سألت إحدى الشابات فى مظاهرة ضخمة للمعارضة فى بداية هذا الأسبوع عن اسمها، فأجابت: «اسمى إيران». لقد تم استفزاز الأمة وإثارتها فثارت.. وكتب على إحدى اللافتات: «الصمت يعنى الاحتجاج»، وتحرك الحشد الكبير فى صمت ساخط، وجرى تقطير الغضب ليصبح خلاصة بلا كلمات. وبأعداد أضخم من أى وقت سبق، صدق الإيرانيون فتات الديمقراطية التى عرضها النظام السلطوى، الذى يعتبر ولاءه المطلق إلى إرادة آية الله أكثر منه إلى إرادة الشعب. وبعد أن أدلى ما يقرب من أربعين مليونا بأصواتهم، تمت الاستهانة بأصواتهم الآن، فاجتاز عديدون الإذعان الجبرى للجمهورية الإسلامية وانتقلوا إلى المعارضة. وكان ذلك تحولا جوهريا فى مجرى الأحداث. فقدت الجمهورية الإسلامية شرعيتها وتصدعت. ولن تعود مرة أخرى إلى ما كانت عليه. فقد كانت دائما تلعب على غموض طبيعتها. . حيث يواجه الشعب بضراوة احتكار الدولة للسلطة. فمن الذى سيحكم الآن؟ أظن أن الأمر يعتمد قبل أى شىء على قيادة السيد حسين موسوى، الإصلاحى صاحب وثائق التفويض الثورية التى لا تخيب، فإذا خضع، كما فعل الرئيس الشرعى السابق محمد خاتمى، فى 1999 و2003، فسوف ينتهى الأمر. وعلى خلاف احتجاجات تلك السنوات التى قادها الطلاب، نزل الآن عدد كبير من الإيرانيين من كل الأعمار وجميع الطبقات إلى الشارع يسير أصحاب المتاجر مع الطلاب جنبا إلى جنب. ويجلس عمال البناء فوق السقالات يشيرون إليهم بعلامة النصر. صار الاحتجاج أكثر اتساعا ومصحوبا بانقسامات أوضح من أى وقت سابق فى النخبة الحاكمة. ودفعت هذه الانقسامات المرشد الأعلى آية الله على خامنئى إلى الدخول فى النزاع من موقعه الرفيع. لقد تغير ميزان القوى، ليس إلى حد الاعتقاد فى أن النتائج سوف تختلف. ولكن من يعرف؟! كانت غلطة النظام الرئيسية فى التقليل فى تقديرهم لذكاء الشعب الإيرانى. ولن يقبل هذا الشعب المعتز بنفسه أن يتم التعامل معه كما الدمى الغبية. وتدور بعض المناقشات حول إذا ما كان المراسلون الذين وقعوا فى شرك فقاعة شمال طهران المؤيد لموسوى، قد يبخسون مدى التأييد الذى يتمتع به الرئيس محمود أحمدى نجاد. لا أشك فى أن درجة تقواه وشعبويته تكفل له عدة ملايين من الأصوات. فهو يجسد التوجه القومى المتحدى، الذى يرمز له برنامج إيران النووى. ولكن الفوز الحقيقى بما يقارب من ثلثى الأصوات لا يتطلب فرض القانون شبه العسكرى لتأمينه. وفى الحقيقة، لم تعد هناك أشياء كثيرة محل جدال. فقد ظهر عنوان كيهان، الصحيفة المحافظة المناصرة لأحمدى نجاد، على موقعها الإلكترونى فى غضون ساعة من إغلاق صناديق التصويت، محتفلا بالفوز المحتوم بنسبة 65% من الأصوات. ولم تبتعد وكالة أنباء الدولة كثيرا عن هذا. وكان هناك ارتباط غريب بنسبة 98% فى طريقة التصويت عبر الأقاليم المتنوعة من البلاد. ولنأخذ مقاطعة لورستان