يبدو مستقبل التيار الإصلاحى فى إيران مرتبطاً إلى حد كبير مع نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ففوز أحد المرشحين الإصلاحيين، سواء مير حسين موسوى أو مهدى كروبى بالرئاسة يعيد التيار مرة أخرى إلى الواجهة، بعد أن عانى نكسة واضحة خلال الأعوام الماضية، وتحديداً منذ تولى نجاد للحكم عام 2005، وحصول المحافظين على أغلبية مقاعد البرلمان الإيرانى. فغياب التيار الإصلاحى عن الساحة الإيرانية خلال الفترة الماضية يرجع إلى العديد من الأسباب لعل أبرزها غياب الرئيس السابق محمد خاتمى عن الساحة السياسية، لاستحواذ الأخير على دعم كبير من جانب قطاع الشباب وطلبة الجامعة، والذى يشكل قطاعاً من أنشط القطاعات فى الحياة السياسية الإيرانية، كما تسببت بعض الشخصيات المنسوبة إلى التيار الإصلاحى فى تراجع الكثير من الإيرانيين عن دعم هذا القطاع، خاصة فى ظل ميل بعضها الواضح للثقافة العربية وانتقادها لأسس النظام الإيرانى. ودعا هذا التراجع الكثيرين إلى اعتبار الإصلاحيين بمثابة أحدى مراحل الثورة الإيرانية، وخطوة لجعل الثورة أكثر براجماتية وقابلية للتعاون مع الغرب، خاصة مع ظهور تنافس من نوع جديد بين المحافظين المتشددين والمحافظين البراجماتيين وتورية الإصلاحيين تماماً عن المشهد. ويبدو أن على حسين موسوى مستشار خاتمى ورئيس الوزراء السابق سيكون فرس الرهان الأبرز للإصلاحيين فى منافسة الرئيس الحالى محمود أحمدى نجاد، خاصة مع حرص موسوى على التركيز على نقاط ضعف نجاد الأساسية المتعلقة بالتراجع الاقتصادى وتدهور العلاقات مع الغرب ليعبر عن أجندة الإصلاحيين التى تنادى بتحسين العلاقة مع الغرب والاهتمام بالاقتصاد. وبدا واضحاً أن تأثير الانتقادات الإصلاحية لنجاد كان له تأثير فى عودتهم إلى الساحة مجدداً، حتى إن استطلاعات الرأى ترجح إجراء جولة إعادة بين موسوى ونجاد، وهو ما لم يكن الإصلاحيون يحلمون به حتى قبل عام من الانتخابات. وبصرف النظر عن قدرة الرئيس الأمريكى باراك أوباما على تطبيق سياسة الانفتاح على إيران التى يدعو إليها، إلا أن التغيير الحادث فى الولاياتالمتحدة -حتى وإن كان ظاهرياً فقط- من شأنه أن يساعد التيار الإصلاحى على الصعود فى إيران، لتراجع مبررات التشدد فى مواجهة أمريكا التى تخلت عن استخدام القوة فى مواجهة طهران وأعلنت صراحة سعيها للتفاوض مع طهران على أساس «الاحترام المتبادل»، مما سيضمن للإيرانيين تحقيق قدر كبير من مصالحها دون الدخول فى مواجهات «غير ضرورية» مع واشنطن. ويتحالف مع التيار الإصلاحى خلال الانتخابات الرئاسية التيار المحافظ البراجماتى بزعامة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمى رافسنجانى والذى تبدو تصريحاته المنتقدة لنجاد بمثابة تأييد غير مباشر لموسوى، خاصة فى ظل اتفاق مصلحة التيارين على التصدى للتيار المحافظ المتشدد الذى يمثله نجاد. ويحظى تيار نجاد بتأييد عدد من القوى الأساسية فى إيران وعلى رأسها الحرس الثورى ومستشارو المرجع الأعلى للثورة الإيرانية، مما يمنحه قوة كبيرة على الرغم من تصاعد الانتقادات الداخلية لتردى الوضع الاقتصادى، خاصة أن المرشد الأعلى للثورة على خامنئى أعرب صراحة عن رغبته فى إعادة ترشيح نجاد للرئاسة على الرغم من الانتقادات التى وجهها المرشد أكثر من مرة للأداء الاقتصادى لحكومة نجاد. ويحظى نجاد أيضا بدعم الاتجاهات القومية فى إيران، إذ ترى فيه خير ممثل لتطلعات إيران لتصبح قوة إقليمية فى الشرق الأوسط وعلى خليج القوقاز، خاصة فى ظل ما يرونه من فرصة سانحة للانسحاب الأمريكى من المنطقة. وتقدم الانتخابات خيارين للناخب الإيرانى الأول تيار يطرح نفسه كممثل ل«الكرامة» و«المكانة» الإيرانية، والآخر يرفع شعاراً فاز به كلينتون فى انتخابات عام 1990 فى الولاياتالمتحدة «إنه الاقتصاد يا غبى» إذ تغلب على بوش بينما كان يرفع أكاليل الغار بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وعاصفة الصحراء، على الرغم مما يؤكده التيار الأول من حرص على الاقتصاد والثانى من إبقاء على المكانة.