مجموعة من الرسائل التحذيرية أرسلتها منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) لصناع القرار الاقتصادى فى العالم فى تقريرها لعام 2012، حول ضرورة اجراء اصلاحات عميقة فى النظام الاقتصادى من خلال العدول عن سياسات منظمات التمويل الدولية، صندوق النقد والبنك الدوليين، التى لم تتسبب فقط فى زيادة معاناة الطبقات الأكثر فقرا، ولكن الاستمرار على نهجها يعوق الاقتصاد العالمى من الخروج من الأزمة المالية. أما عن السياسة البديلة فكانت «امريكا اللاتينية» هى المفتاح الذى قدمته المنظمة الأممية للحل. ووفقا للتحليل الذى ساقه تقرير التجارة والتنمية، الذى تم اطلاقه أمس، فإنه بعد ثلاثة عقود من سياسات عادلة، من الخمسينيات الى السبعينيات، ساهمت فى تقريب الفوارق بين الدخول، عاشت الطبقات الدنيا فى المجتمعات النامية ثلاثة عقود أخرى من الافقار وزيادة البطالة والتى ساهمت فيها سياسات الاصلاح الهيكلى والتى تمكنت منظمات التمويل الدولية من دفع تلك الدول لتبنيها بسبب سقوطها فى ازمات المديونية واحتياجها للاستدانة منها بشروطها، وهى السياسات التى تسببت فى تراجع التصنيع الأمر الذى كانت له انعكاسات سلبية على الوضع الاجتماعى فى هذه البلدان، بالإضافة الى تسبب زيادة البطالة فى اضعاف قوة الاتحادات العمالية فى مواجهة اصحاب العمل للتفاوض على الاجور.
وكانت مصر والعديد من دول المنطقة قد بدأوا سياسات التحرير الاقتصادى المعروفة بالتثبيت واعادة الهيكلة الاقتصادية منذ نهاية السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين.
ويخشى معدو التقرير الاممى من أن «الموجة الجديدة من البطالة الآتية فى سياق الازمة المالية التى بدأت فى عامى 2008 و 2009، قادت الى تصعيد المطالب بالمزيد من المرونة فى اسواق العمل فى معظم الدول المتقدمة»، مشيرا الى أنه فى المقابل عدد قليل من حكومات امريكا اللاتينية لم تتبع هذا الاتجاه، «بالعكس ركزوا على السياسات التى تحسن من اوضاع الفقراء والقدرات التفاوضية للعمال، بدون أن يعيق ذلك النمو الاقتصادى والاندماج فى الاقتصاد العالمى».
سياسات النظم اليسارية البازغة فى امريكا اللاتينية، قدمها التقرير كنموذج على الاقتصاديات التى عملت على تقليل الفوارق الاجتماعية الامر الذى دعم من قوة الطلب المحلى فى اسواقها ومن ثم الحفاظ على معدلات معقولة من النمو،
«بعض الدول الغنية بالموارد الطبيعية خاصة فى امريكا اللاتينية نجحت منذ عام 2002 فى ترجمة عوائد التجارة الى نمو اقتصادى وبالتالى تقليل فجوات الدخول، «مشيرا الى تركيز تلك البلدان على زيادة الايرادات العامة من خلال سياسات كالضرائب التصاعدية، وخلق الوظائف فى المشروعات والخدمات العامة وسياسات تحفيز القطاع الصناعى، الى جانب استخدامها نسبة مهمة من ايراداتها المالية فى تمويل برامج المساندة الاجتماعية للفقراء.
وفى هذا السياق دعا التقرير باقى الدول النامية لاتباع سياسات اقتصادية تساهم فى اعادة توزيع الدخول، والتى كان النظام الضريبى أحد آلياتها الاساسية، ليس فقط من خلال تبنى مبدأ الضريبة التصاعدية، التى ترتفع مع ارتفاع مستويات الدخل، ولكن من خلال الآليات الضريبية المختلفة التى يمكن فرضها على الاصول، والتى قد يكون جمعها أسهل من ضرائب الدخل، كالضرائب المفروضة على الموروثات والسلع الفاخرة و الاراضى والعقارات.
كما أوصى التقرير بدعم القدرات التفاوضية للنقابات العمالية فى مواجهة أصحاب العمل، كأحد آليات توزيع ثمار النمو الاقتصادى، «يجب أن تقوم سياسات الدخول على التأكد من أن ارتفاع متوسط الاجور يكون بنفس مستوى متوسط نمو الانتاجية، وان تضع سياسة الاجور ايضا التضخم فى حسبانها»، كما يجب أن تشمل تلك السياسات على حد أدنى للأجور وسياسات لنفقات المساندة الاجتماعية، وزيادة الانفاق العام الذى يساهم فى تخفيض أسعار السلع والخدمات العامة.
وبينما يرى البعض أن السياسات الاجتماعية السابقة قد تنفر الاستثمار وتساهم فى هروبه الى اسواق منافسة، يرى التقرير الاممى أن «المزيد من التعاون بين الدول النامية قد يساهم فى تجنب المنافسة على الاجور والضرائب، وهو ما قد يؤدى الى الزام الشركات الاجنبية على قبول منظومة الضرائب المحلية وان تتماشى الاجور مع الانتاجية والتضخم».