تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء فى أنحاء العالم وهذا نذير سوء على السلام والتقدم فى القرن الحادى والعشرين، ولا يستثنى من هذا الولاياتالمتحدة ومجتمعاتها.هذا ما تناوله جوزيف ستيجليتز، الحاصل على جائزة نوبل، فى كتابه الأخير «ثمن التفاوت: كيف تهدد مجتمعات اليوم المنقسمة مستقبلنا». ويقول إن هناك 1% من الأمريكيين يتحكمون الآن فى 40% من ثروات البلاد برغم كل الحديث عن طبقتنا الوسطى، وهى جماعة مهمة بشكل واضح للنمو المضطرد والديمقراطية القوية، حيث مازلنا نفقد أرضيتنا الاقتصادية. ونحن نزعم، كما يقول ستيجليتز، أننا مجتمع الفرصة، لكن فرص الانتقال من فقر الطفولة إلى ازدهار البلوغ فى أمريكا تتراجع بصورة متزايدة. •••
ما الذى يعنيه هذا فى المجتمعات التى نعيش فيها؟ لقد تناول موقع الإنترنت الإخبارى GlobalPost مؤخرا هذا السؤال بطريقة جذابة وسلسلة ومطولة، حيث يقارن بين مدن أمريكية مختارة ومجتمعات من بريطانيا إلى البرازيل ومن تايلاند إلى الصين باستخدام مؤشر جينى، الذى يستخدمه خبراء الاقتصاد كأداة لقياس التفاوت فى الدخول. ويقسَم المؤشر من صفر (أعلى مساواة فى الدخول) إلى 100 (أقل مساواة حيث تتراكم معظم الدخول عند القمة) والمقصود هو أنه كلما انخفض الرقم، كلما زاد الدخل المقتسم وكذلك الفرص. وتحتل الولاياتالمتحدة المستوى 45 على مؤشر جينى وهى أكثر تفاوتا من كندا (32) وألمانيا (27) وبريطانيا (34) وترتيب البلاد مع الأخذ فى الاعتبار أن ترتيب الدول الاسكندنافية شبه الاشتراكية أفضل.
•••
والحقيقة أن بعض المجتمعات الأمريكية تعانى نفس القدر من التفاوت الذى تعانيه البلاد النامية. وتقارن GlobalPost بين سلما «إحدى مدن ولاية الباما المعروفة باحتجاجاتها المطالبة بالحقوق المدنية» ومدينة ريو جانيرو، وترتيبهما 52 على مؤشر جينى. وبرغم وجود اختلافات أخرى مؤثرة، فإن لكل من سلما وريو دى جانيرو نظم تعليمية مقسمة تحد من التفاوت الاقتصادى . وتستشهد بنموذج من المدارس الخاصة النخبوية والتى تقدم سبيلا سريعا للنجاح يتناقض بشدة مع التعليم العام قليل الموارد. وفى كلتا المدينتين، يمكن للغنى الالتحاق بمدارس القمة بينما لا يجد الفقير أمامه إلا المدارس التى تعانى بشدة من قلة الأموال والمدرسين (وبالتالى، تظهر احتمالات كبيرة للفشل فى الدراسة).
وهناك مقارنة أخرى بين بريدجبورت وكونكتيكت وبانكوك وتايلاند. ففى الخمسينيات والستينيات كانت بريدجبورت تزدهر بالكثير من المصانع، من بينها ريمنجتون لإنتاج الأسلحة، لكن هذا المصنع وغيره تدهورت أوضاعهما بصورة كبيرة فى الثمانينيات. ويصوَر تقرير «“Global Post بريدجبورت اليوم كمدينة قاسية، تنتشر فيها الجريمة والمخدرات والقتل بإطلاق النار من السيارات المنطلقة. وقد شهدت بانكوك ومعظم تايلاند سنوات ازداد فيها نصيب الفرد من الدخل فى الثمانينيات والتسعينيات. وتتفاوت المكاسب، لدى تايلاند اليوم 47 ألف مليونير بينما يعانى كثيرون الفقر، مما أدى إلى ظهور حركة «القمصان الحمراء» التى ترى أن النخبة الفاسدة تستغل الفقراء.
والفروق فى بريدجبور أقل حدة لكنها ليست أقل عمقا. فكما فى بانكوك، تتحكم 5% من أسر بريدجبورت فى قمة الهرم فى أكثر من 60% من الدخل. وفى حى ايست إند الفقير، يبلغ متوسط دخل الأسرة السنوى حوالى 15 ألف دولار بينما يرتفع هذا الرقم فى جرينيتش القريبة إلى 250 ألف دولار فى السنة.
•••
كما يقارن GlobalPost بين المدينتين الصناعيتين التاريخيتين، شبويجان، بولاية ويسكونسن، وميدلسبرو فى شمال شرق إنجلترا فكلتاهما حتى الآن تتقدمان على مؤشر المساواة، لكن المستقبل ليس مشرقا نتيجة لفقدانهما الآلاف من فرص العمل فى مجال التصنيع (8400 وظيفة فى شبويجان بين 2000-2011). والأجور راكدة، على الرغم من تحسن الإنتاجية.
ويتوقع معهد ماكينزى العالمى ظهور مليار مستهلك جديد من الطبقة الوسطى على مستوى العالم خلال العقد القادم.
وكانت هناك فرص كبيرة فى الماضى لإعادة هيكلة الدخل حيث أعقب الفروق الضخمة فى الدخول فى «العصر الذهبى» فى سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر مع انتشار الأحياء الفقيرة وفض الإضرابات بالقوة، وبعد ذلك الكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى ثم فترات من النمو الاقتصادى القوى المدعوم بالسياسات التقدمية. وكان أكبر مثال على هذا قانون GI بعد الحرب العالمية الثانية، الذى كان من شأنه إتاحة وظائف وأعمال ناجحة لقدامى المحاربين.
•••
لكن التقدمية محدودة هذه الأيام، فالولاياتالمتحدة لديها رئيس ليبرالى معتدل لكن أعباء عجز الميزانية ثقيلة ناهيك عن السياسة التى تشوهها جماعات المصالح الجامحة والتأثير الضار لقرار المحكمة العليا بإلغاء آخر العوائق القانونية ضد تجمع جماعات المصالح الخاصة شبه السرية.
إذن لماذا لا يقوم الكونجرس، الذى وافق على إنقاذ بنوك وشركات سمسرة منحرفة، برفع الحد الأدنى للأجور (الذى لا يزيد الآن على 7.25 دولار) إلى ال 9 دولارات التى يحث عليها الرئيس اوباما أو حتى 10 دولارات (بضبطها على معدل التضخم فى 1968)؟ لاسيما أن هذا القرار من شأنه تحريك الاقتصاد ودفعه قدما.