حوار محمد سعد عبدالحفيظ وصفاء عصام الدين ورانيا ربيع: اعتذر حمدين صباحى المرشح الرئاسى السابق ومؤسس التيار الشعبى لجماهير الثورة المصرية عن «خطيئة عدم وصول مرشح ثورى» للرئاسة، كاشفا فى حواره مع «الشروق» تفاصيل عدم التوصل لاتفاق مع المرشح السابق عبد المنعم أبو الفتوح، حول انسحاب أحدهما للآخر، واعترف كذلك بخطأ «ترك الثوار للميدان»، مشيرا إلى "الدور الذى لعبه الجيش فى طمأنة الثوار عقب خلع مبارك".
واعترف صباحى بدور القوى الثورية «حسنى النية» فى «تهيئة الأرض لتحالف العسكر والإخوان»، مؤكدا أن "من عليهم مراجعة مواقفهم هم من التصقوا بالميدان متجاهلين نقلات الشطرنج ولعبة تسليم السلطة".
مراجعة المواقف الثورية والسياسية على مدار عامين منذ بداية الثورة فى 25 يناير 2011 كان محور اللقاء مع صباحى، الذى أكد "خطأ اشتراك حزب الكرامة الذى أسسه فى تحالف مع الإخوان المسلمين أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة".
واعتبر القيادى بجبهة الإنقاذ أن لقاء ماكين والحوار مع السلفيين «أحد أهم مهام جبهة الانقاذ فى الوقت الحالى»، متوقعا حصول الجبهة على اغلبية فى الانتخابات البرلمانية «يليها السلفيين»، وتعرض الاخوان «للتصويت العقابى».. فإلى ما قاله صباحى.
يحيا العسكر.. يسقط العسكر
يقول البعض إن أزمة الثورة الحقيقية تمثلت فى أن القوى الثورية بالميدان يوم 11 فبراير وافقت على تفويض المجلس العسكرى إدارة البلاد.. والحقيقة أن المجلس العسكرى فى هذه اللحظة كان تعبيرا عن جيش أمامه خياران، أن ينتصر لسلطة يعبر عنها قائده الأعلى، أو ينتصر للشعب الموجود فى الميدان، وهو انتصر للشعب ولو بالحياد الإيجابى، وهذا أمر كان محل تقدير كل المصريين وهتافاتهم عبرت عن ذلك، والثوار ائتمنوه لتاريخه وموقفه، وحينها لم يكن هناك خلاف بين الجماهير التى صنعت الثورة والجيش، ولكن عندما بدأ فى سوء إدارته المتتالى للبلاد فى الفترة الانتقالية، تحول الرأى العام ضده، خاصة بعد سقوط شهداء، وتحول المجلس العسكرى من محل رضا إلى «عسكر كاذبون»، واشتعلت الهتافات فى الميادين "يسقط حكم العسكر".
فى الوقت نفسه، لعبت القوى المدنية بحسن نية وبإخلاص ثورى شديد دورا مهما لتهيئة الأرض لحلف الإخوان والعسكر، واتخذت القوى المدنية هذا الموقف بسبب أخطاء المجلس العسكرى.. والإخوان كانوا حتى هذه اللحظة محل ثقة باعتبارهم جزءا من المعارضة، ودفعوا ثمن فى الثورة، وشريك فى الميدان، ولكنهم التفوا على ثقة الجماهير بهم وسعوا إلى هذه العلاقة الثنائية بينهم وبين المجلس العسكرى الذى عول عليهم فى الشارع.
فى الوقت الذى كان الثوريون يسبون أعضاءه.. الإخوان أشفقوا عليه، ومن الطبيعى أن يقدم المجلس نفسه لمن يمتدحه، وبحسن نيتنا خدمنا حلف الإخوان والعسكر، ومن أخطاء هذا المجلس أنه سلم الثورة والدولة للإخوان المسلمين، وهذا الأمر من الواضح أنه تم فى سياق من التفاهم الدولى والإقليمى.
الخروج الآمن.. والخروج العادل
من بين الانتقادات التى وجهت إلى النخبة السياسية الثورية أنها وقفت فى مرحلة وسط، ولم تتمكن من إرضاء الثوار فى الشارع أو الحصول على مكاسب من العسكر.. وحقيقة الأمر أننا لم نكن فى مرحلة وسط، نحن كنا فى الميدان ولم يكن لدينا تنظيم يسمح لنا بإدارة هذا الأمر، ولم نعط للعسكر تطمينات وانعكس هذا فى الانتخابات الرئاسية.. أنا قلت الخروج العادل، وآخرون تحدثوا عن الخروج الآمن، وهو ما حدث.
