استيقظ يوسف عادل كعادته في السادسة صباحا، حاول إقناع والدته بعدم الذهاب للمدرسة في هذا اليوم "العيد قرب يا ماما والولاد ابتدوا ياخدوا أجازه"، لكن الأم أصرت على ذهابه، ولم تتخيل أنه سيعود لمنزله بقطع في الرباط الصليبي يمنعه من حقه في اللعب ل3 سنوات كاملة.
ذهب يوسف الذي يدرس بالصف الأول الإعدادي، إلي مدرسة الأورمان بالفيوم، ومرت بداية اليوم بسلام حتى دخل مدرس الدراسات الاجتماعية، محمد إسماعيل.. " هذه المرة الأولي التي دخل لنا فيها هذا المدرس، وكان عصبي جداً ومعه عصا حرف تي طويلة".
ويكمل "كنت أجلس بجوار زميلي وهو يكتب فى كراسته، ويدي جاءت على يده، فقال لي إبعد يدك".. كان هذا هو سبب اعتداء المدرس عليه، موضحاً "الأستاذ قالي أخرج برا.. هتخرج ولا أجيبك بطريقتي.. خرجتك وقلت له لم أفعل شئ، وكان زميلي عبدالرحمن قد خرج.. وفوجئت به يضربني برجله في ركبتي اليمين، وأنا كنت عامل فيها عملية".
وهنا تدخلت والدته في الحديث قائلة "يوسف أجرى عملية رباط صليبي وغضروف هلالي في شهر فبراير لأنه وقع على حديدة في مدرسته السابقة وأصيب في الركبة اليمنى".
دموع الطفل لم تنفعه وأضاف يوسف روايته قائلا "بكيت وسقطت على الأرض، وقلت له أنا نازل للمدير، وزمايلي صرخوا وقالوا له إني عندي مشكلة في ركبتي"، ولم يهتز المدرس أمام دموع يوسف وصراخ الصغار.. "شدني من القميص وضربني بالبوكس في أسناني ورماني على الأرض تاني".
صديق يوسف لم يسلم من عنف المدرس "زميلي عبد الرحمن اتضرب بالبوكس في وجه، والأستاذ مسكه وخبط رأسه في الحيطة، بس الحمد لله ماحصلوش حاجة".
خرج يوسف من حصته باكيا وتوجه إلى مدير المدرسة ورجله تؤلمه .."رحت للأستاذ إسماعيل، وقالي استنى لما الحصة تخلص وأنا أتكلم مع الأستاذ، بس أنا برضه كلمت ماما من تليفوني وقلت لها".
230 حالة عنف مدرسي يوسف ليس الوحيد، بل هو واحد من بين مئات الأطفال يتعرضون للعنف فى المدارس، والذي يصل فى بعض الأحيان إلي إصابات جسدية خطيرة.. ووفقاً لإحصائية المركز المصري لحقوق الإنسان بلغت حالات العنف في أول شهرين من العام الدراسي الجاري 2012/ 2013، نحو 230 حالة، صنفها المركز إلى قتل واعتداء من بلطجية، وتحرش وزواج عرفي، واستخدام العنف الجسدي، والتمييز الديني، هذا بخلاف ظهور أشكال جديدة من العنف مثل اعتداء أولياء الأمور على المعلمين، واعتداء الطلاب على بعضهم البعض وعلى معلميهم باستخدام الأسلحة البيضاء. مسؤولية الوزير
حظر الضرب في المدارس قرار وزاري سبق وصدر في عهد حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم الأسبق، ولم يختف الضرب، ولكن ظلت الوزارة تدينه إلا أن تصريح، وزير التربية والتعليم الحالي إبراهيم غنيم في بداية العام الدراسي، بإمكانية استخدام الضرب في المدارس بشرط ألا يكون غير مبرحا، أدي إلى ظهور حالات العنف على الملأ.
وبعد ازدياد معدلات حوادث العنف عقب هذا التصريح تراجع الوزير عن تصريحاته ليؤكد رفضه التام لما وصفه بالخروج عن ميثاق الشرف المدرسي والمهني من أي طرف من أطراف العملية التعليمية، وأن وجود العصا داخل المدرسة مظهر غير حضاري.
ورفض غنيم وصف العنف المدرسي بالظاهرة، وقال ل"الشروق": لدينا مليون و 200 ألف معلم، فاستخدام العنف من قبل معلم أو اثنين ليس ظاهرة، مشددا على عدم وجود مبرر لتعديل القرار 518 الذي ينظم العلاقة بين المعلم والطالب.
