«بدلا من التدرج من هجوم الحصان على البيدق أو التربص بالقلعة، اختارت المعارضة أن تواجه النظام بآخر مرحلة فى لعبة الشطرنج ألا وهى كش ملك». الفقرة السابقة للكاتبة المتميزة فى جريدة الحياة اللندنية أمينة خيرى فى عدد أمس الأول ضمن تقرير تناول أيضا كيف أن القوى الإسلامية التى تظاهرت يوم الجمعة للمطالبة بنبذ العنف، رفعت شعارات تهدد بالعنف وإراقة الدماء.
قبل شهور كنت قد طالبت المعارضة بالتواضع فى رفع الشعارات حينما بدأت مطالبها بالدعوة إلى العصيان المدنى واليوم أجدد الطلب وأتضامن مع الزميلة أمينة خيرى وأطالب المعارضة أيضا بأن تعيد النظر فى الأشخاص الذين يختارون أسماء المليونيات التى صار عدد بعضها عشرات أو مئات.
المصريون لا يحتاجون شيئا كى «ينكتوا عليه» ولذلك عندما يتناقض الشعار مع الواقع، فالطبيعى أن نتوقع المزيد من السخرية.
وعندما ترفع شعار «كش ملك» لرئيس الجمهورية ولجماعة الإخوان المسلمين، ثم لا تستطيع أن تحشد مئات المتظاهرين، ولا يكون سلاحك إلا الحجارة وزجاجات المولوتوف، فإن المواطن العادى لن يصدقك وخصمك سوف يتعامل معك باستهزاء.
التفسير الوحيد لكثير من المفارقات الكوميدية فى حياتنا السياسية أننا مازلنا نحبو نحو الديمقراطية، وهكذا نجد ائتلافا من عشرة أشخاص يدعون إلى العصيان المدنى رغم أنهم لا يستطيعون إقناع عربة فى مترو الأنفاق بالتظاهر.
ربما سرعة سقوط حسنى مبارك وتخليه عن الحكم فى 18 يوما فقط أغرت كثيرين بأنه يمكن تكرار نفس الأمر إذا تم فقط الإعلان عن جمعة الغضب وبعدها جمعة الرحيل.
التاريخ لا يعيد نفسه، وحسنى مبارك تخلى عن الحكم لأن هناك أكثر من عشرة ملايين مواطن نزلوا الشارع ضده، ولأن اجهزة أمنه انهارت، والأهم أيضا أن الجيش اتخذ قرارا إستراتيجيا بالانحياز إلى المتظاهرين والتخلى عن قائده الاعلى. وهذه العوامل الثلاثة غير متوافرة فى اللحظة الراهنة، وعندما يتحقق منها عامل أو اثنان على أرض الواقع، وقتها يمكن للمعارضين أن يطلقوا على اسم المليونية كش «ملك» أما قبل ذلك فيتحول الأمر إلى نكتة.
العصيان المدنى هو حصيلة نضال سياسى طويل ومضنٍ بين قطاعات واسعة من الناس، أى أنه خاتمة سلسلة ممتدة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة، ولا يمكن لمجموعة صغيرة مهما كانت نواياها طيبة ونبيلة أن تتخذ قرارات عشوائية، لا تشوه الثورة فقط، بل فكرة النضال السلمى عموما.
خطورة اطلاق المسميات العنترية على المليونيات والقفز إلى فكرة العصيان المدنى مباشرة قبل القدرة على حشد مائة ألف فى ميدان التحرير أو أى ميدان آخر، لن يستفيد منها إلا أولئك الذين يكرهون الثورة، أو لا يريدون لها أن تتحقق أهدافها، أو ألا يتواصل النضال السلمى، كى يتكرس الاستبداد حتى لو كان عبر صناديق الانتخاب.
لو أراد المتظاهرون التغيير الحقيقى فعليهم أن يتوقفوا فورا عن المولوتوف، وفضح من يشجع عليه، وأن يتوجهوا فورا إلى الناس فى القرى والمدن المختلفة.
تحية إلى كل متظاهر سلمى سواء كان ليبراليا أو إسلاميا، وعلينا جميعا أن تكاتف لكشف الذين يريدون «شيطنة ميدان التحرير» وإلصاق كل الموبقات به.
لكن النضال على طريقة إغلاق ميدان التحرير بلا هدف، وإلقاء المولوتوف على قصور الرئاسة لا يفيد إلا جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى.
وبنفس لغة الشطرنج التى استخدمها المتظاهرون المعارضون فعليهم أن يدركوا أن اللعبة تبدأ بالقضاء على العسكرى ثم الطابية وبعدها الفيل ثم الحصان وبعده الوزير وأخيرا الملك.. أما أن تبدأ اللعبة من النهاية فالمؤكد أن هناك مشكلة.