حمّل حقوقيون رئيس الجمهورية والحكومة مسؤولية الاستخدام المفرط للعنف من قبل الشرطة في التعامل مع الاعتصامات والاحتجاجات العمالية؛ وآخرها فض اعتصام طلبة جامعة النيل، أمس، مؤكدين أن التوجهات السياسية لم تتغير، فيما حذروا من تبعات هذا على النظام الحاكم نفسه. "الشرطة مجرد جهاز موظفين يأخذون رواتب على تنفيذ التعليمات، لا يمكن تجريد النظام من مسؤولية أي شيء يحدث"، بحسب أحمد عزت، مدير الوحدة القانونية في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، والذي أكد أن وزير الداخلية يتلقى تعليماته بفض الاعتصامات بالقوة، وهو ما يعني أنها "تعليمات سياسية"، مضيفًا: "هذا نفس ما حدث عند القبض على ألبير عياد في أحداث السفارة الأمريكية؛ حيث تركوا مفتعلي الأزمة الحقيقيين، وقبضوا على شخص، لا علاقة له بالأمر".
وأوضح عزت، أن الشرطة لم تجرؤ في عهد مبارك بأن تعتدي على الطلبة داخل الجامعة، وأن الرئيس مرسي أقدم على ما لم يفعله المخلوع طيلة 30 عامًا، وأضاف: "حجم القمع للطلاب الفترة الماضية، والهجوم على حرية الصحافة والإعلام، والهجوم على الأقليات الدينية والأقباط في مصر في تزايد مستمر، مما يدل على أن النظام رجعي على مستوى الحريات العامة والشخصية".
واعتبر عزت، أن هذا دليل على أن النخبة الحاكمة في نظام مبارك ذهبت لتحل محلها نخبة من الإخوان المسلمين بنفس السياسات، وبدون تغيير في التوجهات، وتابع: "الدولة يجب أن تكون بوليسية حتى تستطيع أن تسيطر على كل شيء سياسيًا ومدنيًا، وهناك إعادة إنتاج للنظام القديم الذي لم يسقط؛ لأن النظام الجديد لم يغير أي شيء فيما يتعلق بالمؤسسات الفاسدة أو يجري محاكمات حقيقية لمن سبق تورطهم في قتل المتظاهرين، وبالتالي العقلية الأمنية لم تتغير".
وحذر باندلاع ثورة جديدة في حال استمرار هذه السياسات، قائلاً: "الجماهير ليست كتلة مسمطة، هناك مطالب واحتياجات إذا لم تتحقق ستثور، ثورة يناير تفجرت بسبب الضغط على الناس الذين لم يكونوا قادرين على احتمال القمع والإهانة، وطالما استمر هذا فمن المرجح أن تقوم ثورة ثانية ضد النظام الحاكم الجديد، وهناك حالة من المقاومة لهذا النظام بالفعل".
واتفق معه مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، الذي يرى أن استخدام عصا الأمن في فض الاحتجاجات "مؤشر خطير وضرره لن يقتصر على الحق في الاحتجاج، لكنه أيضًا يطال رئيس الجمهورية نفسه".
وأضاف: "إذا كان هناك قرار مباشر من الرئاسة للداخلية بالبدء في استخدام العنف تحت دعوى استعادة هيبة الدولة، أو قرار غير مباشر بالسكوت عن عودة الاعتداءات الأمنية على المعتصمين والمحتجين، سيكون تكرارًا لنفس أخطاء الحكومات المتعاقبة بعد اندلاع الثورة"، مشيرًا إلى أن العنف الأمني في أحداث البالون أسقط حكومة شرف الأولى، وفي أحداث محمد محمود أسقطت حكومة شرف الثانية، بينما كاد التقصير الأمني في أحداث مذبحة بورسعيد أن يسقط حكومة الجنزوري.
وحذر من أنه طالما لم يشرع الرئيس أو حكومة قنديل في أية إجراءات جادة لإصلاح وإعادة هيكلة وتأهيل الشرطة، فمن الطبيعي أن تعود الانتهاكات التي ستكون تكلفتها السياسية على النخبة الحاكمة أعلى من تكلفة السماح باستمرار الاحتجاجات.
وتابع بهجت: "لابد أن يعلم الرئيس وأعضاء الحكومة، أنه لا يمكن الاستمرار في استخدام نفس الدواء، بينما حالة المريض تزداد سوءًا، لابد أن يتعلم النظام الحالي من أخطاء النظام السابق وكذلك الأخطاء المتعاقبة طوال الانتقالية"، مشيرًا إلى أن أفضل طريق للتعامل مع الاحتجاجات ليس التشويه أو التحريض أو القمع الأمني، وإنما إشراك كل مؤسسات المجتمع ونقاباته في حوار مفتوح حول المشكلات التي تواجد الحكومة، وتصورات حلها، مع إطلاق حرية التنظيم النقابي والأهلي، للسماح للمواطنين بتنظيم أنفسهم بدلا من الاضطرار لقطع الطرق أو إغلاق المؤسسات.
من جانبه، أدان المجلس القومي لحقوق الإنسان فض اعتصام طلبة جامعة النيل بالقوة، من أجل تسليم الجامعة لمدينة زويل العلمية، معتبرًا ما حدث انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان ومكتسبات ثورة 25 يناير، ومؤكدًا أن التعامل الأمني بهذا الشكل ليس الوسيلة المُثلي للتعامل مع الاعتصامات والتظاهرات السلمية.
وطالب المجلس بإجراء تحقيق فوري وعاجل لمعرفة ملابسات فض الاعتصام السلمي بالقوة من قَبل رجال الأمن وإعلان نتائجه للرأي العام، علاوة على ضرورة العمل على إنهاء أزمة جامعة النيل، حرصًا على مستقبل الطلاب، وعدم هدم ذلك الصرح العلمي.
"ما فعلته الشرطة ليس إعادة لإنتاج وزارة حبيب العادلي، ولكن إعادة لإنتاج وزارة زكي بدر، التي كانت أكثر وزارة داخلية عنفًا"، هكذا يرى المحامي في جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، سيد فتحي، ما حدث، مضيفًا "للشروق": "لم يتم اقتحام جامعة منذ يناير 1990 عندما اقتحمت قوات الأمن جامعتي القاهرة وعين شمس لفض المظاهرات المنددة، بمشاركة القوات المصرية في حرب الخليج".
وتابع: "لا يمكن تنفيذ مثل هذه الأفعال إلا إذا كان هناك قرار مركزي بمواجهة كافة أشكال الاحتجاج بالقوة"، مشيرًا إلى تزامن فض اعتصام طلاب جامعة النيل بالقوة، مع إلقاء القبض على قائد إضراب عمال النقل داخل مقر الاعتصام.
وتوقع فتحي، أن يكون قرار فض الاعتصامات "رئاسيًا وليس وزاريًا"، مضيفًا: "لو مرسي لا يعلم بمثل هذا القرار فهو بذلك لا يحكم"، مؤكدًا أن "الاحتجاجات لن تتوقف رغم ضربات الأمن، وما دام هناك مطالب اجتماعية لكل الفئات".