تاريخ أفغانستان الحديث يمكن أن نرويه من خلال عبدالله، أحد القادة البارزين في مدينة هرات غربي أفغانستان، والمعروف باسم "تشارسي" والتي تعني بلغة البشتون "مدخن الحشيش". ففي مدينة تفتخر بأنها الوحيدة في أفغانستان التي تضم متحف للجهاد الإسلامي ضد الاحتلال السوفيتي في الثمانينات، كان عبدالله أحد المجاهدين تحت إمرة القائد الأسطوري إسماعيل خان. لم يكن عبد الله عضوا بارزا في حركة طالبان في أواخر التسعينات، ولكن بعد الاضطرابات المتزايدة ومع قدوم القوات الأجنبية بقيادة الولاياتالمتحدة إلى البلاد، قرر عبد الله أن ينضم إلى صف الحكومة الجديدة.
والآن يسعى عبد الله لجذب أتباعه من الجبال ليعودوا للانضمام إلى صف الحكومة أيضا.
إنضمام عبدالله إلى طالبان لم يكن لأسباب عقائدية كما يقول، وإنما لأسباب أمنية، حيث كانت طالبان توفر الأمن في وقت لم يتوفر فيه الأمن في المنطقة.
والآن، ووسط الانسحاب العام للقوات الأجنبية المقاتلة من البلاد خلال أقل من عامين، يتحول عبد الله إلى الجانب الذي يعتقد أنه الأقوى، ويقول: "طالما أن الأجانب سيغادرون، سنأخذ نحن الأفغان الوطن لأنفسنا." طليعة العمليات
ويعلم عبد الله أن هناك ثلاث مجموعات من المجاهدين السابقين، والتي تضم كل واحدة منها المئات من المقاتلين، تنسحب الآن من طالبان لتنضم إلى صفوف الحكومة.
ومنذ أن ترك طالبان، يقول عبد الله إن رجاله في طليعة العديد من العمليات التي تشنها الحكومة ضد حركة طالبان، ويعمل رجاله ضمن القوات غير الرسمية التي تقاتل بجانب القوات الحكومية النظامية. والآن يرغب عبد الله في الانضمام رسميا للحكومة ليطوي صفحة من تاريخه ويصبح رئيسا للشرطة في أكبر منطقة في هرات على الحدود مع إيران.
ويقول :"لم أفعل شيئا يخالف القانون، لقد ذهبت للجبال مع طالبان بسبب مشكلات أمنية، لكني لم أزرع الألغام في القرى أو استخدم المفجرين الانتحاريين كما كانوا يفعلون."
ادعاءات بالتعذيب
ومع ذلك، لا يحظى عبد الله بتأييد الجميع هنا، حيث يتهمه أحد مسؤولي الصليب الأحمر ويدعى عبد الكريم بأنه عُذب على يد رجال عبد الله عندما كانوا يعملون لصالح طالبان. وقال عبد الكريم إنهم هددوه مرتين وصادروا كميات كبيرة من الوقود، وأنه عندما لم يقطع صلاته بالحكومة الأفغانية، تربص به أكثر من 30 رجل على دراجات بخارية وخطفوه. وأضاف عبد الكريم: "أخذوني إلى حافة النهر، وقيدوا يداي وقدماي، ووضعوا عصابة فوق عيني، وأخذوا يضربونني. لقد ضربوني بشدة حتى بدأت أنزف."
وأضاف عبد الكريم أنهم حملوه وألقوا به في النهر حتى يموت.
ويرى عبد الكريم أنه لا ينبغي أن يكون شخص مثل عبد الله قائدا للشرطة في المدينة، ويعتقد أنه "كان يجب أن يعدم في العلن حتى يكون عبرة للآخرين."
وأنكر عبد الله هذه التهم، وقال إن عبد الكريم كان ينبغي أن يقتل لما كان يقوم به، متهما إياه أنه كان جاسوسا يعمل لصالح الحكومة (التي يرغب عبد الله أن يعمل لصالحها الآن.)
ويقود عملية عودة أعضاء طالبان إلى الحكومة الجنرال البريطاني ديفيد هوك، وذلك من خلال إقناعهم بتسليم أسلحتهم والانضمام إلى صف الحكومة.
وقال هوك إن تشجيع هذا التحول يستدعي إعطاء هؤلاء المقاتلين عفوا عاما، لكن ليس في الجرائم الخطيرة.
وأضاف: "إذا قمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم مثل التعذيب، فسوف تتحمل المسؤولية عن أعمالك من قبل النظام القضائي في أفغانستان." تغير التحالفات وما يحدث في منطقة هرات على ما يبدو هو أن الرجال يأتون إلى صفوف الحكومة ليس من أجل الحوافز التي تقدمها، ولكن بسبب تغير الأوضاع، حيث أن التحالفات تتغير الآن قبل رحيل القوات الأجنبية.
ويحصل هؤلاء الذين يستجيبون لعرض الحكومة بالانسحاب من طالبان على معطف، ونسخة من القرآن الكريم، وأجر ثلاثة أشهر مقدما.
لكن هذا المشروع ليس له تأثير يذكر في المناطق التي تمثل معاقل قوية لحركة طالبان، حيث كان الأشخاص البالغ عددهم خمسة آلاف شخص من الذين تم دمجهم في النظام الحكومي خلال العامين السابقين قادمين من المناطق الشمالية والغربية من أفغانستان، وكان أغلبهم يأتي من اقليم غور، والذي لم يكن يوما معقلا لحركة طالبان على الإطلاق.
"أنا أو طالبان"
وفي احتفال خاص بعملية إعادة الاندماج مع الحكومة الأفغانية في إقليم غور، حضرته هيئة الإذاعة البريطانية، شارك العديد من الرجال الذين قبلوا العرض الحكومي من كبار السن، وكانوا يسلمون أسلحة خفيفة يكسوها الصدأ، وهي بنادق محلية الصنع، كما أنهم لم يبد عليهم أنهم من طالبان على الإطلاق.
وقد أعرب بعض الدبلوماسيين الغربيين علنا عن شكوكهم بشأن جدوى هذا المشروع.
وترك أحد قادة القبائل بالقرب من منطقة هرات حركة طالبان لسبب غير معتاد، حيث أن الفتاة التي أراد أن يتزوجها أرسلت له رسالة بسيطة تقول: "عليك أن تختار إما أنا أو طالبان."
هذا الرجل الذي يدعى بصير أحمد لم يكن مقاتلا تقليديا من طالبان، حيث أنه اقتنع بسهولة أن يترك الحركة لإرضاء الفتاة التي عشقها كما يقول.
والتحق أحمد بطالبان، كما فعل الكثيرون مثله في هذه المنطقة، للدفاع عن نفسه ضد الجرائم والفوضى المنتشرة.
وسلم الرجل سلاحة إلى ناظر المدرسة التي تدرس بها الفتاة التي ينوي الزواج بها.
لكن الزوجين نادمان الآن، فقد سلم الرجل سلاحه الذي كان يحتمي به وأصبح غير قادر على الدفاع عن نفسه، فقد تعرض منزله للهجوم ثلاثة مرات بعد ذلك.
إن التحدي الذي يواجه الحكومة الأفغانية الآن هو توفير الأمن لضحايا التعذيب مثل عبد الكريم، ولرجال طالبان السابقين مثل بصير أحمد وغيرهم.