خلال العام الماضى قابلت الرئيس الفلسطينى محمود عباس مرتين بحضور مجموعة من الزملاء والأساتذة الكتاب ورؤساء تحرير الصحف المصرية، الأولى فى قصر الأندلس الذى صار مقرا للجنة الانتخابات الرئاسية والثانى فى قصر الضيافة بمصر الجديدة. فى المرتين كان اللقاء يتم بعد اجتماع مع المجلس العسكرى أو الرئيس محمد مرسى.
فى المرتين أيضا كانت الابتسامة وروح المداعبة والسخرية المعتادة غائبة عن وجه عباس. سألناه وقتها كثيرا عما حدث فى اللقاء، فكانت الإجابة إما صامتة أو دبلوماسية او روتينية.
مساء أمس الأول الأربعاء التقينا الرئيس أبومازن فى قصر الضيافة. الوضع كان مختلفا تماما، ابتسامات ومداعبات وترحيب بالجميع خاصة لعمرو حمزاوى ولميس الحديدى.
أحد الزملاء الحاضرين سأله سؤالا جادا: تبدو مستريحا جدا.. ما السبب؟!. فرد ساخرا، لأننى نمت ساعة بعد لقاء الرئيس مرسى وقبل أن أحضر لمقابلتكم!.
سر راحة محمود عباس الحقيقى هو نصره الأكبر الذى حققه فى الجمعية العامة للأمم المتحدة حينما حصلت فلسطين على وضع دولة عضو مراقب رغم كل العراقيل والضغوط والتهديدات التى وصلت إلى حد التخطيط لقتله من قبل الإسرائيليين، ومنع المساعدات الأمريكية عنه وتحويلها إلى تل أبيب.
السبب الثانى لراحة عباس هو المظاهرة المليونية لأنصار حركة فتح فى غزة مداعبا الحضور بقوله: «هى مليونية بجد مش أى كلام» لدرجة أن إسرائيل نفسها لم تصدق ما حدث.
سألت ابومازن عما يجبر اسرائيل على اعادة حقوقنا ونحن بهذا الضعف فقال انها لا يمكن ان تعيش بهذا الوضع دائما فى ظل هذه السياسة العدوانية على طول الخط.
أبومازن يعتقد وهذا رأيه أن التطورات ستثبت صواب رهانه على الخيار السلمى.
أتمنى أن يصدق تحليل أبومازن وتوقف إسرائيل عدوانها واحتلالها وتعيد إلينا أرضنا العربية المحتلة، لكن المشكلة أن وقائع التاريخ تقول إنه لا يوجد محتل يوقف جرائمه لأن ضميره استيقظ فجأة، خصوصا إذا كان محتلا بنفس خصائص هذه الدول الاستيطانية العنصرية الإجرامية الإرهاربية.
المقاومة الفلسطينية حققت نتائج مهمة ومنعت ابتلاع إسرائيل للأرض والشعب، لكن المشكة أنه وفى ظل موازيين القوى الحالية فلن تتمكن المقاومة من حسم المعركة عسكريا، وبالتالى فلا حل إلا بالمزج بين الخيارين العسكرى والسياسى.
هذا الأمر لن يتأتى إلا بإنهاء الانقسام الفلسطينى بين حركة فتح وحماس، والذى لا تستفيد منه سوى إسرائيل وكل أعداء الأمة العربية.
والسؤال إذا كانت كل الاتفاقات بين فتح وحماس قد فشلت من أول اتفاق القاهرة ثم مكة، ثم الدوحة ثم القاهرة، فمن هو القادر على إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام؟!.
عندما تجلس إلى الطرفين يحكى لك أسبابا وجيهة تقنعك وكل يعتقد أنه المظلوم والآخر هو الشيطان.
الحقيقة أن الطرفين يتحملان المسئولية، ولولا الضعف العربى خصوصا المصرى ما حدث هذا الانقسام.
الأمر بوضوح أنه لابد أن يدرك الطرفان ضرورة أن يمد كل طرف يده للآخر، ويتنازل قليلا عن مطالبه حتى تتم المصالحة.
إذا اقتنع الطرفان بذلك.. هنا يأتى دور القاهرة، فقد صار معروفا للجميع أن الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين تستطيع أن تقنع حماس بالتنازل قليلا عن تصلبها، وفى نفس الوقت يتم الضغط على حركة فتح والرئيس أبومازن للاقتراب أكثر من حماس، التى شعرت بالتعملق بعد وصول الإخوان للحكم فى المنطقة خصوصا مصر.
يقول البعض إن مشكلة الانقسام سببها أنه لا يوجد زعماء كبار ينظرون للمستقبل.. السؤال الآن: هو هل تتمكن إدارة الرئيس مرسى من أن تنجح فيما فشل فيه حسنى مبارك وقادة كثيرون غيره؟. لننتظر ونرى.