جامعة بنها تنظم زيارة ميدانية إلى سيناء لتعزيز الوعي والانتماء الوطني لدى الطلاب    مصر وهونج كونج تبحثان سبل تعزيز التعاون بمجال السياحة    رئيس الوزراء يترأس وفد مصر في قمة مجموعة العشرين «G20» بجنوب أفريقيا    نجم شبيبة القبائل: جاهزون للأهلي.. وطموحنا التأهل في صدارة المجموعة    محمد المنياوي يتوج بذهبية رفع الأثقال البارالمبي في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 76 مليون جنيه خلال أسبوع    المخرج التونسي مهدي هميلي ل الشروق: واجهت كل الصعوبات للخروج بفيلمي اغتراب.. ويوسف شاهين أبويا    تعاون جديد بين هيئة الكتاب ومكتبات مصر العامة لتوسيع إتاحة الإصدارات للجمهور بالقاهرة    أحمد كامل يفاجئ جمهوره ب لسه حي، أول ميني ألبوم بقلم شاعر واحد    الرعاية الصحية تطلق حملة توعية لضمان الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية    محمد علي بن رمضان على رأس قائمة منتخب تونس المشارك في كأس العرب    إقبال مكثف من المصريين في مسقط للمشاركة بانتخابات مجلس النواب| فيديو    زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب بنغلاديش    جامعة بنها وحياة كريمة ينظمان قوافل طبية وتوعوية بقرية الجلاتمة بمنشأة ناصر    وصول حكام مباراة الزمالك وزيسكو إلى القاهرة    زيلينسكى يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة رشوة ال100 مليون دولار    "النيابة" تستمع لأقوال المتهمين في واقعة قتل شاب بالدقهلية وإخفاء جثمانه 6 سنوات    أسماء مصابي مشاجرة الأسلحة النارية في أبو تشت بقنا.. إصابات بالغة بينها طلق ناري بالعين    ضبط 367 قضية مخدرات و229 قطعة سلاح نارى فى حملة موسعة    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بين عائلتين بقنا    تليجراف: ستارمر على وشك الموافقة على إنشاء سفارة صينية عملاقة جديدة فى لندن    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    أسعار الفراخ والبيض اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025    إكسترا نيوز من موسكو: العائلات وكبار السن من أبرز مشاهد انتخابات النواب    جامعة القاهرة: أصداء إعلامية عالمية واسعة للزيارة التاريخية للرئيس الكوري الجنوبي    تعرف على سر سورة الكهف.. وفضل قراءة السورة يوم الجمعة❤️    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" أذكار الجمعة التي تغيّر يومك للأفضل    السياحة: تزايد أعداد السائحين البولنديين للمقصد المصرى بنمو 37% خلال 9 شهور    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    "المهن التمثيلية" تحذر من انتحال اسم صناع مسلسل "كلهم بيحبوا مودي"    تطورات جديدة في ملف تجديد عقود ثنائي الزمالك    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    "القومي لعلوم البحار" يشارك في وضع إعلان بليم للمحيط COP 30    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    أهلي جدة يستضيف القادسية لمواصلة الانتصارات بالدوري السعودي    إنشاء محطة الصب الجاف النظيف بميناء الدخيلة.. صور    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    شهيدان بنيران الاحتلال خلال اقتحام القوات بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في الاحتفال بمرور 1700 على مجمع نيقية    بورصة وول ستريت تشهد تقلبات كبيرة    ضجة بعد تحذير جنرال فرنسي من خسارة الأبناء ضد هجوم روسي محتمل    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    الصحة العالمية: اللاجئون والنساء أكثر عُرضة للإصابة ب«سرطان عنق الرحم»    دراسة تكشف عن علاقة النوم العميق بعلاج مشكلة تؤثر في 15% من سكان العالم    محمد منصور: عملت جرسونا وكنت أنتظر البقشيش لسداد ديوني.. واليوم أوظف 60 ألفا حول العالم    أوقاف القاهرة تنظّم ندوة توعوية بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب    المتحف المصري يفتح أبوابه لحوار بصري يجمع بين العراقة ورؤى التصميم المعاصر    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    التنسيقية: فتح باب التصويت للمصريين بالخارج في أستراليا بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    القرنفل.. طقس يومي صغير بفوائد كبيرة    "عائدون إلى البيت".. قميص خاص لمباراة برشلونة الأولى على كامب نو    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    هل عدم زيارة المدينة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح بقناة الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسئلة الانتصار
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 01 - 2013

يشم الزائرون فى شوارع غزة رائحة الانتصار، ويرى السائرون فى طرقاتها واقعية أهلها فى تعاملهم مع الحرب والحصار والحياة، ويفرض انتصارها الأخير أسئلة جدية تتعلق بمستقبل الصراع لم تزل إجاباتها غائبة عن أجواء المدينة.