نحن نمارس دورا سياسيا فى إطار قيمى وأخلاقى، وأعتقد أن النخبة كانت مرهونة بسياق أخلاقى لانسجامها مع الشباب الثورى، نحن لم نتطابق مع الشباب لكن لم نتناقض معهم أيضا، ولا شك أننا نحتاج مراجعة نقدية لهذه المرحلة وخاصة من كانوا أكثر التصاقا بالميدان.
فى هذا التوقيت كان الإخوان محل ثقة، ولأن الخلاف كان قبل الانتخابات بأيام قليلة لم يكن من الممكن أن ننسحب قبل أسبوع من الانتخابات، ولم يكن لدينا وقت للوصول لتكتيك مخالف، ورغم أنى لا أعتبر التحالف مع الإخوان نقطة سوداء فى تاريخى، إلا أنى لا أخفى أن هذا القرار كان له دواعيه آنذاك الحقيقة، وهو قرار خطأ ليس أكثر.
الثوار الفرقاء
وجه بعض شباب الثورة انتقادات لشخصى وباقى مرشحى الثورة، عبد المنعم أبو الفتوح وخالد على وأبو العز الحريرى وحملونا مسئولية عدم وجود مرشح واحد للثورة.. أنا احترم هذا النقد، فأنا من الشركاء الذين ساهموا فى هذا الخطأ وأتحمل نصيبى وأعتذر عنه، وما حدث أن مقر حملتى الانتخابية شهد عدة لقاءات عن طريق لجنة مشكلة لإدارة حوار يهدف للوصول لاتفاق، وأنا أبديت استعدادى أن أقف خلف أى مرشح آخر شريطة أن يتم قياس فرص المرشح الأفضل، وبالفعل أجرت اللجنة حواراتها مع عبد المنعم أبو الفتوح وبعدها لم يتحول الأمر لإجراء بالفعل.
أعذر عبد المنعم لأنه كان قد حصل على تأييد السلفيين، وبالتالى لو أعلن تأييدى له أو وعد بمنحى منصب النائب، كان سيخسر.. ولكن ونحن نتحاكم الآن أريد أن أبرئ نفسى من التشبث بالترشح، فقد أبديت استعدادى للتنازل لمن هو أفضل، ولم أرفض التحالف مع أى شخص، وثبت بالنتيجة من كان صاحب الفرصة الأعلى وربما كانت اللجنة وصلت لهذه النتيجة.
لكن أعتقد أنهم لم يفعلوا المقترح بعدما وجدوا طرفا موافقا على شروط الاتفاق وآخر رفضها، وأنا لم أتحدث أبدا عن هذه التفاصيل لأحد من قبل، وأعتذر للناس عما حدث، ونحن نتعلم من أخطائنا وجزء من أسباب وجودى فى الجبهة رغم ما اتعرض له من انتقادات اننا نحترم هذا الطلب المجتمعى على وحدتنا، وأسعى للوحدة مع كل الأطراف بما فيها عبد المنعم أبو الفتوح.
عقب إعلان نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، سعيت لاتخاذ موقف، وكان من المستحيل أن يكون مع شفيق، والمحتمل أن يكون مع مرسى، واتفقت أنا وعبد المنعم أبو الفتوح على أن النقطة الفاصلة لمساندة مرسى أن نطمئن لاستقلاله عن الإخوان إذا جاء رئيسا للبلاد، وفى لقاء رباعى حضرته وأبو الفتوح ومرسى وأبو العلا ماضى، وجزء منه حضره خالد على، حاولنا الحصول على إجابة صريحة تجاه عدم تبعيته للإخوان حال توليه الرئاسة، إلا إنه لم يقدم أى اجابة تقنع أنه مستقل عن الإخوان، ولم يحاول القسم بأنه مستقل عن الإخوان، بل أنكر علينا السؤال، وبعد الجلسة تأكد لى ولأبو الفتوح أن مرسى غير مستقل عن الإخوان، ولذا لم أؤيده، وأحمد الله أنه هدانى لعدم تأييد مرسى، وكان قد عرض على أن أكون نائبه، وقال إنه سيعلن ذلك لكنى رفضت.