وحمل هاني هلال، رئيس المؤسسة المصرية لحقوق الطفل، الوزير مسئولية زيادة معدلات العنف من خلال تصريحاته، مضيفا أن "تراجع الوزير عن هذه التصريحات يكون من خلال إجراءات وقرارات إدارية لوقف الضرب في المدارس وليس مجرد كلام.. عليه إصدار قرار إداري لوقف المهزلة"، مضيفا "2012 أعلى معدلات عنف ضد الأطفال وخاصة في المدارس".
تصريحات الوزير واللوائح التي تمنع استخدام العنف في المدارس لم تصل إلى مدرسة يوسف التي اكتفت بفصل المدرس المسئول عن إصابته، تروي الأم قصتها مع المدرسة وتعاملها مع الحادث "ذهبت للمدرسة وطلبت النجدة ولم يأتي أحد، وسمعت القصة من يوسف وزملائه، أما المدرس فقال إن سبب ضربه ليوسف أنه كان بيهزر مع زمايله".
المدرسة حسب تأكيدات الأم فصلت المدرس لكنها تقول " لا أعرف لماذا يكتفون بفصله، سيذهب مدرسة أخري ويفعل مع فعله مع ابني مرة أخري، وهيبقى في 100 يوسف".
إلا أن نقيب المعلمين أحمد الحلواني، كان له رأيا آخر، معتبرا أن الاجراءات المتخذة ضد المعلمين المرتكبين للضرب رادعة جدا، ولكنه أكد أن المعلمين في حاجة إلى تدريب جديد بالأكاديمية المهنية للمعلمين ليستطيعوا التعامل مع الطلاب بشكل تربوي بعيدا عن العنف". واستدرك قائلا "لازالت أصر على أن العنف في المدارس ليس ظاهرة إذا كان مرتكبيها فرد أو اثنين من وسط مليون ونصف المليون معلم في التعليم العام والخاص والأزهري".
الإصرار علي الملاحقة القانونية لم تكتف الأم بإجراء المدرسة واتخذت الإجراءات القانونية، "حررت محضرا في قسم مركز الفيوم، وسمعوا أقوالنا في النيابة المسائية، وحولونا على مستشفى عام والطب الشرعي، وحتي الآن لم تسلم التقارير الطبية إلي النيابة.. لكن أنا لن أترك حق ابني".
يوسف أيضا مصرّ على ملاحقة المدرس قانونيا ويأمل في عقابه، "قلت لبابا لو ماخدتش حقي بالقانون يبقى لازم نسيب البلد ونمشي"، هذه العبارة التي تعكس مخاوف الطفل، الذي لم يتجاوز 12 عاما، من ضياع حقه تبعها مزيد من العبارات التي تشير إلى إدراكه ووعيه لما يدور حوله "مش كفاية التعليم بايظ أصلا، اللي عندنا ده نسميه أي حاجة تانية بس هو مش تعليم".
والدة يوسف أوضحت ل"الشروق" حجم إصابته "يوسف المفروض إنه يحتاج إلي عناية لأنه أصيب في رجله السنة الماضية وأجرى عملية رباط صليبي وغضروف هلالي في ركبته، والدكتور قال لا نستطيع إجراء عملية أخري ثانية، لأن لأنسجة لم تتكون حتى الآن.. يعني لن يستطيع إجراء عملية إلا بعد سنة وبعدها سنة علاج طبيعي، بمعني أن يظل محروماً من اللعب لمدة 3 سنوات".
رد فعل إدارة المدرسة مع يوسف ووالدته لم يكن متوقعا، حيث اكتفت المدرسة بفصل المدرس ولم يهتم أي من المسئولين بالاطمئنان على يوسف.. "حادثة زي دي مافيش دور للأخصائية الاجتماعية فيها؟"، هكذا تتسائل الأم، ويقاطعها الطفل "المدير ماسألش عليه لما رجعت المدرسة ولما طلع لنا الفصل عمل نفسه مش شايفني". يوسف يحتاج مساعدة لاستعادة ثقته بنفسه حسب تقدير الأم "أنا بقوله ده نصيب وانت أحسن من غيرك بس أنا حاسة أنه مكسور ومحتاج مساعدة من حد فاهم"، لكن الأم لا تعرف طرق تسلكها للحصول على هذه الخدمة الضرورية لطفلها "عمري ما سمعت عن دور للمجلس القومي للطفولة والأمومة أو خط النجدة أو أي مراكز لمساعدة الأطفال اللي يتعرضوا للعنف".
