ما بين الشاكوش والمنشار يقضى مسلم أبوالغيط يومه بعد مشوار 33 عاما فى العمل فى الحكومة انتهى بالمعاش المبكر. فى الدور الرابع داخل أحد البيوت القديمة بعزبة النخل، يمارس عم مسلم مهنة النجارة بعد أن خرج على المعاش من شركة أطلس العامة للمقاولات والتى دخلها بعد حصوله على الإعدادية فى عام 70، «دخلت الشركة بعد الإعدادية مساعد نجار واستمريت فيها حتى 2005». يحصل عم مسلم على معاش شهرى 565 جنيها بفارق 35 جنيها عن راتبه قبل خروجه، منها 200 جنيه قسطا للبنك ثمن ثلاجة وبتوجاز وتليفزيون اشتراهل لجهاز ابنته، «باقى الراتب 300 جنيه داخل به جمعية لإتمام زواج ابنى». ب65 أو على الأرجح 60 جنيها، نظرا لأن ماكينة الصرف الآلى لا تصرف الفكة، يبدأ عم مسلم الشهر «أول حاجة بعملها باشترى التموين ب44.5 جنيه باخد زيت وسكر وأرز يدوب يكفوا احتياجاتى لآخر الشهر». يتحايل عم مسلم على راتبه لكى يكفى لنهاية الشهر من خلال الشراء بالجملة، «باجيب كل الطلبات الباقية من تجار الجملة علشان أوفر الفرق بين الجملة والقطاعى». من خلال عمله فى النجارة يكمل عم مسلم مصاريف الشهر إلا أنه فى بعض الأحيان لا يستطيع أن يوفى التزاماته خاصة أن لديه 3 أولاد فى التعليم والرابع يستعد للزفاف، «الحاجات المهمة لازم تيجى الأول ده مبدأ علمته لولادى، يعنى الأكل والشرب الأول وبعدين أى حاجة تانية». ويستكمل «أنا بشوف المرار، لأن ولادى بينكسفوا لأنهم ما بيدفعوش مصاريف المدرسة، والناظر حاجب نتيجة ابنى علشان ما دفعش المصاريف». يعتمد عم مسلم وأسرته بالأساس على البقوليات والأطعمة الشعبية فى وجباتهم الغذائية، «بناكل بطاطس، فول، طعمية، ولما تفرج بنجيب لحمة مستوردة أو فراخ وأحيانا بيمر الشهر وما يدخلوش بيتنا». تبدأ رحلة عم مسلم مع النجارة فى العاشرة صباحا وتنتهى فى العاشرة ليلا، «لا أقبل أن أدق بالشاكوش قبل الساعة 10 حتى لا أزعج أحدا وأخلص شغلى 10 مساء». منذ انتهاء عم مسلم من العمل يبدأ هو وأصدقاؤه من أصحاب المعاشات فى مناقشة كل الأمور التى تخصهم، «لازم نعرف حقوقنا ونحاول نحصل عليها بالقانون». اختار عم مسلم أن يخرج على المعاش بإرادته «من سنة 2000 ولمدة 5 سنوات وإحنا محبوسين فى الشركة من الساعة الثامنة صباحا وحتى الرابعة عصرا ما بنعملش حاجة نمضى حضور وانصراف وبس». يترحم عم مسلم على أيام زمان وقت ما كانوا لا يجدون الوقت لإنجاز ما يطلب منهم من عمل، «زمان كانت الشركة تخرج من مشروع تدخل فى آخر بعد كده أصبحنا لا نعمل والسبب أن القائمين على الشركة كانوا يريدون تحويلها للقطاع الخاص»، ويضيف «أنا بافتخر إنى شاركت فى بناء دار الإفتاء لكن يا خسارة دلوقتى ما بقاش فيه شغل». 29.5 ألف جنيه مكافأة نهاية الخدمة حصل عليها عم مسلم بعد خروجه على المعاش، على الرغم من أن حقه هو 35 ألف جنيه، إلا أنه قدم شكوى لوزيرة القوى العاملة وظل يسعى خلفها حتى حصل على 5.5 ألف جنيه باقى المبلغ بعد سنة و7 أشهر، «المكافأة ما قعدتش كتير 10 آلاف جنيه سددتها للبنك قيمة قرض حصلت عليه لزواج ابنتى، والباقى وضعته فى دفتر التوفير لم يتبق منه غير 9 آلاف جنيه». شكوى عم مسلم لوزيرة القوى العاملة فتحت له الطريق ليقوم بتوعية الآخرين بحقوقهم من خلال انضمامه لحركة الدفاع عن أصحاب المعاشات «انضميت للحركة من وقت ما كنا بنجرى للحصول على نسبة ال5% للأثر الرجعى لأصحاب المعاشات ولاقيت فيها نفسى، وبعدين إحنا ناس متطوعين ومتبنيين قضايا أصحاب المعاشات بنحاول حلها». عم مسلم استطاع أن يحصل هو رفاقه من الحركة على حكم ضد وزارة المالية يقضى بصرف الأثر الرجعى، إلا أن الوزارة لم تنفذ الحكم إلا بعد سلسلة من الاحتجاجات قام بها أصحاب المعاشات، وكان من ضمنهم بالطبع عم مسلم. توقف قطار التعليم لعم مسلم عند الإعدادية لم يمنعه من أن يثقف نفسه بنفسه «أنا بقرأ فى علم النفس والفلسفة، لكنى بحاول أزود معرفتى من خلال القراءة فى القانون علشان أعرف أيه هى مواده وأعرف حقوقى وأستطيع الحكم على قرارات الحكومة من خلال ذلك». يريد عم مسلم أن يتسلم أبناؤه مهنة النجارة منه «أنا دخلت ولادى الاثنين مدرسة الصنايع علشان يدرسوا النجارة ويتعلموها علشان يشتغلوا مكانى». لا يعلم عم مسلم أين سيمارس مهنة النجارة بعد أن يتزوج ابنه داخل الشقة التى يعمل بها، «مش عارف هروح فين يمكن اشتغل عند الزباين، يا لله ربنا هيفرجها»..