• نائب «الإخوان» لأهالى الضحايا: مش عايزين نصعد الموضوع ولا نتكلم عن الكوبرى المقفول من 15 سنة «ما بين طلعة شمس وغروبها يطاردنا الموت من بر إلى بحر» هكذا يقول حال عمال التراحيل باليومية من أهالى قرية بَرهيم التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، التى راح 8 من أبنائها ضحية حادث غرق معدية تحمل السيارة التى كانوا يستقلونها مع آخرين، مساء الأحد الماضى، حينما كانوا عائدين من عملهم فى إحدى المزارع.
12 غريقا، كانت حصيلة الضحايا الذين راحوا من بَرهيم، وصنصفط فيما يقول أهالى قرية بَرهيم ل«الشروق» إن الضحايا المحتملين مستقبلا مرشحون لأن يكونوا أكثر من ذلك بكثير، خصوصا أن نحو 20 سيارة تحمل يوميا من تلك القرية الصغيرة 350 عامل يومية، باتجاه المزارع المنتشرة فى مدن «كوم حمادة» و«مديرية التحرير»، والتى كانت ثورة يوليو 1952 أنشأتها لتكون سوقا زراعية، حيث وزع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الأراضى على الفلاحين لزراعتها مع توفير رعاية مهندسى وزارة الزراعة، لتتحول بعد أكثر من 50 عاما إلى مزارع تملكها شركات تابعة لكبار رجال الأعمال.
وبدا لافتا أن من بين الضحايا 4 عمال من قرية صنصفط القريبة من بَرهيم، وهى القرية التى عانت قبل نحو شهر من تسمم مياه الشرب الموجودة فيها، ويبدو أن قدر القرية مع المياه لن ينتهى وبعد وفاة إحدى السيدات بسب تسمم المياه، عادت المياه لتشهد وفاة 4 آخرين من أبناء القرية غرقا لتكتمل سوداوية المشهد.
صباح يوم الحادث، استيقظت آية «13 عاما» مع إشراقة الفجر، وبسرعة شديدة أيقظت أختها تهانى «17 عاما» حتى يلحقا بموعد السيارة التى تنقلهما للمزرعة التى يعملان بها، خصوصا أن آية كانت تقسم أيامها بالتساوى بين المدرسة، كونها تلميذة بالصف الثالث الإعدادى، وبين العمل، حتى تستطيع المشاركة فى نفقات الأسرة المكونة من 7 افراد، ويعجز عائلها عن العمل لظروفه الصحية.
وصلت الأختان إلى السيارة فى الموعد، والتى انطلقت بدورها لتشق طريقها المعتاد باتجاه كوبرى كفر داود الذى يبعد نحو نصف الساعة عن بَرهيم، فكانت الصدمة بأن الكوبرى مُغلق للصيانة التى لم تحدث منذ 15 عاما، الأمر الذى يعنى ضياع اليومية على العمال، بادر السائق باقتراح الذهاب عبر معدية بقرية علقام إنقاذا للموقف.
نجح السائق فى الوصول إلى المعدية التى تصل بين قرى محافظة المنوفية والبحيرة، وعلى الرغم من الزحام الشديد نتيجة تحويل مسار كل سيارات نقل العمال وصلت الاختان «تهانى وآية» إلى المزرعة، وبعد تقديم الأعذار لمشرف العمال على التأخير، بدأ الجميع العمل فى تنقية الأرض من الحشائش ونقلها إلى خارج المزرعة وحصد المحصول وأغلبه من الفاكهة. 10 ساعات من العمل الشاق انقضت، لم يتخللها سوى نصف ساعة للغداء، حصل بعدها العمال على 30 جنيها لكل منهم، وبعد دفع ثمن الغداء وأجرة المواصلات، تصل إلى نحو 20 جنيها.
فى طريق العودة تبادل العمال الحديث، بشأن المدة التى سيظل الكوبرى مُغلقا فيها، وكيف ستكون مواعيد استيقاظهم الجديدة فى ظل التكدس الذى تشهده المعدية، لأن الكوبرى المُغلق هو المنفذ الوحيد للقرية للوصول إلى مصانع «السادات» أو مزارع «كوم حمادة» و«مديرية التحرير».
