وصف رجب طيب أردوغان، فترة ولايته الثالثة كرئيس لوزراء تركيا، بأنها فترة "الأستاذية" مقتبسًا من المعماري العثماني الشهير "سنان"، والوصف الذي أطلق على المرحلة الأخيرة من حياته العملية بعد التلمذة والتخرج، وياله من تلميح ينم عن قدر كبير من التفاخر. فقد عبرت أعمال سنان في القرن السادس عشر عن الإمبراطورية العثمانية، في أوج مجدها متمثلا في جامع السليمانية، الذي بناه للسلطان سليمان، ليصبح جزءًا لا تخطئه العين من منظر مدينة إسطنبول للناظر عن بعد.
ويريد الآن أردوغان الذي يقود منذ أكثر من عشر سنوات بلدًا يزهو بقوته على المستوى الإقليمي، أن يترك بصمته على المدينة بأكبر مسجد يُقام في تركيا، وصفه هو نفسه بالمسجد "العملاق" الذي يمكن رؤيته من مختلف أنحاء إسطنبول.
ويُقام المسجد على أعلى ربوة على الشطر الآسيوي من مضيق البوسفور، ليتسع لنحو 30 ألف مصلٍ، وتعلوه ست مآذن سامقة أطول من مآذن المسجد النبوي في المدينة، ويرمز المسجد الجديد إلى ميل تركيا نحو الشرق في عهد أردوغان، الذي شهد تراجع العلمانية وبروز البلاد كقوة في منطقة الشرق الأوسط.
وقد هبت النخبة في إسطنبول للاعتراض على بناء المسجد، ووصف البعض المسجد المقترح بأنه بشع المنظر وبه قدر كبير من التباهي، ويمثل إعلانًا يكاد يكون صريحًا من جانب حكومة أردوغان ذات الجذور الإسلامية بالانتصار على العلمانيين، وحماتهم في القوات المسلحة.
ومن جانبه، قال إيمري كيزيلكايا المدون المعروف ومحرر الشؤون الخارجية بصحيفة «حرييت» اليومية: "على الشطر الأوروبي ترك السلطان سليمان بصمته على المدينة بجامع السليمانية الذي يمكن رؤيته من أي مكان في إسطنبول القديمة، والآن يحسب الكثيرون أن أردوغان يريد أن يترك بصمته على الشطر الآسيوي."
ومن الناحية الرسمية فإن الحكومة ليست وراء المشروع لكنها تبرعت بالأرض والتأييد الشخصي من جانب أردوغان، أماالتكلفة التي تقدر بأكثر من 100 مليون ليرة؛ أي ما يعادل 43 مليون يورو فسيتم تدبيرها من خلال التبرعات، وهو باب تقول المعارضة إنه يفتح الطريق أمام رجال الأعمال لطلب الحظوة لدى الحكومة.