غدا.. مصر للطيران تبدأ جسرها الجوي لعودة الحجاج إلى أرض الوطن    الإشراف على ذبح 1520 رأس ماشية بمجازر البحيرة خلال عيد الأضحى المبارك    صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتحول إلى مقابر خلال 48 ساعة    وزير الخارجية يتابع مع نظيره التركى تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    قوات الاحتلال تنفذ مجزرة جديدة عند مراكز توزيع المساعدات    ترامب يحظر الأقنعة في مظاهرات لوس أنجلوس    زيزو: لعب المونديال مع الأندية إضافة لمسيرتي.. وهذه رسالتي للجماهير    مراكز شباب الشرقية تواصل فتح أبوابها للمواطنين خلال عيد الأضحى ضمن مبادرة العيد أحلى    الزمالك يقترب من حسم صفقة زين الدين بلعيد    حريق هائل بمصنع كتان بقرية شبرا اليمن فى الغربية والدفع ب4 سيارات إطفاء    جهود أمنية مكثفة لضبط المتهمين بقتل شاب في مشاجرة بالمحلة    بعد تعدد حدوثها l سرقة سيارة أو توك توك تقود للقتل أحيانًا    أسيوط ترفع درجة الاستعداد لامتحانات الثانوية العامة.. تفاصيل    افتتاح مركز زوار قلعة قايتباي بالإسكندرية بعد الانتهاء من تجهيزه    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    زيارة مفاجئة ل مدير الحوكمة بصحة أسيوط على عدد من المستشفيات بالمحافظة    تقديم الرعاية ل2096 مواطنًا بقريتي السرارية وجبل الطير البحرية في المنيا    التأمينات الاجتماعية تواصل صرف معاشات شهر يونيو 2025    خلال أقل من 48 ساعة .. فيديو تقديم زيزو لاعباً فى الأهلى يتجاوز ال29 مليون مشاهدة    رومانو: عرض نهائي من تشيلسي إلى ميلان لضم مانيان    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    منافذ أمان تضخ لحوم بأسعار مخفضة في كافة محافظات الجمهورية (صور)    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    البحر هادئ.. طقس ربيعي وأجواء رائعة ثالث أيام العيد في الإسكندرية - صور    ضبط شخصين لاتهامهما بغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    تعرف على الفيلم الأقل جماهيرية بين أفلام عيد الأضحى السبت    الدفاع المدني بغزة: الاحتلال دمر 99% من المعدات والقصف متواصل على خان يونس    عروض «بيت المسرح» ترفع لافتة «كامل العدد» في موسم عيد الأضحى| صور    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    بعد عيد الأضحي 2025.. موعد أول إجازة رسمية مقبلة (تفاصيل)    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه .. اعرف التفاصيل    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    انفجار في العين.. ننشر التقرير الطبي لمدير حماية الأراضي المعتدى عليه خلال حملة بسوهاج    تحرير 135 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد أعمال الحفائر الأثرية بعدد من المواقع الأثرية بالأقصر    نادي العاملين بمحافظة أسيوط يفتح أبوابه خلال أيام عيد الأضحى لاستقبال المواطنين    «البدوي»: دعم الرئيس السيسي للعمال حجر الأساس في خروج مصر من قوائم الملاحظات    الصحة: فحص 7 ملايين و909 آلاف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف السمع    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    محافظة الشرقية: إزالة سور ومباني بالطوب الأبيض في مركز الحسينية    بيان عاجل من «الزراعيين» بعد التعدي على مسؤول حماية الأراضي في سوهاج (تفاصيل)    الدكتور محمد الخشت: 11 شرطا لتحول القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية    مجلة جامعة القاهرة لعلوم الأبحاث التطبيقية «JAR» تحتل المركز السادس عالميًا (تفاصيل)    رونالدو ينفي اللعب في كأس العالم للأندية    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    غزة.. السودان.. ليبيا.. سوريا.. المعاناة مستمرة عيدهم فى الشتات!    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    أسعار الأسماك اليوم الأحد 8 يونيو في سوق العبور للجملة    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    زيزو: إدارة الكرة في الزمالك اعتقدت أن الأمر مادي.. وأنا فقط أطالب بحقي وحق والدي    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا يكون الاستفتاء إهانة لمصر أُم الدساتير
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 12 - 2012

تأكد سقوط الإخوان المسلمين من موقعهم على رأس السلطة، فى امتحان الديمقراطية والتسليم بالإرادة الشعبية، ولن يصدق المواطن فى مصر، ومن ثم العرب خارج مصر، فضلا عن دول الغرب أساسا ومعه الشرق أية أرقام أو نسب مئوية لخيار الناخبين فى مصر، وكم منهم قال «نعم» ومن قال «لا» فى الاستفتاء المتعجل على الدستور الذى تم إنتاجه فى ليل.

