على الرغم من أن الاقتصاد هو الذى يقود الجدل حول أزمة منطقة اليورو، إلا أن السياسة هى التى ينبغى أن نقلق منها. فقد كان المشروع الأوروبى بعد الحرب العالمية الثانية، يتعلق باستخدام التكامل الاقتصادى، والاستفادة من نتائجه لتحرير القارة من ماضيها الدموى. ولكن العنف يعود الآن فى جنوب أوروبا، كنتيجة مباشرة لبرامج التقشف التى توصف بأنها ثمن استمرار عضوية منطقة اليورو. ولم تعد عضوية اتحاد نقدى وحدها على المحك، بل طبيعة ومستقبل الديمقراطية نفسها. ●●●
ففى اسبانيا، أحيت الاحتجاجات ضد التقشف، الجدل حول الانفصال الإقليمى. ويحشد نشطاء اليسار المسيرات فى لشبونة وباريس. ولكن اليونان، أكثر الدول المدينة معاناة، تقدم أوضح دليل على التفتت. وكان الإضراب العام مقدمة للأسوأ القادم، بينما تسعى الحكومة لتنفيذ أحدث جولة من التخفيضات.
وقد كنا نثنى على الطريقة التى ظهر بها نظام الحزبين بعد وقت قصير من سقوط المجلس العسكرى، فى دولة ذات تاريخ طويل من عدم الاستقرار السياسى. فى الواقع، قد يكون لأوروبا نفسها الكثير من الفضل فى تسهيل تحول اليونان. الآن فهو ينهار بعدما كشفت الأزمة هشاشة الديمقراطية اليونانية. فقد تقلص حزب باسوك، أحد الحزبين الحاكمين التاريخيين، بالفعل بأسرع مما كان متوقعا من 44 فى المائة من الأصوات فى انتخابات 2009 العامة إلى 12 فى المائة فى يونيو. وإذا كانت حكومة انطونيس ساماراس سقطت، فقد يحدث نفس الشىء لحزب الديمقراطية الجديدة، على يمين الوسط. والسبب فى ذلك واضح: التقشف الذى يبدو بلا نهاية، بالإضافة إلى تصور الناخبين اليونانيين المنطقى، أن هذين الحزبين هما المسئولان الرئيسيان فى المأزق.
●●●
فما هى النتيجة المتوقعة؟ ربما كانت إيطاليا المثل الأقرب، حيث أدت نهاية الحرب الباردة إلى اختفاء الديمقراطية المسيحية، ووصول سيلفيو برلسكونى إلى السلطة، جنبا إلى جنب مع حزب ناسيونالى اليانزا، وريث الفاشيين الجدد. وفى اليونان، يعتبر المستقبل أكثر كآبة من الناحية الاقتصادية، والاحتمالات أقل اطمئنانا.
ففى اليسار الراديكالى، قدم حزب سيريزا ملاذا جديدا للعديد من أنصار باسوك السابقين. غير أن زعيمه أليكسيس تسيبراس، لم يقدم بديلا معقولا للتقشف. وبدلا من ذلك، دعا إلى خطة مارشال جديدة الأمر الذى ليس فى وسعه إطلاقا وهو يأمل أن تستطيع اليونان أن تكون محفزا لثورة اشتراكية عبر أوروبا، متجاهلا حقيقة أن حتى الناخبين اليساريين فى الدول الدائنة لم يعد لديهم رغبة فى إقراض اليونان.
وفى اليمين، هناك وقاحة حقيقية فى شكل حزب الفجر الذهبى النازى الجديد: فإلى جانب الإنكار المعتاد للهولوكوست، ومسيرات حملة المشاعل، والتحية بفرد الذراع، تشمل إسهامات الحزب أماكن إطعام الفقراء «اليونانيين الحقيقيين»، والهجمات على المهاجرين وتجار الشارع أصحاب لون البشرة المختلفة. والآن، وفى غياب برنامج جاد لمواجهة الأزمة، يحيى قادة الحزب الخطاب الاستقطابى لحرب أهلية ظن معظم اليونانيين أنه اختفى إلى الأبد.
ولم تتوقف أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا فى السنوات الأخيرة، وليس هناك مبررا أن هذا الحزب سيكون أفضل كثيرا على المدى البعيد. لكن تلك ليست هى القضية: حيث يمثل استمرار نمو حزب الفجر الذهبى تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى حصوله على شعبية بنسبة 12 فى المائة وربما تكون النسبة الحقيقية أكثر من ذلك علامة تفكك اجتماعى مقلق للغاية. وتظهر أعمال عنف جديدةفى الشوارع وفى الحياة اليومية.
●●●
فهل يمكن لنظام الحزبين اليونانى تطوير نفسه وتطوير الدولة اليونانية أيضا، أم أنه سوف ينهار، ويبدأ عهد المتطرفين، الدهماء ونوع من الفوضى؟ الآفاق قاتمة. وينحصرالائتلاف الهش الذى يحكم فى أثينا بين لجنة التفاوض الثلاثية غير مبال سياسيا وجمهور مضطرب على نحو متزايد. اللجنة تريد منه أن يبدى التزامه بتخفيضات الإنفاق والإصلاح الهيكلى. ولكن الجماهير لها أيضا مطالبها، وعلى رأسها أن يظهر السياسيون، على الرغم من أنه تم اختيارهم من الطبقة الحاكمة القديمة، الاستعداد لمعاقبة أنفسهم والتكفير عن أساليبهم السابقة.
وهو أمر مضن. ولن يكون استمرار محاكمة وزير الدفاع السابق من حزب باسوك والإعلان عن تحقيقات فى فساد شخصيات بارزة من الحزبين الرئيسيين، كافيا لتهدئة الغضب الشعبي: من الصعب أن نتخيل ماذا يكفى لتهدئته. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة فى نوفمبر، والانتخابات الألمانية فى فصل الربيع التالى، من المتوقع أن يقبل المجتمع الدولى التخبط خلال الأشهر الستة القادمة أو أكثر.
وليس هناك اتفاق حول ما إذا كانت الحكومة الحالية سوف تستمر لذلك الوقت. ولكن إذا سقطت، سوف يحيط الشك فى إحدى دول الاتحاد الأوروبى على الأقل بالتكامل الذى تحقق بعد الحرب العالمية الثانية، وبفكرة اعتبار العنف فى القارة شيئا من الماضى التاريخى.
من الفاينانشال تايمز(الفاينانشال تايمز ليمتد) 2012 . كل الحقوق محفوظة. جريدة (الشروق ) مسئولة مسئولية تامة على توفير هذه المادة المترجمة، ولا تتحمل الفاينانشال تايمز ليمتد أية مسئولية عن دقة أو مستوى الترجمة.