لأول مرة.. دعم المعمل المشترك بمطروح بجهاز السموم GC/MS/MS    محافظ الجيزة يشهد توزيع 9 أطنان من لحوم الأضاحي على 5268 أسرة من العاملين بهيئة النظافة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يزعم: لم نحاول تنفيذ عملية لتحرير الأسير متان تسينغاوكر في غزة    السيسي يتلقى اتصالًا من رئيس وزراء باكستان للتهنئة بعيد الأضحى ويؤكد تعزيز التعاون بين البلدين    لبنان يحذر مواطنيه من التواصل مع متحدثي الجيش الإسرائيلي بأي شكل    تقرير عن أداء مستشفيات جامعة القاهرة خلال يومي الوقفة وأول أيام العيد    واشنطن وباريس تتفقان على التزام مشترك لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية    حصاد الرياضة المصرية اليوم السبت 7 - 6 - 2025    مانشستر سيتي يحسم صفقة آيت نوري    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب تروسيكل ببني مزار بالمنيا    موعد ظهور نتيجة سنوات النقل في القاهرة عبر بوابة التعليم الأساسي 2025 برقم الجلوس (تفاصيل)    شريف منير يوجه رسالة لابنته أسما بعد عقد قرانها على شاب من خارج الوسط الفني (فيديو)    كل عام ومصر بخير    هل ترتفع أسعار الذهب الفترة المقبلة؟ رئيس الشعبة يجيب    عيّد بصحة.. نصائح مهمة من وزارة الصحة للمواطنين حول أكل الفتة والرقاق    هدية العيد    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    السيسي ورئيس الوزراء الباكستاني يؤكدان أهمية تعزيز التشاور والتنسيق تجاه القضايا الإقليمية والدولية    حركة فتح: مصر تؤدي دورًا محوريًا في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية    سيجارة أشعلت النيران.. مصرع أربعيني أثناء تعبئة البنزين في قنا    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار فى البحيرة    الصين توافق على تصدير بعض المعادن النادرة قبل المحادثات مع أمريكا    نائب الرئيس الأمريكي: إسرائيل تحاول تدمير حماس لأنها تلقت ضربة موجعة    مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بإقليم جنوب الصعيد الثلاثاء    سلمى صادق واندريا بيكيا وشريف السباعى فى أمسية ثقافية بالأكاديمية المصرية بروما    القومي للمرأة ينظم لقاءاً تعريفياً بمبادرة "معاً بالوعي نحميها" بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    محلية نجع حمادي تواصل حملاتها لرصد مخالفات البناء ورفع الإشغالات خلال العيد    إعادة هيكلة قطاع الكرة داخل الزمالك بخطة تطويرية شاملة.. تعرف عليها    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    اللحوم بين الفوائد والمخاطر.. كيف تتجنب الأمراض؟    بعد تخطي إعلان زيزو 40 مليون مشاهدة في 24 ساعة.. الشركة المنفذة تكشف سبب استخدام ال«ai»    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب اليونان    مها الصغير: أتعرض عليا التمثيل ورفضت    مجدي البدوي: تضافر الجهود النقابية المصرية والإفريقية للدفاع عن فلسطين| خاص    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد    رونالدو: الحقيقة أنني لن أتواجد في كأس العالم للأندية    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    "الزراعة": إزالة 20 حالة تعد في المهد بعدد من المحافظات    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    الأحزاب تستغل إجازات العيد للتواصل مع الشارع ووضع اللمسات الأخيرة على قوائم المرشحين    الداخلية ترسم البسمة على وجوه الأيتام احتفالا بعيد الأضحى| فيديو    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    شعبة الدواجن تعلن هبوط أسعار الفراخ البيضاء 25% وتؤكد انخفاض الهالك    إذاعة الجيش الإسرائيلي: العثور على جثة يُرجح أنها تعود للمسؤول العسكري البارز في حماس محمد السنوار جنوبي غزة    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    إجابات النماذج الاسترشادية للصف الثالث الثانوي 2025.. مادة الكيمياء (فيديو)    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسئلة متواترة وإجاباتها حاضرة
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2013

كادت الأزمة فى مصر تصل إلى نقطة اللا عودة لولا أن محكمة أصدرت حكما فى انتخابات برلمانية كانت ستجرى فى موعد حددته رئاسة الجمهورية التى أسرعت فأصدرت فى لمح البصر قرارا بالرضوخ إلى حكم المحكمة.

