«يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي.. أستشهد تحتك وتعيشي أنتِ» هذه ليست مجرد مطلع لأغنية شهيرة كتبها الشاعر القدير الأبنودي و شدا بها الراحل محمد حمام , إنما هي ملحمة تجسد واقعًا حقيقيًا لأبطال ضحوا بأرواحهم فداءً لمدينتهم و بلدهم ...إنهم أهالي السويس هذه المدينة الباسلة التي طالما عُرف عنها وعن أهلها الشجاعة، لم تتخلف لحظة عن الصمود وسط المعارك؛ فضربت أروع مثال للشجاعة والصمود في 24 أكتوبر 1973 حينما تصدت لهجمات الإسرائيليين بعد ثغرة الدفرسوار بمقاومة أهلها الشجعان، هذا اليوم الذي اتُخذ بعد ذلك عيدًا قوميًا لمدينة السويس، ليحيي في نفوس الجميع ذكرى أبطال عاشوا بكرامة، و ماتوا من أجل تحقيق الحرية لوطنهم.
يُعتبر يوم 24 أكتوبر 1973 عيدًا قوميًا للمحافظة، حين تصدت المقاومة الشعبية بالمحافظة، تساندها قوات من الجيش والشرطة، عندما حاولت القوات الإسرائيلية المتسللة عبر ثغرة الدفرسوار دخول المدينة بقيادة ((أريل شارون)) واحتلالها؛ وذلك لعمل ضغط على القيادة العسكرية المصرية، وذلك عن طريق احتلال المدينة، على اعتقاد أنها لن تلقى أية مقاومة تذكر من سكانها، وبذلك يتحقق هدف إسرائيل بتحقيق انتصار إعلامي باحتلال مدينة السويس، التي تعتبر من المدن المصرية الهامة، إلا أن المقاومة الشعبية المدعومة ببعض أفراد الجيش المصري وأهالي المدينة نسجوا ملحمة بطوليه ضد القوات الإسرائيلية المهاجمة، وردوها على أعقابها، وحطموا وأعطبوا الكثير من الدبابات والمعدات الإسرائيلية، أثناء حرب رمضان - أكتوبر 1973
يقول اللواء محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973 في مذكراته: "حاول لواءان من فرقة أدان المدرعة اقتحام المدينة من الشمال والغرب، بعد قصف بالمدفعية والطيران مدة طويلة، لتحطيم الروح المعنوية للمقاتلين داخل المدينة، ودارت معركة السويس اعتبارًا من 24 أكتوبر بمقاومة شعبية من أبناء السويس، مع قوة عسكرية من الفرقة 19 مشاة داخل المدينة."
ويصعب على المرء أن يصف القتال الذي دار بين الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية من جهة وشعب السويس من جهة أخرى، وهو القتال الذي دار في بعض الشوارع وداخل المباني.
وبجهود رجال السويس ورجال الشرطة والسلطة المدنية مع القوة العسكرية، أمكن هزيمة قوات العدو التي تمكنت من دخول المدينة، وكبّدتها الكثير من الخسائر بين قتلى وجرحى.
ويقول المؤرخ العسكري المصري جمال حماد، في كتابه «المعارك الحربية على الجبهة المصرية»: "كان معظم سكان مدينة السويس قد تم تهجيرهم إلى خارج المحافظة، منذ أن بدأت معارك حرب الاستنزاف عام 1968، ولذا لم يكن داخل المدينة عند نشوب حرب أكتوبر 73 سوى عدد قليل لا يتجاوز خمسة آلاف فرد، كان معظمهم من الجهاز الحكومي ورجال الشرطة والدفاع المدني وموظفي وعمال شركات البترول.
الاستسلام للغزاة:
وفي مساء يوم 23 أكتوبر، وعقب حصار المدينة، كلف العقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة، بعض شباب منظمة سيناء بواجبات دفاعية، وزودهم ببعض البنادق والرشاشات، ووزعهم في أماكن مختلفة داخل المدينة، بعد أن أبقى بعضهم كاحتياطي في يده تحسبًا للطوارئ.
لم تنم المدينة الباسلة، وظل جميع أبنائها ساهرين طوال الليل في انتظار وصول الأعداء، وعندما نادى المؤذن لصلاة فجر يوم 24 أكتوبر، اكتظت المساجد بالناس، وفي مسجد الشهداء بجوار مبنى المحافظة، أمَّ المصليين الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، وعقب الصلاة ألقى المحافظ بدوي الخولي كلمة قصيرة، أوضح فيها للناس أن العدو يستعد لدخول السويس، وطالبهم بهدوء الأعصاب، وأن يسهم كل فرد بما يستطيعه، واختتم كلمته بالهتاف: «الله أكبر »، وارتفع الدعاء من أعماق القلوب إلى السماء.