا يسيطر المحافظون على أغلبيته، فى حين أنه لا يمثل الإصلاحيون فيه سوى 50 نائبا فقط. وهذه التركيبة ستشكل دائما حجر عثرة فى طريق خاتمى، وهو وضع لا يعانى منه أحمدى نجاد، الذى يؤيده المحافظون، وخلال السنوات التى قضاها فى السلطة شهدت إيران تناغما نادرا بين مؤسسات الدولة بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية ومجالسها العلمائية، الأمر الذى يعنى أن الجسم الصلب للدولة كان يقف بكامله إلى جانبه. بسبب ذلك فإن بعض المحللين الإيرانيين فضلوا أن يبقى السيد خاتمى بعيدا هذه المرة، لكى يكمل أحمدى نجاد دورته الثانية، ويجرى هو حوار طهران مع الإدارة الأمريكيةالجديدة، مدعوما بمختلف مؤسسات الدولة، وبعد ذلك فى انتخابات عام 2013 يتقدم أى مرشح إصلاحى ليقطف ثمار الجهد الذى بذله نجاد، ويبنى عليه ما شاء. لكن خاتمى تسرع وألقى بنفسه فى خضم المغامرة ليرفع من درجة الإثارة فى منافسة سيخرج منها خاسرا، فاز أم لم يفز.