قبيل التصويت فى الأممالمتحدة، الأسبوع الماضى، على الاعتراف بفلسطين «دولة غير عضو»، تعالت أصوات داخل إسرائيل تدعو إلى دعم تحرك أبو مازن. فكتب كاتب مسرحى معروف ما يلى: «إن مثل هذه الخطوة من جانب المسئولين السياسيين فى إسرائيل ستقلب أوراق الحرب المقبلة فى المنطقة، ويمكنها تحويل اتجاه الرياح فى الشرق الأوسط من الحرب إلى السلام.» ودافع اقتصادى شهير عن هذه الفكرة قائلا: «إن هذا سيغير علاقاتنا بالعالم العربى المعتدل وبزعامة الربيع العربى من جهة، وسيثبت للفلسطينيين، من جهة أخرى، أن السلطة الفلسطينية هى مستقبلهم وحماس هى ماضيهم»، ومثل هذا الكلام سبق أن سمعناه فى الماضى بعد توقيع اتفاق أوسلو ليظهر فيما بعد أنه مجرد أوهام. وعلى الرغم من ذلك فإن قرار الحكومة الإسرائيلية شن حملة عنيفة ضد تحرك أبو مازن وإطلاق التهديدات ضده كان خطأ فادحاً وحماقة، الأمر الذى ساهم فى زيادة حجم الإنجاز الدبلوماسى الدعائى لأبو مازن، وفى تضخيم الإخفاق الإسرائيلى. واليوم، ترتكب إسرائيل، كالولد الغاضب، مزيداً من الأخطاء من خلال إعلانها بناء آلاف الوحدات السكنية فى القدسالشرقية فى أراضى يهودا والسامرة.
ولنحاول أن نرى ما حمله وما لم يحمله قرار الأممالمتحدة الصادر فى 29تشرين الثانى نوفمبر، بالإضافة إلى خطاب أبومازن. فى البداية نجد أن قرار الأممالمتحدة هو بمثابة اعتراف عملى برؤيا «الدولتين»، وبحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير والعيش داخل دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تعيش بسلام وأمان إلى جانب دولة إسرائيل ضمن حدود ما قبل 1967. كذلك يدعو القرار إلى انهاء الاحتلال من أجل تحقيق السلام العادل بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، والذى يشكل حلاً للمشكلات الجوهرية، مثل اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والأمن والمياه.
وتبرز فى خطاب أبو مازن النقاط التالية: أولاً، أن إسرائيل هى دولة معتدية وتقوم بأعمال وحشية وتذبح الشعب الفلسطينى وتنفذ خطة التطهير العرقى، أمّا الفلسطينيون فهم أصحاب قيم أخلاقية وإنسانية يحترمون القانون الدولى؛ ثانياً، إن أبو مازن يتحدث كما لو أنه يمثل فلسطينيى قطاع غزة أيضاً؛ ثالثاً، الإيحاء أن هدف الفلسطينيين هو إعادة الحياة إلى المفاوضات وأنهم يرغبون فى تحقيق السلام من دون التنازل عن حقوقهم، إذ إنهم سيواصلون «المقاومة» ضد الاحتلال الإسرائيلى بالطرق السلمية.
ولم يتحدث أبو مازن فى الأممالمتحدة عن استعداده تقديم تسوية ما، أو عن أى دعوة إلى إنهاء النزاع التاريخى، ولا عن «دولتين لشعبين»، وحتى عندما يذكر قرار التقسيم نراه يتجنب الحديث عن «دولة يهودية». وفى رأيى أن أبو مازن لا يمد يده للسلام، وآخر شىء يرغب فيه اليوم هو استئناف المفاوضات مع إسرائيل.
بناء على ذلك، علينا ألاّ ندعه يستغلنا، ويمكن القول إن الإعلان الإسرائيلى عن البناء يخدم أبو مازن ويغضب الدول الصديقة لنا. إن هذا هو الوقت الملائم كى تستغل دولة إسرائيل الظرف من دون أى تأخير لفضح الوجه الحقيقى لأبو مازن من خلال القيام بمبادرة جريئة قوية تختبر حقيقة دعوته إلى استئناف المفاوضات السياسية.