لقد «استولدت» نصوص الدستور قيصريا، وتم تهريبها وكأنها من الممنوعات وربما لهذا أعلن الطعن فى النتائج من قبل أن تعلن السلطة التقديرات غير الرسمية لتوزع أصوات المشاركين.

وواضح أن الانقسام الذى شرخ المجتمع قد ذهب بالدستور الذى يفترض به أن يكون أساس وحدة الشعب على اختلاف الاتجاهات السياسية، فضلا عن اختلاف الانتماءات الدينية والطائفية.

مع ذلك، يمكن القول إن ثورة 25 يناير ما زالت تفعل فعلها فى حشد الرأى العام ضد الغلط والانحراف، لكن انقسام القوى الوطنية والديمقراطية، وسقوط بعض «الرموز» التى غادرت تاريخها. فى فخ إغراءات السلطة ووعودها المذهبة، كل ذلك تسبب فى خسارة نصر محقق عبر إسقاط الدستور المشوه.

لقد كسر الشعب المصرى مجموعة من الحواجز النفسية والمادية التى سبق أن حكمت تصرفاته قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتمكنت قواه الحية من إلزام السلطة التى باتت هويتها مكشوفة تماما بمجموعة من القواعد التى تحفظ الحد الأدنى من كرامة الشعب الذى لولا ثورته لما كان الرئيس الاخوانى فى موقعه الحالى.

لكن ارتجال الدستور وتهريبه ذات ليل قد خرب صدقية الإخوان، مرة أخرى بعد الوعود الرئاسية وطريقة تشكيل الحكومة.

ولقد حاول الشعب الذى باشر استعادة حقوقه فى وطنه أن يقول رأيه فى هذا الدستور المحشوة نصوصه بالألغام النافية للديمقراطية، لكن استعجال الإخوان شرعنة السلطة التى آلت اليهم بالمصادفة القدرية قد احرق الفرصة لبناء مستقبل أفضل، بمشاركة المصريين جميعا، على اختلاف انتماءاتهم الدينية وتوجهاتهم السياسية.

ليس دستور للبلاد ذلك الذى يصوت نصف المصريين ضد نصوصه المهربة والتى تحاول أن تلغى كل ما حققوه على امتداد رحلتهم الدستورية وقد كانوا روادا فيها، منذ العام 1923، حين تقدمت مصر كطليعة فانتجبت عقول نخبتها دستورها الأول، بينما كل المنطقة العربية والكثير من دول العالم لا تعرف الدستور.

ولن يعزز الدستور الجديد الذى تعذر على المعارضة مناقشته بالروح العلمية والجدية التى تستحقها صياغة الحياة السياسية فى بلد الثورة الشعبية على حكم الطغيان، من شرعية الرئيس الفائز بأكثرية النصف زائد واحدا، بل هى ستكشف تعجل الذين تورطوا فى إيصاله إلى السدة منعا لوصول غيره ممن افترضوا انه أسوأ منه.

بل إن هذه الخطيئة الجديدة فى تهريب الدستور ستؤكد الشرخ فى قمة السلطة وهو شرخ ستظهر آثاره مستقبلا فى سائر المؤسسات التشريعية والتنفيذية، طالما أن هذه الفئة تجاهر بأنها تنوى احتكار السلطة.. وبالدستور المطعون فى طريقة إعداده ثم فى طريقة إقراره.

حتى لو صدقنا النتائج الأولية بالأرقام التقريبية التى أعلنت، فليس من الطبيعى أن يحكم رئيس وصل إلى السدة بنصف أصوات الناخبين (بمعزل عن مصدرها وأسبابها) بدستور تعارضه الأكثرية الفعلية، إذا ما انتبهنا إلى طبيعة القوة الرافضة ومواقعها فى قلب مصر وفى سياق نضال شعبها من اجل غد لا طغيان فيه ولا تفرد ولا تزوير لإرادته.

فى أى حال، ليس أمرا بسيطا أن يتبدى رفض الدستور واضحا جليا فى القاهرة، ذات العشرين مليون مواطن، العاصمة والمركز والقلب السياسى والثقافى والاجتماعى، ومركز الجامعات والمعاهد العليا، كما فى بعض المحافظات المدينية والمسيسة، تاريخيا، بينما جاءت «نعم» من البيئات الأقل تقدما والطرفية (أسوان والصعيد عموما وسيناء بمجاميع سكانها الذين يغلب عليهم الطابع البدوى المحكوم بموالاة السلطة لأنه بحاجة إلى اعاناتها ووظائفها..).

وهكذا فإن الدستور الذى أقر فى ليل استجابة لتعجل الإخوان استكمال السيطرة على الدولة، لم يعزز شرعية الرئيس بالاضطرار إلى المفاضلة بين مرفوض ومقبول هربا من الفرض.

