مع اندلاع العنف فى غزة مؤخرا، والجهود الحثيثة التى قام بها الفلسطينيون للحصول على وضع دولة مراقب فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزيادة المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية التى يمكن أن تؤدّى إلى تقسيم الدولة الفلسطينية المستقبلية، يبدو أن الآمال المعلّقة على عملية السلام قد تبددت. فى سؤال وجواب أجرته مؤسسة كارنيجى مع مروان المعشر، نائب رئيس مؤسسة كارنيجى للدراسات حول شئون الشرق الأوسط والذى شغل منصب وزير الخارجية (2002 2004)، ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) فى الأردن، حول عملية السلام قال إن حلّ الدولتين سيصبح مستحيلا قريبا. ومع ذلك، وعلى رغم الصعوبات التى تنتظرنا، يتعيّن على الولاياتالمتحدة بذل جهود كبيرة لإيجاد حلّ قبل نفاد الوقت، حيث إن كلفة الانتظار كبيرة جدا. وفيما يلى أبرز ما ورد بالحوا:
• هل ستعطى إدارة أوباما الجديدة دفعة لعملية السلام؟
لا توجد مؤشّرات حتى الآن على أن الإدارة الأمريكية ستبذل جهدا كبيرا أو تستثمر رأس المال السياسى اللازم فى عملية السلام. تواجه الولاياتالمتحدة عددا من التحدّيات الداخلية والخارجية التى من شأنها،من أسف، دفع عملية السلام إلى آخر مراتب أجندتها. وتشكّل الهاوية المالية مجرّد مثال واحد على القلق الداخلى الذى سيستغرق وقتا كان يمكن أن يُخَصّص للشئون الخارجية.
فى منطقة الشرق الأوسط وحدها، يحتاج أوباما لأن يحدّد ما يجب القيام به إزاء إيران وسوريا والتحوّلات التى تشهدها المنطقة نتيجة للصحوة العربية. وهذا يعنى أن الصراع العربى الإسرائيلى سيكون أولوية متدنية نسبيا فى سُلَّم القضايا الإقليمية. إذ تشعر الإدارة الأمريكية ببساطة وكأن الجانبين ليسا مستعدّين لإبرام اتفاق. ولكن هذا خطأ، حيث إن الوقت ليس بلا حدود وهناك فرصة محدودة جدا، وهى تضيق، للتوصّل إلى حلّ الدولتين. وإذا ما كانت الولاياتالمتحدة ترغب فى تجنّب الفوضى الناجمة عن غياب الحل، فعليها أن تتحرّك الآن.
•••
• هل لايزال حلّ الدولتين قابلا للتطبيق؟
يكمن السبب فى أن فرصة التوصل إلى حلّ الدولتين تفلت من بين أيدينا فى النشاط الاستيطانى الإسرائيلى. فهناك أكثر من نصف مليون مستوطن فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، وهذا يدمّر احتمالات السلام. ومن غير الواضح كيف سيتم الفصل بين المجتمعين حتى لو حدث تقدّم مهم فى العملية السلمية اليوم.
إذا ما استمرّ العالم فى انتظار توقيت أفضل للتوصل إلى السلام، فسيتم بناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية، وخاصة فى القدسالشرقية، ما يجعل تطبيق حلّ الدولتين مستحيلا. ومن المهم فهم حقيقة أن أى حلّ لا يعطى القدسالشرقية للعرب والفلسطينيين ليس حلا على الإطلاق. ولذا يجب أن تكون القدس جزءا من المعادلة.
هذا فضلا على المؤشرات الديموغرافية داخل إسرائيل تجعل إجراء أى صفقة أخرى محتملة، وخاصة حلّ الدولة الواحدة، مسألة إشكالية إلى حد كبير. فهناك عدد متساوٍ من العرب واليهود 6 ملايين فى المناطق الخاضعة إلى السيطرة الإسرائيلية، فيما يتزايد السكان العرب بمعدل أسرع.
• ما الذى يجب أن يحدث لتحقيق السلام؟ ما هو الدور الذى ينبغى أن تقوم به الولاياتالمتحدة؟
يجب أن تبدأ الإدارة الأمريكية جهودها فى العملية السلمية من خلال الانخراط فى مناقشات خاصة مع كل اللاعبين الرئيسيين. وهذا يشمل إجراء محادثات مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية، للتأكد من أن عناصر أى صفقة تلبّى احتياجاتها، وخاصة بشأن القدسالشرقية.
وهى بحاجة أيضا إلى تحديد الخطوط الحمراء بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين على حدّ سواء، فى قضايا مثل اللاجئين ونزع سلاح حماس وحزب الله والحدود. إذ إن فهم الخطوط الحمراء يوضّح أكثر ما يمكن أن يعطيه كل طرف إذا ما تم الوفاء باحتياجاته.