وللحق أقول أننى لم ألتق على الإطلاق بشفيق، ولكن عرض على عبر وسيط أن أؤيد شفيق وأكون نائبا له، عارضا علىَّ كافة الصلاحيات التى أريدها وطرح أن شفيق يترك السلطة لى بعد عامين أكون عرفت فيهم الدولة المصرية وخباياها مدة العامين، ولكن قلت لا أستطيع أن أقبل أخلاقيا أو سياسيا.
الحمد لله
بعد النتيجة حمدت الله، لأننى أثق أن تدبيره لى افضل دائما مما أحب، ولكن بشأن مصر فلدى يقين أننى لو توليت رئاسة البلاد فمن المؤكد أن مصر لن تشهد ما تشهده الآن، ولن تحصل كل هذه الكوارث.. أعرف جيدا ما يجب ألا نتخذه من إجراءات وما يجب اتخاذه، فمثلا لن أصدر الإعلان الدستورى الشهير فى 22 نوفمبر، ولن أمكن الناصريين مثلا من الدولة.
ولو توليت كنت سأكون من أول المطالبين بمشاركة جبهة الإنقاذ، والسلفيين، والإخوان المسلمين، كانوا سيجدون موقعا للشراكة فى إدارة البلاد، وهذا مفتاح مصر، حل مشكلة مصر أن تحترم تنوعها وتتوحد، ولكن دون أن يكون هناك دور للمجلس العسكرى، ودون أن يهان، أو أن يحاسب إلا من وقع تحت طائلة التورط فى قضايا الدم.
جبهة الإنقاذ والشرخ الكبير
تردد أن جبهة الإنقاذ ضيعت على مصر فرصة تاريخية عندما كان الثوار على أبواب قصر الاتحادية يوم 4 ديسمبر، وحول تلك القضية أقول إننا لم نذهب بهؤلاء الناس إلى قصر الاتحادية، بل هم من اختاروا.. النخب لا تحرك الكتل الجماهيرية العريضة التى تصنع الثورات، هى فقط تؤثر فى النشطاء السياسيين، والجبهة لم تدع أبدا فى أى بيان رسمى لإسقاط النظام، ودعت لإسقاط الإعلان الدستورى ومنع جريمة طرح دستور غير توافقى للاستفتاء، وأدانت محمد مرسى ووصفته بأنه رئيس يفقد شرعيته الأخلاقية والسياسية ورضا الشعب، وقالت إن مشروعيته القانونية باقية لكن تهتز، لكن أثناء وجودنا فى الميادين كان المواطنين والثوار يهتفون يسقط حكم المرشد وأنا ليس لدى سلطان لمنعهم من ترديد هذا الهتاف.
زاد الشرخ بين الرئيس والشعب بعد إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، لأن كان فيه نوع من التحايل غير المقبول، على ذكاء رجل الشارع، فهو لم يسحب أى حاجة من الإعلان واستبقى صلب عدوانه على القضاء واجترائه على أن يعين النائب العام كما لو كان موظفا فى أرشيف رئاسة الجمهورية، فلا تعرف الفرق بين السلطة التنفيذية والقضاء المستقل، كما أنه نفس اليوم الذى أعلن فيه عن سحب الإعلان الدستورى بهذه المناورة، وافق على أن طرح الدستور بدون توافق للاستفتاء.
الإخوان المسلمون الآن سلطة وليسوا ثورة، لأن محمد مرسى رئيس السلطة وبيده أن يكون سلطة معبرة عن الثورة أو سلطة معادية لها، هذا لا يتحدد بأيديولوجيته ولا عدد الركعات التى يصليها، ولكن يتحدد بتحويل أهداف الثورة المجمع عليها من الجميع إلى سياسات وإجراءات، وفى هذا السياق أقول إن محمد مرسى كرئيس يعرف أن أول مطلب هو إقامة نظام ديمقراطى يصون الحريات والكرامة، وهو يؤسس الآن لنظام استبدادى تسلطى يعبر عن وجهة نظر جماعة أكثر مما يستوعب التنوع فى الشارع المصرى، وأرى أنه يعصف بمطلب الديمقراطية.
أما العدالة الاجتماعية فمحمد مرسى وجماعته ليسوا من أنصارها، وإنما يعيدون إنتاج النظام الاقتصادى والاجتماعى لمبارك وجماعته، يعنى مبارك وجماعته ثم مرسى وجماعته مع اختلاف تعريف الجماعة فى الحالتين.