•••

لم تكن الأجهزة الأمريكية الجهة الوحيدة التى تنبهت إلى خطورة التداعيات المحتملة لما آلت إليه أحوال مصر، فقد سبقتها روسيا وألمانيا وفرنسا وإسرائيل والمفوضية الأوروبية. وفى سابقة غير مألوفة قررت كل من الواشنطن بوست وبلومبيرج نشر مقال بتوقيع مجلس تحرير كل منهما يدق أجراس الخطر. كان مقال بلومبيرج الأقوى لأنه لم يتردد فى القول بعبارة صريحة وواضحة أن كافة البدائل المطروحة للخروج من الأزمة المصرية «تدعو للاكتئاب»، وبخاصة بديل الجيش إذا تدخل سواء أخذ تدخله الأسلوب التركى والباكستانى أو الأسلوب الذى سبق أن جربه هو نفسه فالتداعيات الإقليمية ستكون بالغة، وبديل الجيش إذا لم يتدخل قطعيا، وبديل الجيش إذا قرر أن يتدخل بعد فوات الأوان، فالدولة عندئذ فى الحالتين فاشلة لا محالة.

هكذا أيضا يبدو مصير «بديل الصندوقين» أو ما يسمى بالبديل الاقتصادى السياسى، والمقصود به تكرار تجربة صندوق الانتخابات وفى أعقابها يقرر الصندوق الآخر، وهو فى هذه الحالة صندوق النقد الدولى منح مصر القرض الموعود الذى يحلم به حكام مصر وجماعاتها الإسلامية وأحزابها السياسية والمستثمرون، تحلم به كل الأطراف ماعدا المواطن المصرى العادى. الواضح حتى الآن هو أن اعتماد هذا البديل على سلمية الشارع وتوافق الطبقة السياسية وحد أدنى من كفاءة الحكم وخبرة المفاوض المصرى يجعله غير قابل للتحقيق.

•••

أذهب إلى أماكن كثيرة وأقابل شتى أنواع المصريين والأجانب. أينما ذهبت أجد فى انتظارى ثلاثة أسئلة.

•••

• السؤال الأول: إلى أين نحن ذاهبون؟

لم يسألنى أحد هذا السؤال وكان ينتظر إجابة. ومع ذلك فهو السؤال الأوسع شيوعا والأكثر ترددا بين كافة الأجيال والطبقات والفئات. سؤال لا تسمعه من مواطن مطمئن فى مجتمع مستقر، ولا من مواطن فى دولة تديرها سلطة تحظى بثقة جماهيرها.

ما يبدو لغالبية المصريين ضياعا فى اللا نهائى واللا مألوف قد لا يكون فى ذهن متفائل سوى انقطاع مؤقت فى مسيرة قريبا تستقيم، وفى رؤية خبير فى مركز تخطيط لا يزيد عن تخبط بعد انزلاق تسبب فيه جهل السائق بالطريق ومسالكها وعراقيلها، وجهله بحمولته بشرا كانوا أم أصولا مادية وثقافية وإنجازات حضارية وأحلاما كبارا. هذه الحالة من الضياع والدمار والقتل تراه فئة متطرفة وشرسة جراحة ضرورية لاستئصال أورام تقدمية وليبرالية وعلمية خبيثة انتشرت فى جسد مصر فى أعقاب سقوط نظام الخلافة، وتراه فئة ليبرالية كمينا منصوبا لقوى الإسلام السياسى لتعلن فشل مشروعها. أضف هؤلاء فى الجوار وعن بعد الذين ينتظرون مصرا مختلفة جرى استئناسها وسهل قيادها.