وصلت السيارة إلى المعدية وبعد انتظار طويل، دخلت السيارة بركابها على ظهر المعدية العتيقة، وعلى الرغم من أن قدرتها لا تستوعب أكثر من 3 سيارات، حملت المعدية ضعف العدد، وبعد وصول المعدية إلى البر الآخر اصطدمت بالمرسى، فوجئ الركاب وبينهما الاختان بالسيارة تتراجع إلى الخلف وكذلك بسبب عدم وجود حاجز أو جنازير حديد للتأمين سقطت السيارة وسط مياه الرياح البحرى.
وتقول تهانى عبدالرحمن «الناجية من الغرق» ل«الشروق» إن وجودها على الكرسى الأمامى المجاور للسائق ربما يكون السبب فى سرعة إنقاذها، لكنها لا تتذكر المدة التى مرت بين غرقها وإنقاذها.
وتضيف تهانى، عملت فى المزرعة منذ أسبوع واحد مع اختى آية التى غرقت فى البحر، وكنت أعمل قبلها فى مصنع بوادى النطرون لكن مواعيده المتأخرة جعلت أبى يرفض عملى هناك، وأوضحت أنها واختها كانتا تساعدان فى مصاريف البيت، خصوصا أن أخى الأكبر مجند فى الجيش، والآخر يدرس فى الدبلوم الصناعى، وأختنا الصغرى فى «الثالث الابتدائى» ولا يمكنها العمل وأبى بلا معاش.
ويقول عبدالناصر زكى، خال الضحية آية، إن جهود الإنقاذ الأهلية التى قام بها الأهالى من قرية «أبوالخاو» ومركز «كوم حمادة» استمرت نحو 4 ساعات، ثم حضرت الشرطة والنيابة، مؤكدا عدم وجود قوات إنقاذ نهرى فى نطاق المنطقة، وأضاف: «منذ أذان المغرب وحتى قبل الفجر بقليل ونحن فى صراع من أجل الحصول على جثث ذوينا».
ويكشف زكى إن النائب الإخوانى السابق عن الدائرة فى مجلس الشعب، إبراهيم حجاج: «قال لأهالى الضحايا اثناء استخراج الجثث: مش عايزين نصعّد الموضوع ولا نتكلم عن الكوبرى المقفول، علشان الموضوع ما يكبرش، وهو ما أثار استغراب الأهالى وغضبهم».
ويشرح عصام عسكر: «مشرف إحدى الجمعيات الخيرية فى برهيم»، طبيعة المشكلة فى القرية والقرى المجاورة: «إن الكوبرى المغلق يخدم الكثير من العمال، وتعطيله يغلق البيوت المفتوحة»، ويقترح إنشاء كوبرى جديد من قرية جزى إلى كفر داود:» خصوصا أن الأرض فى الجانبين طرح نهر، أى ملكية عامة ولن تكلف الحكومة مشقة نزع الاراضى وصرف التعويضات، ليس سوى تكلفة انشاء الكوبرى».
ويقول: «الوحدة المحلية والحكومة يتذكران القرية فى دفع مصاريف الخدمات (3 جنيه نظافة) والكهرباء والمياه الملوثة، فى حين نرفع نحن مياه الصرف الصحى التى تدمر أساس بيوتنا مرتين كل شهر، بتكلفة 40 جنيها على كل منزل».
وبينما كان عسكر يتحدث ل«الشروق» جاءه اتصال هاتفى يفيد وجود مشكلة على توزيع أنابيب الغاز فى القرية، وأن مشاجرة فى طريقها للحدوث بسبب أولوية الحصول على الأنبوبة، انتهى من مكالمته وقال: «الحال على كده كل يوم بنموت بالبطىء» وتوجه إلى مقر توزيع أسطوانات الغاز لمحاولة حل المشكلة.
لم يفوت كثير من أهالى الناجين والضحايا، الفرصة للمطالبة بتعويضات مالية وعمل ملائم لأى من أقارب المتوفين، خصوصا أن الضحايا كانوا عائلين لأسرهم الذين سيزدادون فقرا بغياب عائليهم. ويؤكد شهود العيان من أهالى برهيم أن المعدية استأنفت عملها بعد الحادث بشكل طبيعى، متوقعين استمرار الحوادث بنفس الشكل دون تغيير.