«شكرا شكرا شكرا»، كانت هذه اللازمة الشهيرة للإعلان الشهير تتردد فى الأذهان. «تحب تشكر مين؟»، فتأتى الإجابة البسيطة «شكرا لكل واحد عمل حاجة كويسة». أى أهالى حى عابدين وجمهور الشباب من محبى فنون الشارع، ومؤسسة المورد الثقافى التى نظمت بنجاح الدورة الثانية للمهرجان الدولى لسيرك القاهرة الذى افتتح أمس الأول بساحة ميدان عابدين. ورغم أن ساحة عابدين «أحد أماكن خلق الله الواسعة» على حد تعبير بسمة الحسينى مديرة المورد الثقافى والتى تشهد مثيلاتها فى مدن العالم أجمع تظاهرات فنية وعروض شارع، بل واحتجاجات اجتماعية فى الأغلب الأعم، إلا أن الشكر واجب أيضا لرئيس الحى ومدير أمن القاهرة اللذين تخلا عن العراقيل التى تعوق إقامة تظاهرات فنية أمام قصر عابدين المهيب، حيث كان حفل الافتتاح مهددا بالإلغاء التام لولا التدخلات «الحثيثة» لشخصيات عالية المستوى من مستشارى الرئيس وائتلاف شباب الثورة وغيرهم من المثقفين.
لولا هؤلاء جميعا، ولولا المكان العبقرى «ميدان عابدين» رمز الثورة والتغيير لما نجح افتتاح أول أمس الذى توافدت عليه الحشود من أطفال ومراهقين وكبار.
نعم نجح الحفل الذى تزامن قبل يومين من إقامة احتفالية «الفن ميدان» التى تقام السبت الأول من الشهر فى نفس ميدان عابدين والتى تواجه هى أيضا مصيرا مهددا من أجل إقامة احتفالات اكتوبر فى نفس المكان.
الصُبح صَبَح قلسطة
والعيشة هتبقى قشطة
كما تقول أغنية سيد درويش الشهيرة، فلم يكن هذا الصباح الجديد هو النجاح الجماهيرى فقط أو توفير عروض السيرك الترفيهية مجانية للجميع لا تتمركز فى القاهرة ومسارحها مثل مسرح جنينة الأزهر أو مسرح الفلكى، بل يتسع البرنامج ليشمل عروضا لأكثر من ثلاث عشرة فرقة سيرك أوروبية فى المنصورة (حديقة شجرة الدر) وبشبين الكوم بالمنوفية (نادى الجمهورية الرياضى) والذى يمتد من 4 إلى 20 أكتوبر 2012. ولم تكن الصفة الدولية هى فقط عنصر الإبهار فى المهرجان، بل اكتشاف الجمهور لفرق السيرك المصرية التى تحلق حولها الشباب بحماس كبير. كانت البداية مع الحاوى التقليدى الذى كان معروفا فى الموالد الشعبية، وأصبح اليوم نادر الظهور، وقدم الألعاب النارية التى تنطلق من فمه، وألعاب الفتوة الجسدية أو الأسلحة والسكاكين.
مفاجأة الحفل كانت طلاب وطالبات قسم السيرك بمدرسة الدرب الأحمر الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8 و16 عاما. أنشئت مدرسة الدرب الأحمر للفنون عام 2010 بمبادرة من مؤسسة المورد الثقافى بالتعاون مع مؤسسة الأغاخان للثقافة، وتعد المدرسة هى الأولى من نوعها التى تقوم بتدريب الأطفال على الموسيقى وفنون السيرك، وتهدف إلى فتح آفاق جديدة للأطفال والشباب فى منطقة الدرب الأحمر فى مجال الفنون والإبداع، وتجنبهم العمل فى حرف قاتلة لطفولتهم.
بينما انتشر شباب السيرك المصرى فى الساحة فى شخصيات «الرجل العملاق» الذى يسير على عصى طويلة وفى ملابس السيرك المبهجة، يحيون الأطفال ويوزعون البالونات، تقدمت بعدها مسيرة فريق الكوشة للعرائس. وهو فريق مصرى أسسه صانع العرائس المخضرم ناصف عزمى بعد الثورة وعمل مع مجموعة شباب فى ورش فنية لصناعة العرئس من المواد الطبيعية البسيطة، وكانت الشخصيات التى قدمت فى الحفل لأراجوز يطلق لحيته، ولديه تجويف مربع للتليفزيون يمثل الإعلام الموجه أو المضلل، وشخصية أخرى لأنبوبة البوتاجاز أو المعضلة التى يعيشها المجتمع والتى لا تحل وغيرها من الشخصيات التى ابتكرتها مخيلة الشباب.
انتهى الحفل بفريق إم سيركس البلجيكى الذى قدم ألعابا تقليدية عالية المستوى، ووسط التصفيق الحار فى نهاية الحفل، انشغلت سلمى ذات الخمس سنوات بالسؤال إذا ما كان الفنانين يلحظون تشجيعها وتصفيقها، وحين أكدت لها أن هذا يملأهم حماسة وبراعة، لم تتوقف أناملها الصغيرة عن التصفيق.