تعرف أن الأمور سيئة حين تفقد البلاد 11.000 وظيفة فى نوفمبر فيشعر الأمريكيون بالسعادة الغامرة لأنها لم تكن أكثر. صحيح أن البطالة انخفضت بنسبة ضئيلة هى 0.2 بالمائة لتنخفض نسبة البطالة الإجمالية إلى 10 بالمائة، ومع ذلك فهى أسوأ مستوى بطالة منذ عقود. والأهم من ذلك أنه ليست هناك نهاية لهذا فى المستقبل المنظور. فحتى لو بدأت الوظائف بالعودة إلى السوق أسرع مما هو متوقع وهو ما قد يحدث مع بدء وصول المزيد من أموال التحفيز الاقتصادى إلى السوق فإن المرجح أن تبقى معدلات البطالة عالية لسنوات طويلة، وقد تبقى عند حدود 7 أو 8 بالمائة حتى فى عام 2014. ويقول جورج سوروس، الذى تكهن ب«عهد من تدمير الثروة» قبل أربعة أشهر من اندلاع الأزمة الحالية: «الأمريكى العادى لن يكون فى وضع أفضل بعد خمس سنوات، فالبطالة ستظل عالية وزيادة الرواتب ستظل ثابتة». ولكن فى حقبة التعافى الاقتصادى الحالى، فإن بقاء الأمور على ما هى عليه بات يعنى تحسنا فى الوضع الجديد. وربما كان أى ارتفاع فى أعداد الوظائف فى المستقبل القريب ارتفاعا ضئيلا، لأنه لا يزال هناك الكثير من الطاقة التى يمكن استخلاصها من العمال الحاليين فى وظائفهم. فتظهر أرقام نوفمبر أن معدل ساعات العمل الأسبوعى للأمريكيين هو 33 ساعة حاليا، وهو ما يمنح المسئولين الإداريين الكثير من المتسع للضغط على الموظفين لديهم للحصول على إنتاجية أعلى قبل أن يبدأوا بتوظيف موظفين جدد. وأحد الأسباب الرئيسية لمفاجأة أرقام البطالة المنخفضة قليلا فى نوفمبر هو أن إدارة أوباما أنفقت مليارات الدولارات لضمان عدم تدهور أرقام البطالة بصورة إضافية. وحتى لو قامت الإدارة بتحويل الأموال المخصصة لإنقاذ البنوك من الإفلاس إلى مؤسسات الأعمال الصغيرة، كما ذُكر أخيرا، فسيكون من المستحيل تكرار طفرة أموال التحفيز الاقتصادى التى حدثت فى منتصف 2009. فالديون المتزايدة ببساطة لن تسمح لواشنطن بإنفاق المزيد. أحد الفروق الرئيسية بين الركود الحالى وأوضاع الركود السابقة هو أن أموال القروض ظلت مقيدة هذه المرة لفترة طويلة جدا. وحتى رغم أن معدلات الفائدة لا تزال منخفضة كما كانت فى أسهل سنوات المال السهل، فإن أموال القروض لا تتدفق على من يحتاج إليها، حتى لو كان يستحقها. وهذا أمر مدمر بصورة خاصة لمؤسسات الأعمال الصغيرة التى توفر ثلثى الوظائف الجديدة للأمريكيين.. فهى تعتمد أساسا على قروض البنوك التى انخفضت بنسبة 17 بالمائة العام الماضى. ويقول جوزيف ستيجليتز، الاقتصادى الحاصل على جائزة نوبل، الذى حضر مؤتمر الوظائف الذى عقده أوباما فى بداية شهر ديسمبر، إن أصحاب مؤسسات الأعمال الصغيرة يميلون عادة إلى توفير الأموال لإدارة مؤسساتهم عن طريق إعادة تمويل قروض منازلهم والاستعانة ببطاقات الائتمان. لكن لما كانت سوق الرهونات العقارية قد انهارت الآن وبدأت بطاقات الائتمان بتخفيض مستويات الإقراض التى تمنحها لزبائنها ورفع مستويات الفائدة على هذه القروض وصولا إلى 