•••

الحياة تحت الحصار ليست سهلة ولا مستحيلة؛ فالسلع متوافرة بأسعار مرتفعة بسبب عمولات المهربين، وجلها قادم من إسرائيل التى يضطر أبناء القطاع للتعامل بعملتها والتبادل التجارى معها، ومحطات تحلية المياه تعمل بكفاءة متوسطة، والكهرباء تصل للمنازل ساعات معدودة كل يوم، وحرية التنقل والسفر تحدها عجرفة الاحتلال من جهة الشرق، وسوء المعاملة والتضييق غير المبرر على الحدود مع مصر، حيث الوضع أفضل مما كان عليه قبل الثورة، وأسوأ مما ينبغى أن يكون عليه، ومما عليه الموانى الحدودية الأخرى.

يتعامل أهل القطاع مع ظروفهم بواقعية وإنسانية، بعيدا عن الأساطير التى تنسجها بعض الخيالات، فيرغب بعضهم فى مغادرة القطاع لقلة الفرص العلمية والتعليمية، ثم يزيدهم القصف الإسرائيلى عنادا وإصرارا على البقاء، والمهجرين يزيدهم الانتصار تفاؤلا بالعودة لبيوتهم فى حيفا ويافا وتل الربيع والقدس، ويشعر غيرهم بالحنق بسبب التضييق السياسى الذى تفرضه حماس على أنشطة معارضيها والمستقلين عنها فى الجامعات والشوارع، والتضييق الأمنى الذى يحيل القطاع للسيطرة الليلية لكتائب القسام، المضطرة كما تقول لتلك الإجراءات الهادفة لتأمين القطاع ضد أى اجتياح محتمل، وضد تحركات العملاء، ويتابع فلسطينيو غزة عن قرب ما يحدث فى مصر، التى كانوا أول من احتفل بثورتها، وتعرض بعضهم بسبب ذلك للاعتقال من سلطة حريصة على ألا تبدو متدخلة فى الشأن المصرى.

ويختلف الغزاوية فى تقييمهم للأداء السياسى لحماس، بعضهم يشكو من اقتحامها مساحة الحريات الشخصية، وآخرون يمتدحون نجاحها فى ضبط الأمن وتخفيف وطأة الحصار على نحو يخفف المعاناة، وينظر غيرهم بريبة للعلاقة بين الحكومة، والحركة، وكتائب القسام، والتى تجعل الكلمة النهائية فى القطاع للعسكريين، ويعتذر البعض عن ذلك بالاحتلال، ويولى المواطنون درجات متباينة من الاهتمام للعنف المستخدم بين الفصائل فى خلافاتها، ورغم إيمانهم باستحالة المصالحة بين قيادتى الضفة وغزة فإنهم يأملون فى صيغة جديدة يتجاوزون بها الوضع الحالى الذى يختصر فلسطين فى غزة، وحتى فى داخل حماس يوجد خلاف بين من يمجدون «الحسم» الذى تم فى 2007 ويروجون للجوء إليه فى سياقات أخرى، ومن يرونه شرا كان لا بد منه، ومن يرون أن ثمة خيارات سياسية أخرى كانت ستؤدى لنتائج أفضل.

ويتفق فلسطينيو غزة رغم اختلافاتهم فى اعتزازهم بالمقاومة، إذ يميزون بدقة بين وظيفتى الحكم والمقاومة لحماس، ويدافعون فى الثانية حتى عند اختلافهم على الأولى، خاصة بعدما ضربت المقاومة العمق الإسرائيلى فى القدس وتل أبيب المحتلتين، وسببت لإسرائيل ألما عسكريا دفعها بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب للتراجع عن تهديدات بالاجتياح البرى والهرولة طلبا لوساطة مصر لوقف إطلاق النار، والقبول بالشروط الفلسطينية للتهدئة.

•••

تطرح الانتصارات أسئلة أصعب من التى تطرحها الهزائم، لأنها تنقل الصراع إلى إطار جديد، وفيما تقتصر أسئلة الهزيمة على التطوير الإجرائى للأداء وعلاج أخطاء الماضى فإن أسئلة النصر تدور حول التطوير النوعى والاستراتيجى.

