أصبحت أخبار الجريمة متداولة بشكل يومى، بدرجات تتفاوت فى بشاعتها، ولعل من أكثرها ألما أن نقرأ أن 4 عاطلين ذبحوا سائق توك توك، لتوه احتفل بعيد ميلاده السادس عشر قبل الجريمة بأيام. هو صبى عادى يعيش حياة أقل من المعتادة، لم يكن به شىء مميز حتى اسمه، محمد، هو الاسم الدارج لأغلبية أبناء مصر، احتفل بعيد ميلاده السادس عشر فى 21 أغسطس الماضى، بعد يومين من عيد الفطر المبارك، وكان يسكن مع أسرته، التى ترجع أصولها إلى سوهاج، فى منطقة البساتين بالقرب من مقابر التونسى.
عاش محمد عادل مع ابيه واخوته السبعة فى منزل عائلة ابيه، مقربا من جدته لأبيه، التى كانت بمثابة أمه لانفصال الأم عن الأب بعد ولادته بعامين.
ولما كان مسلسل الفنان محمد هنيدى: «وإنت عامل إيه؟»، معروضا وقتها، حمل محمد اسم شهرة مثل بطل المسلسل، فأصبح الجميع يناديه: بيبيتو، ولأنه لم يكمل تعليمه بعد الصف الثالث الابتدائى، تنقل بين مهن متعددة أولها فى صالون حلاقة ولم يكن عمره قد تجاوز الحادية عشرة، ثم انتقل للعمل مساعدا لأبيه سائق سيارات النقل مع بلوغه 13 عاما، ثم أهلته مهارته لقيادة لورى وحفار قبل بلوغ 16 عاما.
يروى عادل عبدالجيد (39 عاما) ل«الشروق» تفاصيل آخر لقاء تم مع نجله محمد مساء الأربعاء وهو اليوم السابق لوفاته، بادره «بيبيتو» ممازحا: «ازيك يا معلم.. معاك فلوس؟» فأجابه ابوه ضاحكا «عايز إيه؟» فكان رد ابنه: «أنا مش عايز حاجة.. أنا هديلك فلوس» وأخرج من جيبه عشرين جنيها أعطاها له، وأضاف: «إن ابنه لم يكن من النوع الذى تستهويه فكرة جمع «النقود» بل على العكس من أصحابه وأقرانه لم يكن يشرب السجائر أو المخدرات، وكان مصدر متعته الوحيد فى قيادة المركبات خصوصا الدراجات النارية، فاشترى له «فيسبا» جديدة فى شهر رمضان الماضى.
«نصحته كتير ما يركبش توك توك لا هى صنعتنا ولا شغلنا» هكذا يصف أبو «بيبيتو» الحوار الذى دار مع ابنه قبل أن يعمل على قيادة التوك توك قبل الحادث بثلاثة أيام.
الوداع
لكن بيبيتو بدا وكأنه يودع الجميع، حيث طاف قبل الوفاة بأسابيع على كل المهن التى عمل بها طوال حياته، البداية مع والده على السيارة النقل حتى يوم الخميس قبل الأخير من رمضان، ثم استأنف عمله كحلاق وهى المهنة التى ودعها قبل 4 سنوات، واستمر حتى ثانى أيام العيد، وكان حريصا على أن يزور والدته وعماته وخالاته فى أول أيام العيد..
العشاء الأخير
مر يوم الأربعاء عاديا، وتابع الصبى عمله فى قيادة «التوك توك» لصالح صاحبه الأصلى مقابل أجر، وفى حين كان أحمد عبدالجيد، 25 عاما، يقف فى محله الصغير المواجه لمنزل العائلة حيث يقيم مع «بيبيتو» ابن أخيه وبقية الأسرة، كان الصبى «بيبيتو» منهمكا فى إصلاح سلك فرامل «التوك توك»، وقال أحمد إنه دعا ابن أخيه إلى أن يأكلا سويا وذهبا فى الحادية عشرة والنصف من مساء الخميس لتناول الطعام، بالقرب من رئاسة حى البساتين، التقى قدرا بابن عمه إسلام الذى يصغره بشهور والذى تربى معه.