لا يوجد فرق فى النظام الاقتصادى، الشعب المصرى يعانى من ارتفاع فى الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه وانعدام الرؤية والقرارات الخاصة بالعدالة الاجتماعية والتنمية، السؤال هنا إذا كان هذا الرئيس لا يسعى ولا ينجز ولا ينجح فى مجرد الاتجاه للديمقراطية، والاتجاه للعدل الاجتماعى وليس تحقيقه، فكيف نصف الرئيس مرسى أنه فى معسكر الثورة، هو بالتأكيد شريك حقيقى فى الثورة واستمر بعد وصوله للسلطة شريك، وحتى إصدار الإعلان الدستورى ولكن اعتبارا من يوم صدور الإعلان الدستورى، أعتبر محمد مرسى قد ضحى بالثورة لحساب السلطة، أنا الآن أعامله كحاكم مشروع مستبد ديكتاتور صغير.
الإخوان والخسارة المقبلة
الشارع يؤكد أن الاخوان ستلحق بهم خسارة فادحة فى الانتخابات بسبب التصويت العقابى الذى سيحدث ضدهم، ولو أحسنت جبهة الانقاذ الإدارة ستحصل على أكثر من 50 %، يليها السلفيين ثم الإخوان، ولكن يجب علينا ترجمة هذا فى الصناديق من خلال توفير ضمانات نزاهة الانتخابات، وتوفير إدارة ذى كفاءة.
ولو خاضت الجبهة الانتخابات الموحدة ستأخذ أكثر من الثلث، واذا تحسنت ضمانات الانتخابات سنحصل على قرابة 45%، وشروطنا أهمها الحكومة المحايدة، وضمانات لتعديل الدستور وهو ما لن يستجب له بشكل فعلى، والثالث هو الرقابة الدولية.
الجبهة والسلفيين
كان لنا لقاء آخر فى غاية الأهمية مع السلفيين يقوم على أمور يجب توضحيها للرأى العام، فتوجد قسمة زائفة ظالمة تقسم المصريين لإسلاميين وغير إسلاميين، وهذا كلام إفك روجته جماعات تستفيد من هذه القسمة عند المواطن العادى، نحن كلنا متدينون مسلمون ومسيحيون وحريصون على الشريعة ولا ينبغى تسليم قضية الدين لطرف لاستخدامها واستغلالها، وإذا كانت القسمة زائفة لابد أن قبول الحوار مع أطراف محسوبة على التيار الإسلامى ومن هنا جاء اللقاء مع قيادات السلفيين.
ونحن الآن نرى أن محمد مرسى سلطة ولا تعبر عن الثورة، ينطبق هذا عليه وعلى الإخوان، وليس من حقى أن أعمم ذلك على من هم موجودون خارج السلطة من باقى التيارات الإسلامية كالسلفيين، وكل الذين خرجوا من الإخوان والإسلام السياسى، فصاحب السلطة الآن هم الإخوان، ونحن لا نعارض الإخوان باعتبارهم جماعة سياسية، ولكن باعتبارهم سلطة.
جلست مع السلفيين لأنهم مصريون مثلى ومعنيون بهذا الوطن ومسلمون ولا أحد منا أحسن إسلاما من الآخر، وأهم ثمرة فى الحوار أن فكرة الاستقطاب المقيت الزائف تنكسر.
لم نقل أى بيان يقول إننا نقاطع نحن نناقش ولدينا وجهتا نظر وما استفدناه من معركة الاستفتاء ألا نأخذ القرار فى آخر لحظة ولهذا بدأنا العمل من الآن على خوض الانتخابات.
العسكر والغد
إذا أديرت التفاعلات الداخلية الحادة الآن فى مصر - فى ظل هذا الاستقطاب - إدارة ديمقراطية تسمح بانتخابات نزيهة أو ميدان يعبر عن رأيه سلميا ولا يجابه بقمع سيبقى الجيش فى مكانه، لكن إذا تم الإخلال بهذه المعادلة وتحولت الحياة السياسية الداخلية لصراع بلا قواعد، القوى فيه يجور على الضعيف وينتهك فيه حق الناس فى التعبير خصوصا اذا تحول الامر لدرجات من العنف، أعتقد أن الجيش سيستدعى فى هذه الحالة موضوعيا للتدخل.