وأخيرا، يتعيّن على أوباما التعاطى مع الرأى العام الأمريكى، وخاصة الجالية اليهودية. ولكى يتم تمرير أى اتفاق فى الداخل، يتعيّن على الأمريكيين أن يواجهوا حقيقة أنه ستترتّب على الفشل فى التوصّل إلى اتفاق على حلّ الدولتين آثار وخيمة على بقاء دولة إسرائيل فى المستقبل.
حالما يتمّ ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تضع، جنبا إلى جنب مع الأعضاء الآخرين فى اللجنة الرباعية، التى تضمّ أيضا الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا، حزمة شاملة وتدعو جميع الأطراف إلى مؤتمر دولى. ويجب أن يكون الإطار الزمنى لهذا كله بضعة أشهر فقط وليس بضع سنوات.
•••
• كيف ستؤثّر الانتخابات البرلمانية المقبلة فى إسرائيل على موقفها بشأن المحادثات؟
يبدو أنه سيتم إعادة انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، وسيعقد شراكة مع المتشدّد أفيجدور ليبرمان وحزبه «يسرائيل بيتنا». وفى الوقت الراهن، لا تعتقد إسرائيل، بصورة عامة، أنها بحاجة للتعامل مع القضية الفلسطينية فيما هى تشعر بأنها آمنة نسبيا خلف الجدار التى شيّدته وبأن اقتصادها على ما يرام.
تتمثّل إستراتيجية نتنياهو فى مواصلة تغيير الحقائق على الأرض إلى أن يصبح حل الدولتين أمرا غير وارد، وبعد ذلك سيفكّر بحلول أخرى. وربما ينظر فى تنفيذ انسحاب من جانب واحد وراء جدار بطريقة من شأنها أن تبقى القدسالشرقية وجزءا من الضفة الغربية فى يد إسرائيل. والمشكلة هى أن هذا لن يحلّ أى شىء حيث لن يقبل العرب والفلسطينيين ذلك. يمكن لنتنياهو أيضا محاولة جعل الحياة صعبة للغاية بالنسبة للفلسطينيين، على أمل أن يرحلوا فى نهاية المطاف.
فى حين لم يعلن أحد فى إسرائيل عن إستراتيجية علنية إذا أصبح حلّ الدولتين مستحيلا، فإن هذه هى الخيارات التى يتحدث الناس عنها. ولكن حلّ الدولتين لم يعد فى مصلحة العرب والفلسطينيين فقط، بل فى مصلحة إسرائيل أيضا.
• ما استراتيجية الفلسطينيين للفوز بإقامة الدولة؟ وهل فتح وحماس متفقتان على الطريق إلى الأمام؟
الفلسطينيون ضعفاء ومنقسمون بين حماس وفتح. هناك أساسا كيانان مختلفان أحدهما فى الضفة الغربية والآخر فى غزة. ولكن الاثنين لايزال غير مقتنعين بأن إسرائيل مستعدة وراغبة فى منحهما الحد الأدنى الذى يحتاجانه لاقامة دولة قابلة للحياة. وقد استنفد الفلسطينيون أساسا كل الخيارات، وهذا هو السبب فى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قدّم طلب الحصول على وضع دولة مراقب غير عضو فى الأممالمتحدة. وهذا يشكّل محاولة لتثبيت، من الناحية القانونية، ما لا يمكن تثبيته على الأرض فى هذه المرحلة. لكن عباس يدرك أن هذا لا يحلّ المشكلة.
الانتفاضة الفلسطينية هى الأمر الذى يمكن أن يغيّر اللعبة. من غير الواضح ما إذا كانت ستندلع انتفاضة فى هذه المرحلة، ولكن الانتفاضة قد تجبر المجتمع الدولى وإسرائيل على التعامل مع هذه القضايا بشكل مختلف.
••• • هل تستطيع الدول العربية كسر الجمود والتوصّل إلى حلّ دائم؟
لا يمكن أن يكون حلّ الصراع اتفاقا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل يجب أن يكون اتفاقا إقليميا لكى ينجح. فى ظل الصحوة العربية تشهد المنطقة تغيّرا هائلا. إذ تواجه إسرائيل الآن وضعا لن يتم فيه إلغاء معاهدات السلام الثنائية، لكن الحكومات الجديدة لن تحرّك ساكنا لتقديم يد العون دون حلّ الصراع الإسرائيلى الفلسطينى.
بطبيعة الحال، سوريا ليست فى وضع يمكنّها من الانخراط فى العملية السلمية اليوم، لكن أى نظام جديد سيقبل صفقة تعيد إليه مرتفعات الجولان على طول حدود 4 حزيران (يونيو) 1967. فمن المعروف أن الرئيس السورى بشار الأسد ونتنياهو كانا على وشك التوصّل إلى اتفاق إلى أن اندلعت الانتفاضة السورية، وهذا يعنى أن إسرائيل وافقت بالفعل من حيث المبدأ على الانسحاب. لا يمكن تجاهل القوى العربية ويجب أن تكون جزءا من هذه العملية. ولكن من المهم أن نتذّكر أنه فى حين أن أى حلّ يعتمد على الدعم العربى، فإن المشاركة الأمريكية الفعّالة لاتزال ضرورية.