الاضطرابات السياسية المستمرة للاسبوع الثانى على التوالى دون معرفة ما ستؤول اليه الساعات القادمة، اربكت عمل الجهاز المصرفى ورفعت حالة الاستعداد القصوى فى عدد من الادارات الهامة داخل البنوك، التى بدأت تدرس سيناريو يناير قبل الماضى، عقب سقوط النظام السابق.
وتعد ادارات الامن والاموال والاقراض والمراسلين الاجانب من أول الادارات التى تشهد سخونة طوال الفترة الماضية، وسط توقعات محتملة بزيادة تكلفة الاموال ورفض طلبات تبرم مع بعض المراسلين فى الخارج.
فحسب مصادر مصرفية رفيعة المستوى لم تصدر حتى نهاية الاسبوع الماضى اية تغييرات على مستوى عمل البنوك، او تعليمات بالغلق النهائى على غرار ما حدث ابان الايام التى سبقت رحيل الرئيس السابق حسنى مبارك فبراير قبل الماضى، مشيرة الى ان القرار كان احترازيا بسبب حالة الانفلات الامنى المرتفعة فى تلك الايام، «وهو ما نخشاه فى الوقت الحالى».
وقال رئيس احد البنوك الكبرى ل«الشروق» إن الغلق الكامل للبنوك مرهون بحالة انفلات امنى او حرب شوارع لا قدر الله، مشيرا الى أن البنوك تعمل بالكفاءة المعتادة، الا فيما يتعلق ببعض الفروع والمقار القريبة من بؤرة الاحداث، هو ما جعلها تنقل خدمتها الى فروع اخرى.
ونفى المصدر صدور تعليمات من قبل البنك المركزى تتعلق بالاعمال المصرفية المعتادة، وكان التركيز على اجراءات الامن والسلامة والتأمين.
زيادة تكلفة الاقتراض
من جانبه قال محمد عباس فايد، نائب رئيس بنك مصر، ثانى اكبر البنوك فى السوق ل«الشروق» إن الفتنة السياسية الموجودة حاليا من شأنها تؤدى الى ارتفاع تكلفة الاقراض بالبنوك، فى ظل توقف لكافة الانشطة المغذية للاقتصاد.
وقال فايد أن الارتباك السياسى من شأنه أن يؤثر على التكاليف لعدم وجود استثمار اجنبى، مشيرا الى أن الاحداث السياسية سيكون لها تأثير سلبى كبير على الاقتصاد.
كان البنك المركزى المركزى قد اشار قبل ايام الى أن معاملات الاقتصاد المصرى مع العالم الخارجى أسفرت عن تحقيق عجز كلى فى ميزان المدفوعات بلغ 518.7 مليون دولار خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر من العام المالى 2012 - 2013، وذلك مقابل عجز بلغ نحو 2.4 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق. انخفض الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر حسب تقرير ميزان المدفوعات الاخير ليسجل صافى تدفق للداخل بلغ 108.1 مليون دولار، مقابل صافى تدفق 440.1 مليونا خلال فترة المقارنة.
مأزق الخارج
«تواجه البنوك مأزقا فى توظيف ما لديها من سيولة، وسط عزوف شبه كامل من المستثمرين، سواء بالتوسع او اقامة مشروعات جديدة» قال يحيى ابوالفتوح عضو اللجنة التنفيذية بالبنك الاهلى المصرى.
وقال ابوالفتوح إن البنوك تعمل فى ظروف صعبة جدا مع استمرار القلق السياسى المستمر، مع توقعه بصعوبة تتعلق بادارة الاموال وفتح الاعتمادات قد تصل الى رفض بعض التعاملات فى ظل اتساع الهوة وعدم معرفة ما يحدث. وحذر ابو الفتوح من استمرار الاحداث السياسية والتى تؤثر بالفعل على التصنيف الائتمانى للبنوك ومن ثما الخسائر كبيرة لكل الاطراف «الوضع ينذر بخطورة موقف البنوك المحلية باعتبارها أكثر ارتباطا بالأداء الاقتصادى للدولة».
تخفيض التصنيف
فى السياق ذاته قال الخبير المصرفى أحمد سليم إن الوضع السياسى المرتبك تجعل البنوك تواجه مخاطر كبرى تدفع الى تخفيض تصنيفها وتصل الى مستوى نأمل الا نصل اليه وهو مستوى «C» الذى يتم توصيفه بأن المؤسسة على «شفا التعثر».
وأوضح سليم أن تصنيف الودائع بالعملة المحلية على المدى الطويل عند «B2» يفسر قدرة الدولة ممثلة فى البنوك على الوفاء بالتزاماتها عند رغبة المودعين فى سحب ودائعهم المقومة بالعملة المحلية، وهى ترتفع عن تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية المحدد ب «B3» بسبب قدرة الدولة على طبع أموال بالعملة المحلية عند الحاجة، لكن الأمر نفسه غير متاح فى حالة ارتفاع المخاطر السياسية التى بالتبعية تضرب الاقتصاد فى مقتل.
وقال سليم إن التصنيف الأخير يرتكز على عاملين أساسيين هما شراء هذه البنوك خصوصا المملوكة للدولة كميات كبيرة من أذون الخزانة، مما ربطها بالتصنيف الائتمانى للدولة المحدد ب «B2»، بالإضافة الى سوء أحوال البيئة الاستثمارية، مما يقلص حجم القروض التى تمنحها البنوك للعملاء.
كانت وكالة «موديز » قد خفضت التصنيف الائتمانى لبنوك «الأهلى المصرى» و«بنك مصر» و«بنك القاهرة» من «B2» الى «B3» وتصنيف الودائع بالعملة المحلية على المدى الطويل لهذه البنوك عند «B2» بنظرة مستقبلية سلبية.
كما خفضت تصنيف البنك التجارى الدولى مصر من «B1» الى «B2» وتصنيف الودائع بالعملة المحلية على المدى الطويل من «B1» الى «B2» بنظرة مستقبلية سلبية. وصنفت بنك الإسكندرية عند «B2» بجانب تصنيف الودائع بالعملة المحلية عند «BA3» بنظرة مستقبلية سلبية.
فى الوقت ذاته قال المصدر انه على الرغم من صعوبة الاحداث ابان الثورة، لكن البنوك وفرت ما تحتاج اليه الدولة من موارد، وصلت منذ اندلاع الثورة وحتى مايو الماضى الى 70 مليار دولار بواقع 50 مليار دولار عبر فتح اعتمادات مستندية وخطابات ضمان لاستيراد السلع من الخارج اضافة إلى 15 مليار دولار تم توفيرها للمستثمرين الاجانب الذين ابدوا رغبتهم فى التخارج من السوق بعد الثورة، إلى جانب 5 مليارات دولار لسداد التزامات مصر الخارجية «ديون خارجية» مؤكدا التزام مصر بسداد التزاماتها الخارجية فى ظل اصعب الظروف. لكن لا نضمن أن يحدث ذلك مجددا فى ظل انهيار مستمر لمدة عامين على التوالى للاقتصاد وتوقف السياحة ونزيف للاحتياطى فقد اكثر من 20مليار دولار.