لا جدال أن المصريين يمتلكون من خفة الدم، قدرا لا بأس به، يتمايزون به عن الكثير من الشعوب الأخرى، طبعا كل الشعوب لديها ما تسخر به من أحوالها، ومن مواقف حياتها التى تستدعى ذلك، ربما ما ينفرد به المصريون، ومن الصعب ان تجد له مثيلا، حالات السخرية التى يواجهون بها الاخطار التى تهدد حياتهم، ولا يستطيعون حلها، وربما يصنعون تلك السخرية من أجل مواجهة ما يخافون منه بالفعل، وقهره حتى يستطيعون التعايش معه. الجديد، الذى ألمحه بين الحين والآخر، هو فكرة السخرية التى تمثل اعلانا دائما للمشكلة، لعل يرق قلب احد المسئولين للتدخل لحلها يوما ما. ومن أطرف ما سمعت أخيرا، تسمية عبقرية لكوبرى قرب مدينة قليوب، التابعة لمحافظة القليوبية، عند احد منازل الطريق الدائرى، فقد قرر الاهالى تسميته «كوبرى الحادثة»، وعندما سألت احد الاصدقاء الذين يقطنون قريبا من هناك، عن سر هذه التسمية، فقال إن حادثا شهيرا وقع عند هذا الكوبرى فى بداية تشغليه، وراح ضحيته عدد كبير من المواطنين، ومن المدهش أن هذا الكوبرى مازال يشهد العديد من الحوادث بين حين وآخر، ليؤكد اسمه، أو ليحذر اصحاب القلوب الضعيفة من المرور عليه.
وربما يذكر البعض، الحوادث المتعاقبة، التى كانت تقع على كوبرى السيدة عائشة، فى طريق صلاح سالم، خاصة فى جوف الليل، حينما تصبح السرعة ممكنة، وفى الغالب كانت تطير السيارات من فوقه، وأحيانا الاوتوبيسات، لتهبط بغير سلام على اصحاب الحظ التعس الذين يمرون اسفل الكوبرى فى ذات اللحظة، ووقتها سمعنا العديد من الآراء من اساتذة الطرق والكبارى، بأن هناك مشكلة فى التصميم، وآخرون قالوا انه التنفيذ، المهم ان الحوادث توقفت، دون ان ندرى ماذا فعلت الدولة على وجه الدقة، او ماذا فعل قائدوا السارات والاوتوبيسات، لكن الأكيد أن إدارة المرور، على ما اذكر، كانت تغلق المرور فوق الكوبرى، من منتصف الليل وحتى السادسة صباحا، وهى الساعات التى كانت تشهد وقوع تلك الحوادث، وعلى ما يبدو انه كان الحل الناجع للمشكلة.
حقيقة، لا اعرف لماذا تقع الحوادث عند كوبرى الحادثة، لكنه أمر يدعو أهل الاختصاص لبحث الامر، والعمل على جعل اسمه مجرد ذكرى، واسم على غير مسمى، كما هو حاصل الآن، من أجل وقف نزيف الدماء المستمر على الاسفلت، حيث تأتى مصر فى مرتبة متقدمة بين دول العالم فى ضحايا حوادث الطرق، وأعتقد أن تسمية الاهالى للكوبرى بالحادثة، هو فى حد ذاته بلاغ يستدعى تحرك الجهات المسئولة.
أما الواقعة التاريخية الطريفة، والتى تتعلق بكوبرى ايضا، وفى ذات المحافظة (القليوبية)، أن هناك منطقة بمدينة بنها اسمها «الكوبرى»، هكذا يطلق عليها الاهالى، ربما لأنها كانت تحتاج لبناء كوبرى، او انه كان من المقرر بناء كوبرى يوما ما فى هذه المنطقة، المهم ان أحد اعضاء مجلس الشعب عن هذه الدائرة، أخذته الحماسة ذات الجلسة، وأخذ يطالب المسئولين تحت القبة، بضرورة التحرك بشكل عاجل من أجل بناء كوبرى على الكوبرى، فأعتبر النواب ان زميلهم، يداعبهم، وحتى الآن لم يتم انشاء «كوبرى على الكوبرى»، ولا توقفت الحوادث على «كوبرى الحادثة».. ونتمنى ان تتوقف «خفة دم» أهالى القليوبية الكرام عند هذين الكوبريين، فالأمور لن تحتمل أية كبارى أخرى!