الغربية على سبيل المثال، ذلك الموقع المعروف بقوة الولاءات المحلية فيه. وهى ولاية رجل الدين الإصلاحى مهدى كروبى، أحد المرشحين الأربعة فى الانتخابات. وفى مسقط رأسه على جودارز، حصل كوربى على 14,512 صوتا مقابل 39,640 صوت لأحمدى نجاد. وفى مجموع عدد الأصوات التى حصل عليها، هبط التصويت لصالح كروبى إلى 300,000 أى أقل من عدد البطاقات الفاسدة مقارنة بما حصل عليه فى 2005، وكان 5 ملايين صوت. وعلى النحو الذى يمضى به التزوير، يبدو أن هناك نقصا فى الخبرة. ولكن النظام الإيرانى ليس قليل الخبرة. ولذلك توحى لى هذه الفوضى بالتخبط، فقد اتخذ قرار خلال إحدى عشرة ساعة بأن الاندفاع المؤيد لموسوى «الموجة الخضراء» أضخم من أن يتم التسامح معه. وإذا رجعنا بذهننا قليلا، إلى البيان الذى ألقاه يد الله جوانى رئيس المكتب السياسى للحرس الثورى قبل أربعة أيام من عملية الاقتراع، نجد ما يمكن اعتباره دلالة كبرى فى قوله أن موسوى إذا فكر فى ثورة مخملية، فسوف يراها «تقمع قبل أن تولد». وبالتأكيد لم يكن لدى خامنئى سيناريو معد مسبقا، فهو الذى أيد أحمدى نجاد ولكنه بدا فى نفس مستعدا للتعايش مع موسوى. كما رحب بالنتيجة المعجزة، ولكنه طلب بعد ذلك من مجلس صيانة الدستور التحقيق فى الشكاوى حول المخالفات. ورحب بأحمدى نجاد رئيسا لجميع الإيرانيين، ثم رأى الرئيس يتعامل مع كل الذين لم ينتخبوه كأنهم من مشاغبى كرة القدم. ووفقا للأسلوب الذى تمضى به المصالحة بعد الانتخابات، فهى تمثل إفلاسا. راهن النظام على الراديكالية. وثبت له أنها ورقة رابحة، حين جعل من البيت الأبيض الراديكالى عدوا سهلا. ولكن العالم تغير مع الرئيس أوباما، تمام كما تغير المجتمع الإيرانى. وأظن أن أحمدى نجاد ركب جواد تحول العالم القوى حتى استنفد قواه. واليوم فى الشرق الأوسط المتغير، قد تجد إيران نفسها معزولة تحت حكم رئيس تحلق نداءاته المتكلفة من أجل حكم عالمى جديد مبنى على الأخلاق والعدالة، فى مواجهة هذه الأزمة الانتخابية. وماذا الآن؟ إن النظام يلعب على الوقت فمجلس صيانة الدستور ملىء بالموالين لأحمدى نجاد. ولا أجد أن إعادته للفرز قد تثمر عن أى نتيجة من شأنها تغيير مجرى الأمور. والقضية الرئيسية، نظرا لأبعاد الاحتجاجات الداخلية والدولية، هى أن خامنئى سوف ينظر إلى أحمدى نجاد باعتباره عائقا. أما فيما يتعلق بموسوى، فلديه أداة موثوق بها لإصلاح النظام، مما يعمل على صيانته وهى أن يتم التوصل إلى تسوية مقبولة بالنسبة إلى معظم الإيرانيين. تمثل الشيعية مذهبا مرنا فى الإسلام. ويستطيع المرشد الأعلى إيجاد الوسائل لعكس المسار. فهو مُحكّم وظيفته المحافظة على الجمهورية الإسلامية. ويتطلب التحكيم الآن توازن مختلف قابل للاستمرار بين إرادة آية الله وإرادة الشعب. عن الهيرالد تريبيون نيويورك تايمز