وانتصار المقاومة فى المعركة الأخيرة الذى كانت الثورة المصرية، وما فرضته من تخفيف للحصار خلال السنتين الماضيتين سببا رئيسا فيه، إضافة لجهود المقاومة فى تطوير أدائها أكد قدرتها على الدفاع عن غزة، وصد أى هجوم محتمل عليها، وهو ما يطرح أسئلة تتعلق بمستقبل الصراع واستراتيجياته على المدى المتوسط والبعيد.

•••

فالعقود الثلاثة الماضية شهدت تحولات فى معركة تحرير فلسطين، كانت خلاصتها القبول الإقليمى بنظام كامب ديفيد، والقبول المحلى بهياكل اتفاقية أوسلو، على نحو قصر الصراع عمليا على الحدود، وعلى شروط الحكم الذاتى، وتوارى الكلام عن التحرير والاستقلال، وظلت حركات المقاومة تعمل خارج هذا الإطار متحدية إياه، حتى قررت أن تقرن النضال بالمسار السياسى، وكان أن فازت حماس فى الانتخابات التشريعية سنة 2006.

ولم يكن من السهل حل التعارض بين «المقاومة» و«السياسة»، فعلى قدر ما ساعد الصعود السياسى لقوى المقاومة وما تلاه من «حسم» على تطوير قدرة المقاومة على الدفاع عن القطاع، فإنه بتكريس فكرة «الدولة» و«السلطة» فى القطاع قد جعل هذا الانتصار العسكرى للمقاومة يبدو وكأنه انتصار فى معركة خاطئة، أو انتصار غير مكتمل.

ذلك لأن الإطار الحاكم للانتصار هو انقسام بين الضفة وغزة، وتعزيز لفكرة «الدولة» فى الثانية، واستراتيجيات للمقاومة تهدف بالأساس للدفاع عن القطاع ضد أى هجوم محتمل، وتأمينه من «دولة» عدو، ومن ثم فإنها فى التحليل الأخير لا تتعارض مع أول أسس أوسلو التى هى حل الدولتين.

وتحرير الأرض لا الدفاع عن المتبقى منها هو الهدف المعلن لكل الفصائل الفلسطينية، ومن ثم فإن النجاح فى تأمين القطاع يوجب إعادة النظر فى استراتيجيات التحرير على المستويين المحلى والإقليمى، أما على المستوى المحلى فإن نقض أوسلو يتطلب إعادة النظر فى مسألة «الدولة»، إذ قيامها تحت الاحتلال ينطوى على قبول بالدولة المحتلة والتفاوض على الحدود، كما أنه يحولها بدرجات متفاوتة لحائط صد يحمى الاحتلال من بعض الضربات (السلطة فى الضفة تقوم بدور الجندى الاسرائيلى ومستويات التنسيق الأمنى بينها وبين الاحتلال غير خافية، وحماس فى غزة تضرب فصائل المقاومة التى تخرق اتفاقات التهدئة، وتمنع المواطنين من التظاهر فى المناطق الحدودية التى يجرفها جيش الاحتلال ويحولها لمناطق عازلة)، كما تتطلب مقاومة قصر فلسطين على غزة إضافة إلى الالتفات لحرب المصطلحات إيجاد صيغ جديدة للتواصل بين أبناء الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة، وفى فلسطين التاريخية، والشتات، وينبغى أن تنبنى على تلك التغييرات مراجعة لاستراتيجيات المقاومة لتعبر عن الانتقال من الدفاع إلى التحرير.

وعلى المستوى الإقليمى يحتاج تجاوز نظام كامب ديفيد لتغيير نوعى فى السياسات، فالتغييرات الإجرائية بتخفيف الحصار، وتيسير دخول الأفراد والبضائع، وغض الطرف عن تهريب الأسلحة، حتى لو تمت فإنها تبقى كامب ديفيد بشروط تسعينيات القرن الماضى ولا تتجاوزها لإطار يحافظ على الحقوق الفلسطينية، وهذه التغييرات النوعية لا يمكن إلا أن تستند لهياكل اقتصادية ومؤسسات سياسية أكثر ديمقراطية فى توزيع الثروة وملكية أدوات الإنتاج، وأكثر جدية فى تمكين الشعب من قراراته السياسية، كما يتطلب إعادة النظر فى استراتيجيات تسليح الجيوش، وفى التعاون العربى فى هذا الإطار.

•••

الانتصار الذى حققته المقاومة ينبغى أن ينقل المعركة السياسية إلى إطار جديد، يتجاوز معركة الحدود إلى مرحلة التحرير، ويتجاوز معركة الحكم الذاتى إلى معركة الاستقلال، والانتقال لهذه الأرض الجديدة هو وحده ما يجعل لهذا الانتصار العسكرى الذى تحقق معنى، ويستثمره فى طريق تحرير فلسطين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.