فالسند الدستورى لعهد الرئيس محمد مرسى اضعف من أن يمكنه من التفرد بالحكم.. بل إن الرئيس الآن، وبعد أقل من ستة اشهر على توليه، أقل شعبية مما كان قبل دستوره الذى كان الإخوان (ومعهم السلفيون) يأملون بتهريبه لتعزيز الشرعية المنقوصة نتيجة تحزبه الذى يصر على تأكيده فى مختلف إجراءاته المرتجلة، وآخرها المخادعة بإلغاء نص دستورى أو استبداله بآخر لا يقل سوءا عن سابقه.

ان الدستور المطعون فى سلامة صياغاته القانونية، وفى انفتاحه على العصر، وفى احترامه لتجربة الشعب المصرى مع الدستور ثم لمعركته العظيمة ضد الطغيان ليس أغلى من الوحدة الوطنية.. بل يفترض فيه أن يكون بين ركائزها ودعائمها.

ومن حق الشعب المصرى الذى يرابط فى الميدان والساحات الأخرى وصولا إلى «الاتحادية» أن يحظى بدستور لا اثر فيه «للإكراه الديمقراطى» بالاستفتاء المدبر والمُصنع.

فالإنجاز التاريخى الذى حققه الشعب المصرى بخلع الطاغية سوف يحكم مسار الأحداث بعد اليوم فى المنطقة العربية جميعا، بل وفى مختلف أنحاء العالم الذى تبهره صلابة الشعب المصرى وصموده خلف مطالبه لمدة سنتين، بغير أن ييأس أو يتعب.. بل ان الشواهد الواضحة هذه الأيام تدل أن الشعب مستعد بعد، وبقوة، لمواجهة انحراف السلطة الاخوانية نحو الطغيان تحت الشعار الدينى.

لقد أعلن الشعب فى مصر موقفه. قال نصفه على الأقل «لا». لا لمحاصرته فى رأيه. لا لإكراهه على البصم بنعم على ما يرفضه احتراما منه لتاريخه ونضالات أجياله، لا لما لا يقبله من الافخاخ والمكائد المعدة سلفا، أو ما يضطر إلى قبوله حتى لا يستعدى عليه السلطة التى تفترض أن لا راد لإرادتها.

ولهذه «اللا» المقدسة وجهها الآخر، إذ هى تؤكد حضور الشعب، ليس فقط بالمعنى المادى، بل بالمعنى السياسى اولا واساسا.

لقد قال «لا» لنظام الحزب الواحد، خصوصا وانه حزب مقفل بالشعار الدينى، وهو يستخدم هذا الشعار فى السياسة بما يفسد السياسة ويسيء إلى الدين.

وقال «لا» للتعصب، دينيا كان أم سياسيا.

صحيح أن بعض القيادات السياسية والثقافية قد خانت دورها، وان الأزهر قد زج به بما لا شأن له فيه، وان الجمعية التأسيسية قد ارتكبت ما يمكن اعتباره نوعا من التزوير فى لجنة الصياغة، وفى تمرير النصوص بلا مناقشة كافية وفى غياب المعترضين، ولكن النتيجة التى انتهى إليها الدستور المهرب تؤكد النقص فيه، كما النقص فى الأغلبية التى يحتاجها لاعتماده.

بالمقابل، قال الشعب المصرى «نعم» للوحدة الوطنية التى يسىء إليها هذا الدستور الذى هربه بعض المتعصبين فى ليل، ثم جرت محاولة يائسة لتمريره بأصوات الذين تعودوا أن ينافقوا السلطة، فكيف وقد غدت جامعة للدين والدنيا، حسبما تفترض وتمارس.

لقد أنهى شعب الميدان، بانتفاضة 25 يناير المجيدة عهود الطغيان بالإكراه أو بالتحايل، بالقمع المباشر أو بالشعار الدينى الذى يمكن تحويله إلى قوة إكراه.. وانهى عصر محاصرة المواطن برفض الغلط والا الغى رأيه بل حقه فى وطنه ودولته.

يمكن الاندفاع إلى ما هو ابعد والقول: إن رفض نصف المصريين هذا الدستور الذى لم تحترم نصوصه حقوقهم وإرادتهم، هو خطوة على طريق استعادة المواطنين «دولتهم».

لم تعد الدولة فى مصر إقطاعية الفرعون، هى بعض أملاكه يقرر فيها ولها ما شاء، أى ما يناسب مصالحة، بغض النظر عن آراء «رعيته» وحقوقها فى «الدولة»، بل هى قد غدت دولة مواطنيها بشهادة هذه الآلاف المؤلفة التى لا تتعب من الاعتصام ومن التظاهر ومن محاصرة الرئيس فى قصره.

ومع أن الأجواء المحتقنة تنذر بمخاطر عديدة، بينها أن تُهدر دماء المعترضين من المصريين، فى خطوة نحو «تجديد» الطغيان، وهذه المرة بالشعار الدينى، إلا أن وعى الشباب الذى صنع الثورة مؤهل لأن يجهض محاولات التآمر على السلم الأهلى، والاستمرار فى معارضته للاستبداد من اجل حقه فى حياة أفضل فى دولة ديمقراطية حقا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.