30 بالمائة أحيانا، فإن أيا من هذه الخيارات لم يعد متوافرا لهؤلاء. وقال ستيجليتز: «ليس هناك ببساطة حل سحرى لإعادة إطلاق استحداث الوظائف فى الوقت الحالى». وفى الأثناء، فإن العولمة تواصل تأثيرها السلبى حتى على وظائف الياقات البيضاء. الأسواق الناشئة مثل الصين والبرازيل خرجت من الأزمة المالية أغنى وأقوى، وعمال هذه الأسواق الأفضل تعليما وإنتاجية صاروا أكثر قدرة بصورة متزايدة على القيام بوظائف أعلى مرتبة فى السلسلة الهرمية فى المؤسسات التى يعملون بها. فقد أظهر تقرير جديد لمعهد مكنزى العالمى أن 71 بالمائة من العمال الأمريكيين يحتلون وظائف ينخفض الطلب عليها حاليا أو يزيد العرض عليها أو الأمرين معا. بل ينبغى أن يشعر مستشارو معهد مكنزى أنفسهم الذين يحصلون على مداخيل تصل إلى مليون دولار سنويا بالقلق من الوضع الحالى، إذ كم سيدوم هذا الوضع بالنسبة إليهم قبل أن يبدأ المستشارون الذين يحصلون على 200.000 دولار سنويا فى مؤسسة «إنفوسيس» الهندية بأخذ وظائفهم منهم؟ التبعات الثقافية والسياسية لهذا الأمر تدعو إلى التيقظ والحذر. فالدراسات تظهر أن البطالة المرتفعة لها تبعات كارثية على المشاركة المدنية. فالناس المكتئبون، المسرّحون من أعمالهم يبدأون بالانسحاب من كنائسهم ومدارسهم بل ومن المشاركة فى الانتخابات، وهو تأثير معدى. ويقول الأستاذ فى جامعة هارفارد روبرت بوتنام، مؤلف كتاب Bowling Alone (لعب البولينج وحيدا)، وهو الكتاب الذى كان أفضل الكتب مبيعا عام 2000 فى موضوع الانكفاء المجتمعى فى أمريكا: «إن فقدانك لوظيفتك بشكل دائم يجعلك أقل ارتباطا بمجتمعك». تمعنوا فى حقيقة أن البطالة بين الرجال السود الآن بين أعمار 16 و19 عاما تقف عند مستوى مدمر هو 57 بالمائة، بعد أن كانت هذه النسبة 34 بالمائة فى نوفمبر 2007. وإذا ما جمعنا هذا مع حقيقة أن الأزمة قد تفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء، وهى المتزايدة الاتساع منذ ثمانينيات القرن الماضى، فإن الوضع الناشئ هو ظهور سياسات حزبية ذميمة وشعبوية. إن أى إصلاح طويل الأمد للوضع الحالى سيعنى التركيز على التعليم الابتدائى والثانوى لضمان إنتاج قوة عمل أمريكية منافسة عالميا ونظام رعاية صحية معقول الأسعار للجميع للمساعدة على التصدى لمسألة انعدام المساواة فى المداخيل. أى من هذين العملين ليس بسيطا ولا رخيص الثمن. ولكنهما عملان فى غاية الأهمية إذا ما كان للأمريكيين أن يحافظوا على مستوياتهم المعيشية الحالية. وقد وجد استطلاع جديد لمؤسسة فايدالتى أن واحدا من بين كل أربعة عمال من أعمار 22 إلى 33 عاما، وهم جزء من جيل هذا الركود الحالى، يقولون الآن إنهم يريدون البقاء مع المؤسسة التى يعملون بها طوال حياتهم، وهو ما مثل ارتفاعا عن نسبة 14 بالمائة عام 2008. إنه التزام مؤثر. ولكن السؤال هو ما عدد مؤسسات الأعمال هذه الآن التى ستقبل بأن يرتبط بها مثل هؤلاء العاملين مدى الحياة؟. Newsweek International