إذا اعتبرنا التاريخ الغربى نموذجًا.. فسوف ينهى النمو التدريجى للديمقراطية المسلمات الدينية كتب رويل مارك جيريشت وهو متخصص سابق فى شئون الشرق الأوسط بوكالة المخابرات المركزية، زميل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومؤلف كتاب «الموجة: الإنسان، والرب، وصندوق الاقتراع فى الشرق الأوسط» (مؤسسة هوفر الصحافة، 2011)، مقالا بصحيفة وول ستريت الأمريكية جاء فيه: منذ أيام قليلة، أجرت إسرائيل انتخابات برلمانية. ويفسر الكثيرون فى أمريكا وأوروبا نتائج هذه الانتخابات باعتبارها انتصارا للمعتدلين، بما يعنى أملا جديدا لعملية السلام فى الشرق الأوسط. ولكن عقد مفاوضات جديدة من دون إجراء انتخابات أولا بين الفلسطينيين يقبل فيها الجانب الفائز وجود الدولة اليهودية لن يؤدى إلا إلى المزيد من تعزيز المتشددين الإسلاميين. ولا شك أن صعود موجة الإسلاميين الذى صاحب الربيع العربى، ينبغى أن يضع حدا لوهم أن الدولة اليهودية يمكن أن تندمج فى دول الشرق الأوسط عبر تقديم تنازلات فى الأراضى لأنظمة غير ديمقراطية.
•••
ربما تصبح إسرائيل ذات يوم مقبولة من جيرانها العرب، ومن أشد أعدائها خطورة؛ إيران. ولكن ذلك لن يحدث إلا إذا سمح به المسلمون العرب والإيرانيون. ومازال أمامنا عقود قبل وقوع ذلك التغيير، على أحسن التقديرات. كما يتعين أن تهدأ حالة الشد والجذب، بين البحث عن الأصالة وحب المعاصرة، قبل إنهاء الاشتباك الإسرائيلى الفلسطينى.
ولم يحدث أن رغبت مؤسسة الحكم الأمريكية القائمة على الحزبين، فى تقدير الجانب الدينى للنزاع الإسرائيلى العربى؛ لأنه فرع من معركة قديمة بين الإسلاميين من أنصار الحكم المدنى وأنصار الحكم الدينى. وكانت فكرة إن القومية العربية الفلسطينية يمكن أن تقبل دولة يهودية، محاولة مشكوك فيها دائما، لأن جوهر الهوية الفلسطينية إسلامى أكثر من أى شىء آخر.
ويضيف جيريشت إن معظم الإسرائيليين يتخوفون من أن يشهد الربيع العربى إحلال طغاة دينيين محل الطغاة المدنيين. ويمكن تفهم أنهم لا يتقبلون حكومة أكثر تمثيلا للفلسطينيين، وهو ما قد يوسع من سلطة حماس، ويسقط النظام الملكى فى الأردن، حيث يمثل الفلسطينيون ما قد يزيد على 70 فى المائة من سكانها.
ولكن، إذا اعتبرنا التاريخ الغربى نموذجا، فإن النمو التدريجى للديمقراطية ينهى المسلمات الدينية. كما أن الحكومة التمثيلية تخفف من غموض السياسة والأخلاق، حيث تسبق الأحداث الجارية التطلعات التجريدية. كما تعلى من شأن الحياة الدنيا، وتشجع على الانقسام الصحى لأنها تضع رؤى متنافسة، بل حتى الرؤى الأصولية المتنافسة، موضع التصويت. وهى تركز طموحات ومشاعر الناس على المصلحة القومية.
ومع انهيار عملية السلام عام 2000، وسط انتفاضة عرفات الدموية الثانية، بدأ الفلسطينيون يوجهون انتقاداتهم للداخل. وعندما توفى عرفات عام 2004، بدأ الفلسطينيون جدلا وإن كان فاترا حول القيادة والأعراف السياسية.
وأدى القرار الإسرائيلى، ببناء حاجز بين إسرائيل والضفة الغربية إلى الحد من انتشار الأوهام الانتحارية بين الفلسطينيين. كما استفاد جورج دبليو بوش من تشجيعه الانتخابات الفلسطينية الأولى والوحيدة، التى انتهت إلى قرار تقسيم، سيطرت بموجبه حماس على البرلمان، وحصلت فتح على الرئاسة. واستمرت تلك الحكومة حتى الآن، ويبدو أن كلا الطرفين يخشى إجراء انتخابات جديدة.
ويضيف الكاتب ربما تستطيع حماس الفائزة فى الانتخابات تسخير الديمقراطية فى شن حرب كلية ضد اليهود. الأمر الذى ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين، فى مصر ومثيلاتها فى سوريا والعراق. لكننا نعلم بالتأكيد أن الإسلاميين، بصرف النظر عن الانتخابات، ينشرون أكثر الرؤى تطرفا، من دون أن يتحملوا أى عبء. فقد خسر المستبدون المدنيون فى مصر، والسلطة الفلسطينية والأردن، تأثيرهم تدريجيا لصالح الأصوليين، فيما يرجع جزئيا إلى توقيعهم اتفاقيات مع إسرائيل، لم تقرها حكومات منتخبة ولا استفتاءات.
ويتمسك دعاة الديمقراطية المدنية العرب بقدر من الأمل، على الرغم من أنهم يتصادمون مع التاريخ الإسلامى.
•••
وفى عام 1979، كان الإيمان بالعصر الألفى السعيد حركة دينية جماهيرية فى إيران. لكن تفريغ الحماس الثورى، حرك عملية شعبية لإعادة تقييم كراهية الحكومة الإسلامية للولايات المتحدة وإسرائيل. وفى 2009، كان لافتا للنظر سخرية الشباب الإيرانى فى مظاهراته المطالبة بالديمقراطية، من القضية الفلسطينية باعتبارها لا تخصهم. وإذا أمكن الاحتكام لأصوات الشعب الإيرانى، فمن المؤكد أن يتم استعادة العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، بل من الممكن مع إسرائيل.
ويرى جيريشت أنه من المتوقع حدوث عملية مماثلة فى الدول العربية، حيث من المحتمل أن تنتج الديمقراطية، حكومات أغلبية يحكمها إسلاميون مستبدون. ولا شك أن محاولاتهم لفرض قيم إسلامية معينة، عبر التشريع البرلمانى، ستؤدى إلى الانقسام والإنهاك. وسوف تزيد قوة التيارات المدنية. وبخلاف أسلافهم العظماء من الليبراليين فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ سيكون العلمانيون المسلمون الذين يفوزون فى صناديق الانتخابات، أقل ميلا بكثير نحو الانصياع للمشاعر الإسلامية المتشددة. وسوف يقل اعتبار قبول إسرائيل، على الرغم من كونه لا يزال أمرا غير سار، عملا غادرا مفروضا من الغرب.
•••
ويختتم جيريشت مقاله قائلا لقد بدأ عصر الإسلام والديمقراطية لتوه. وربما يكون التفاعل بينهما عملية طويلة شاقة وقبيحة، ولكن من المتصور أن يجد الإسرائيليون والعرب والإيرانيون تسوية فى نهاية المطاف تستند إلى ما هو أعمق من الأرض مقابل السلام؛ فسوف تعتمد على تصويت الأحرار.
محرر الشروق: الكاتب رويل مارك جيريشت معروف بميوله الصهيونية وإنتمائه لتيار المحافظين الجدد فى الولاياتالمتحدةالامريكية.