حلم للمستقبل مع كل خطوة يخطوها يوسف يتذكر لحظة الاعتداء علي، ومع كل درجة سلم يصعدها بصعوبة حتي يصل شقته في الطابق الخامس، يتأكد أن شكل حياته اختلف ويبدو أنه سيستمر هكذا لفترة طويلة إن لم يكن للأبد.. فالأسرة التي يعمل عائلها في السعودية لتحسين دخله تبحث الآن عن مسكن في طابق منخفض.
إصابة يوسف ربما تؤثر على تحقيق طموحه "أنا نفسي أصبح مهندس بترول.. لا أنا أصلا نفسي أبقي ضابط أمن دولة، لكن خايف إصابتي تؤثر علي في الاختبارات"، يضيف يوسف ووجهه تزينه ابتسامة خجولة "أنا عرفت إن ضباط أمن الدولة كانوا بيظلموا الناس وأنا نفسي أبقي ضابط عشان أعمل الصح وأرجع حقوق الناس".
يوسف الذي يحمل يوميا حقيبته المدرسية الثقيلة يضع بها كل الكتب والكراسات "لأنهم كل يوم يغيروا الجدول"، يتمنى نظام تعليم مختلف "اللي عندنا ده مش تعليم أنا عارف إن الدول التانية بيتعلموا بالتكنولوجيا والآي باد".
حصة الكمبيوتر بالنسبة ليوسف درس نظري "لا أعرف كيف استخدم الكمبيوتر وعندنا كتاب نظري، لكننا لا ندخل معمل، ولا نتعامل مع أجهزة".. ويحاول أن يدرك العالم من حوله بمصروفه الصغير فيدخر نقودا لشراء آي باد "دخلت جمعية ب50 جنيه في الشهر لاشتري آي باد".
ازدياد العنف وتنوعه مدير المركز المصري لحقوق الانسان، صفوت جرجس يؤكد أن العنف المدرسي أصبح ظاهرة وتزداد مع الوقت، ففي العام الماضي شهد الشهر الأول من العام الدراسي الماضي( 2011- 2012) 4 حالات عنف وهي مدرس يفقأ عين تلميذ، وطالبان يفقأن عين زميل لهما، واعتداء من بعض السلفيين علي أحد المدرسين، واعتداء مواطن علي مجموعة من التلاميذ.
وخلال الفصل الدراسي الثاني ازدادت حالات العنف إلي 5 حالات من أولياء أمور تجاه المدرسين عقابا لهم علي سوء معاملة أولادهم. وقال إن ظروف المعلمين الصعبة، سواء المادية أو المهنية تدفعهم لبث غضبهم في الطلاب، ففي بعض المدارس تصل كثافة الفصول بها إلى 130 طالبا، فيضطر المعلم إلي استعمال الشدة للسيطرة علي الطلاب.
وأشار إلى أن العنف أصبح السمة السائدة بعد الثورة، وغياب الأمن والرقابة أدى لزيادة التحرش أمام مدارس البنات.
مواد بالدستور والقانون ضد العنف المادة 71: تكفل الدولة رعاية النشء والشباب، وتأهيلهم وتنميتهم روحيا وخلقيا وثقافيا وعلميا وبدنيا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتمكينهم من المشاركة السياسية الفاعلة.
المادة 73 : يُحظر كل صور القهر، والاستغلال القسرى للإنسان، وتجارة الجنس، ويُجرم القانون كل ذلك.
قانون الطفل المادة 96:يعد الطفل معرضاٌ للخطر، إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، وذلك في أي من الأحوال الآتية:
1- إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر. 2- إذا كانت ظروف تربيته في الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها من شأنها أن تعرض للخطر أو كان معرضاً للإهمال أو للإساءة أو العنف أو الاستغلال أو التشرد . 3- إذا تعرض داخل الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها للتحريض على العنف أوالأعمال المنافية للآداب أو الأعمال الإباحية أو الاستغلال التجاري أو التحرش. 4 - يعاقب كل من عرض طفلاٌ لإحدى حالات الخطر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز خمسة ألاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.