وقال إسلام إنه تبادل السلام مع «بيبيتو» أمام أحد الأكشاك، وفوجئ إسلام بابن عمه يوصيه بأن يعطى جدتهما أى نقود «حتى عشرة جنيه يا أخى علشان ترضيها»، لأن إسلام لم يكن مطيعا وكان الجميع دائم الشكوى منه، مضيفا إنه ودع «بيبيتو» فى الساعة الثانية من فجر الجمعة، ثم ذهب إلى محطة البنزين لتموين «التوك توك» وكان «بيبيتو» يستعد للعودة إلى المنزل.
الاختفاء
مع الساعات الاولى لبزوغ شمس الجمعة، كانت جدة «بيبيتو» تتأهب لإيقاظ حفيدها المقرب منها والمقيم معها فى نفس الشقة حتى يذهب كعادته إلى المخبز لشراء الخبز، وعندما لم تجده خمنت أن يكون مع أصحابه فى «سايبر النت» الذى كان يقضى معظم أوقاته بداخله.
وبينما كانت تشير عقارب الساعة إلى الحادية عشرة من صباح الجمعة، كان منزل العائلة يكتظ برجال مباحث قسم البساتين، للسؤال عن والد «بيبيتو»، مدعين أنه وقع فى مشكلة ويريدون والده فى القسم، يقول الأب عادل ل«الشروق» إنه لم يستطع النوم فى الفترة من الساعة الثالثة فجرا وحتى التاسعة من صباح ذلك اليوم، وبمجرد ان غلبه الإرهاق ونام لساعات محدودة، كانت والدته توقظه للقاء ضباط المباحث.
ويضيف إنه بمجرد أن رأى الحشد الكبير من رجال المباحث، لم يطمئن قلبه إلى أن ابنه تعرض لحادث بسيط بالتوك توك، فسألهم «ابنى فيه حاجة خطر؟» فأجابوه بالنفى، فحاصرهم بسؤال جديد «ابنى مات؟» فكان الرد بالصمت.. وتأكد الأب من صدق إحساسه، اصطحب رجال المباحث الأب إلى مشرحة زينهم، وهناك رأى ابنه فى ثلاجة الموتى، وعندما حانت لحظة التعرف عليه، كانت المفاجأة للأب أن ابنه لم يكن قد مات فى حادث انقلاب «التوك توك»، حيث وجده مذبوحا من الرقبة بقطع من الأذن اليمنى إلى اليسرى. ويغالب عبدالمجيد مشاعره، ويروى ل«الشروق» أن الرأس كانت مرتبطة بالجسد بمجرد جلدة رقيقة.. تمالك الرجل أعصابه ودقق النظر فوجد أثر (غبار أسود) على وجه وجسد الابن، وبذكاء فطرى نادر قال لمن حوله «ابنى اتقتل ناحية المجزر الآلى.. التراب الأسود ده بتاع حرق الزبالة هناك ومفيش مكان تانى موجود فيه»، الأمر الذى دعا رجال المباحث لاستبعاد فكرة أن يكون مسرح الجريمة فى منطقة «مقابر التونسى» التى وجد جثمانه فيها.
الشبهات
مساء نفس يوم اكتشاف الجريمة كانت شبهات ضباط مباحث قسم الخليفة والبساتين تحوم حول اقارب الضحية واصحابه، وقامت المباحث بضبطهم، إلا أن جميعهم خرجوا فى نفس اليوم عدا ابن عمه وصديقه الأقرب إسلام، وكان دافع رجال المباحث فى اتهام إسلام هو جملة قالها قبل أن يعرف بوفاة صديقه «بيبيتو»، كان إسلام يعتقد أن ابن عمه قد وقع فى مشكلة ما وادعى بأن إسلام كان معه، فسارع الأخير بالقول لرجال المباحث، إنه لم يره منذ فترة طويلة وإن علاقتهما غير جيدة، مضيفا «لا أنا بحب بيبيتو ولا هو بيحبنى ولا بنطيق بعض اصلا».