أغلب الذين وجه لهم السؤال اعترف بأن الإجابات لم تلب حاجة ولا فضول السائلين. خرجت إجابات متفائلة إلى حد أنها جلبت على أصحابها الاتهام بالاستهانة بذكاء السائلين. خرجت إجابات أخرى فى أغلفة أكاديمية أو نظرية إلى حد أثار حفيظة السائلين وأعاد إلى الذاكرة حديث الثورة عن مسئولية المثقفين والصفوة عن انحدار مصر. ثم هناك الإجابات المتشائمة بقسوة وبعضها بلغ مشارف العدمية.

• السؤال الثانى: هل نحن على أبواب ثورة جياع؟

هذا السؤال يمكن أن يحمل فى ثناياه معنى أن مصر تقف فعلا على أبواب ثورة جياع وأن فتح هذه الأبواب ليس أكثر من مسالة وقت وفرصة. لاحظت، وتأكدت ملاحظتى بملاحظات مماثلة، أن هذا السؤال غالبا ما يصدر عن شخص يعيش فوق مستوى الجوع ويخشى أن تحرمه ثورة الجياع إن انفتحت أبوابها من المميزات القليلة أو الكثيرة التى يوفرها له هذا المستوى، مستوى ما فوق حد الجوع. لا أظن أن أحدا يعيش وعائلته عند حد الجوع أو تحته أوقفنى ليسألنى إن باتت مصر على مشارف ثورة الجياع. السؤال لا يسأله جائع لأنه يتضمن فى جوهره الرغبة فى تجديد الثقة فى أن المؤسسات ما زالت قادرة على منع نشوب ثورة الجياع، أو الاقتناع بأن الأبواب ما زالت بعيدة والفرص متوافرة لإبقائها موصدة فى وجه الجياع، ومن هذه الفرص الاقتناع المتوارث من أيام حكم مبارك بأن أيا من أمريكا وإسرائيل وأوروبا ودول الخليج لن تترك مصر للجياع.

السؤال عن ثورة الجياع قد يصدر عن أشخاص لديهم يقين دفين بأنها قادمة لا محال، وأن لا حائلا يقف يعطل قدومها سوى أبواب قليلة وهى ليست موصدة على كل حال. هؤلاء يعتقدون أن المؤشرات كافة تدل على أنه لو قرر الجياع الزحف على المدن، فلن يجدوا مقاومة تحول دون وصولهم إلى مآربهم. بعض المنشغلين بهذا السؤال يقضون الساعات فى رسم خرائط توضح نقاط التجمع التى سينطلق منها الجياع والمسارات التى سيسلكونها والأهداف التى سينقضون عليها. هنا يتحول السؤال من مشقة الفضول المشروع، ثورة جياع أم لا ثورة جياع، إلى رفاهة الانشغال بحبك رواية تنتمى إلى الخيال العلمى تصور حالة نموذجية من حالات تاريخية أعقبت مجاعات وحروبا مدمرة وتعميمها على وضع متخيل لمصر.

يعتمد السائل من هذا الفريق على تطورات عديدة أصابت اقتصاد مصر وتشققات اجتماعية كثيرة. يعتمدون على أن الشباب لن يتحمل طويلا حال البطالة، وملايين الأسر لن تجد ما تسد به الرمق بسبب ارتفاع الأسعار، والفوضى ضاربة فى الطرق والسكك الحديدية تمنع وصول الحاصلات الزراعية من موانئ التفريغ إلى الداخل، ومن الداخل إلى المدن والعشوائيات المحيطة بها والغائرة فيها، ومستويات أمن غير متوافرة لحماية سكان الضواحى وغيرها من الأحياء التى تسكنها الطبقة الوسطى.