وسرعان ما ربط رجال المباحث بين كلام إسلام وجريمة القتل، حيث اعتبروا ان الدافع وراء الجريمة الكراهية والسرقة، وطوال اسبوع كامل تم احتجاز إسلام فى القسم لمحاولة انتزاع اعترافه بالجريمة، لكنه لم ينطق بكلمة ليس فقط لأنه لم يقتل «بيبيتو»، ولكن لصدمته بخبر وفاة من أقرب اهله واصدقائه من قلبه.
الجريمة
تدخلت العناية الإلهية لإنقاذ «إسلام» المظلوم، وبينما كان ضباط مباحث البساتين يحاولون فك لغز الجريمة، حضر إلى القسم سائق «توك توك» مذعورا هاربا لتوه من محاولة لقتله، اللافت أن السائق كان مصابا بسحجة فى الرقبة، وتمت محاولة سرقة «التوك توك» خاصته فى منطقة «المجزر الآلى» وهى نفس المنطقة التى قتل فيها المجنى عليه «بيبيتو»، وحكى لرجال المباحث كيف تم استدراجه إلى تلك المنطقة وكيف حاول المتهمون ذبحه، بعد تأكدهم من تعرفه على احد المجرمين ويدعى (غريب)، وبتكثيف عمليات البحث والتحريات تم تحديد المجرمين الأربعة وجميعهم من المقيمين بالبساتين، وألقت قوات الأمن القبض على ثلاثة منهم كانوا هاربين فى محافظات مختلفة بالوجه القبلى هم: غريب محمد وشهرته «حربى» (22 عاما) وسبق اتهامه فى قضية سرقة، واشرف شعبان وشهرته «إسلام شعبان» (20 عاما)، واحمد عاطف فاروق (24 عاما)، فيما لايزال هيثم صلاح حلمى (28 عاما) هاربا وسبق اتهامه فى قضية مخدرات.
وأمام رجال المباحث سرد المتهمون الثلاثة كيف أن المتهم (غريب) الذى قال أهل الضحية إنه كان من أصحاب «بيبيتو» قام بمقابلة المجنى عليه فى منطقة البساتين فجر الجمعة وأقنعه بتوصيله مع بقية المتهمين لمنطقة الخلفية لحضور فرح، وفى الطريق استدرجوه للمرور فى منطقة المجرز الآلى، وهناك قاموا بتهديده بالأسلحة البيضاء حتى يوقفوه، وعندما حاول «بيبيتو» مقاومتهم قاموا بتقييده وخنقوه بحزام «البنطلون» الذى يرتديه، فى تلك اللحظات كان المجنى عليه يحاول التملص من القيد فأوقعه المجرمون فى الأرض وسط «الغبار الأسود» الناتج عن حرق القمامة فى تلك المنطقة المهجورة، وبدا أن بنية «بيبيتو» الجسمانية تحول دون السيطرة عليه، وبحسب المتهمين المقبوض عليهم فإن رابعهم (هيثم) الهارب هو الذى قام بذبح «بيبيتو» حتى لا يرشد عنهم بعد سرقته، وبعدها قاموا بنقل جثته باتجاه «مقابر التونسى» وتخلصوا منها، ثم فروا بالتوك توك»، وباعوه لتاجر فى منطقة الحوامدية يدعى سيد حنفى (34 عاما).
الإعدام
يقول الأب عادل عبدالمجيد ل«الشروق» إنه يحمد الله أن المتهمين بقتل ابنه لم يكونوا من معارفهم أو اقاربهم بغرض الثأر أو الانتقام، لأنه كان سيشعل «نارا لا تنطفئ» فى المنطقة، مطالبا بإعدام المتهمين الذين قتلوا ابنه.