• السؤال الثالث: هل نحن على أبواب حرب أهلية؟

غريب أمر المصرى السائل عن فرص نشوب حرب أهلية. يسأل كما لو كان عاش شاهدا على نشوب واحدة منها هو أو آباؤه أو جدوده. بعض المصريين سمع بحرب أهلية فى لبنان والسودان وفى اليمن أو عاش جانبا منها وفجأة وجد نفسه يقارن بين أحوال تلك البلاد وحال مصر الراهن فيتوصل إلى نتيجة أن الحرب الأهلية المصرية لم تنشب بعد.. سمعت سائلا عائدا من أفغانستان يقارن ويؤكد وجود أوجه شبه بين ظروف ما قبل نشوبهما. يتحدث عن السلاح المتوافر فى كل مكان، وعن أطفال من الشوارع وفى الشوارع وصل السلاح إلى الكثيرين منهم، وعن عاطلين عن العمل فى العشوائيات وكثير من المدن.

يعتمد السائل أيضا على ما يعتقد أنه الأهم. يعدد الشواهد الدالة على أننا لم نعد أمة بهوية واحدة. بل كثرت وتفاقمت هوياتها الثانوية وتدافعت لتحصل على صفة الهويات الأساسية.. تنافست على إبراز الكراهية لبعضها البعض. وبين يوم وليلة «تأدلجت» هويات و«تمترست» أخرى خلف المقدسات. راح السائل يقدم الدليل بعد الدليل على أن المؤسسات تكاد تنفرط تحت وقع ضغوط انقسامات الهوية والنوع والولاء. جاء بالحجة بعد الحجة ليثبت أن عائد السلم الداخلى قد يصبح مع مرور الوقت أقل جاذبية من عائد الاقتتال والنهب واحتلال تجمعات سكنية. عرض صورا ووثائق تؤكد بما لا يقبل الشك وجود قوى وعناصر أجنبية مزودة بأموال هائلة تحميها ميليشيات مسلحة تدين بعقائد أو تفسيرات عقائد «مخلقة» فى الخارج. لم يكتف السائل بالقرائن والشواهد التى زودنا بها فأضاف معلومة كثيرة التداول عن ثقوب غزيرة فى أستار حدودنا تجاوزت حدود المعقول والمقبول. بعد كل هذا يريد السائل، وسائلون كثيرون، الاستماع إلى إجابة تحدد موعدا لنشوب حرب أهلية فى مصر، يعتقدون أنها لا محالة واقعة.

•••

لم نجرب كشعب حالة من الحالات الثلاث. لم نجرب الضياع الذى دفع بالناس لتسأل إلى أين نحن سائرون. ولم نجرب الجوع ولا الظروف الممهدة له والمحبطة به التى تجعل البعض منا يسأل عن موعد زحف ملايين الجوعى. ولم نكره يوما أنفسنا أو بعضنا البعض الآخر ولم نتطرف أو نمارس الإرهاب ضد أهلنا ومؤسساتنا ولم نهدم بعد الأهرامات وننسف أبو الهول كما فعل الطالبان بتماثيل بوذا حتى يحق لمواطن من بيننا أن يسأل عن موعد نشوب الحرب الأهلية فى بلدنا.

كل سائل من هؤلاء السائلين يتصور نمطا معينا لسلوك أمة فقدت طريقها وجاع مواطنوها وكرهت نفسها وينتظر أن تلتزم مصر هذا النمط. ومصر لا تلتزم ولا أظن أنها ستلتزم نمطا معينا فى تحديد وجهتها وثورة جياعها وحربها الأهلية. إجابتى عن الأسئلة الثلاثة واحدة. مصر ضائعة بالفعل ولا تعرف أين هى ذاهبة. ثورة الجياع مستعرة منذ أعوام وأبطالها بائعون جوالون احتلوا قلوب مدنها وأطفال حجارة ومجرمون وذوو سوابق ومتقاعدون وأهل معاشات وعاطلون عن العمل. والحرب الأهلية ناشبة فى غالبية محافظات مصر ضحاياها بالمئات وجرحاها بالآلاف، الغضب المتجدد يرعاها والانتقام الأسود يزيدها اشتعالا.

•••

أفضل لمصر، ولكى نتدبر بحكمة طرق الخلاص، أن نعترف بأن الضياع حاصل وثورة الجياع ناشبة والحرب الأهلية مشتعلة فى صور غير مألوفة من أن ننكر الواقع ونستمر نسأل متى يقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.