مشكلة "الباعة الجائلين" و"إشغالات الطرق العامة"، من أهم المظاهر ال"غير حضارية" في الشارع المصري، بل إن المشكلة تفاقمت لتحدث أضرارًا عديدة، فتؤثر على الحركة المرورية والزحام الشديد، وانتشار أعمال البلطجة والمخالفات البيئية والقانونية.
تحولت مشكلة الباعة الجائلين، إلى فكرة في حد ذاتها، وليست فقط مشكلة أشخاص، لعل هذا ما جعلها من أولى اهتمامات الرئيس المنتخب، الدكتور محمد مرسي، ضمن خطة المائة يوم من توليه الرئاسة، ليعد بإزالة كل هؤلاء الذين يشغلون الطريق العام وضمهم فيما يسمى ب"سوق اليوم الواحد".
بين مؤيد، وهو في الغالب المواطن الذي عانى من مشكلة الجائلين سواء في التعاملات أو في الحركة المرورية، أو معارض، وهو البائع الذي لم يجد وسيلة ل"لقمة العيش" سوى من هذه "الفرشة في الشارع"، أو "الأكشاك" وغيرهم.. ولأن منهم من لم يحصل على وعد بنقله أو إيجاد بديلاً له عن وسيلة عيشه الوحيدة، فالسؤال الآن: هل سيصبح "قطع الأرزاق" هو المقابل من تحقيق "خطة المائة يوم؟".
"سوق اليوم الواحد".. والرزق على الله
"الرزق بتاع ربنا.. ياما محلات كبيرة ومشهورة الناس سابتها وراحت لمحل جنبه صغير أو شعبي".. موجهًا كلامه للباعة الجائلين، قال اللواء سيف الإسلام عبد الباري- نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية، خلال حواره مع «بوابة الشروق»، إن فكرة سوق اليوم الواحد «ستكون ذات مردود إيجابي من جميع النواحي، حيث ستعود القاهرة إلى مظهرها الحضاري، وكذلك عملية الاستثمار؛ حتى لا يحجم أحد عن المجيء بسبب شلل الحركة المرورية والمظهر».
انتشرت فكرة "سوق اليوم الواحد" في وسائل الإعلام، خاصة بعد قرار إزالة مقاهي منطقة البورصة، وتحويلها إلى سوق يضم الباعة الجائلين المنتشرين في الميادين الرئيسية، فاختلط الأمر على الكثير عن طبيعة هذه الأسواق، وعن المقصود ب"اليوم الواحد".
شرح اللواء سيف الإسلام، فكرة هذه الأسواق، مؤكدًا أن كلمة "يوم واحد" لا تعني أنه يوم واحد في الأسبوع، بل أن "البائع سيذهب إلى السوق المخصص له صباحًا ويعود ليلاً"، ويتكرر اليوم خلال الأسبوع، ولكن بعيدًا عن مناطق مرور السيارات.
وأشار نائب المحافظ، إلى أن الدولة لن تحارب أحد في رزقه، بل ستعمل على جانبين هما "عدم قطع الأرزاق عن طريق وضع البدائل بإزالة الإشغالات، وهي الأسواق، وفي الوقت ذاته العمل على إعادة الانضباط للشارع المصري"، مضيفًا أن "هذه المقترحات، والتي تم بالفعل البدء في تنفيذها من بعد عيد الفطر مباشرة، هي حلول عاجلة للحد من الأزمة، وسيجري العمل على تنفيذ حلول آجلة، وهي بناء أسواق حضارية في أطرف المدينة والأراضي الواسعة".
وأكد سيف الإسلام، أن هناك استجابة واضحة من غالبية الباعة الجائلين، فيما عدا قلة اعترضت؛ لأن هذا المشروع سيكون ضررًا عليهم، وهؤلاء المعترضون "هم البلطجية اللي كانوا بيأجروا الشوارع"، بحسب كلامه، مناشدًا جميع الباعة المتجولين "الصبر، فأي مشروع في بدايته يكون فيه بعض القلق"، ومطالبًا بضرورة الالتزام بالمواقع المحددة لهم سيرًا على القانون الذي ينص على أن "الدولة تحدد المناطق المسموح بتواجد الباعة المتجولين بها، وبشروط ألا تعوق المرور أو أي أمور أخرى".
تطرق الحوار، إلى مشكلة تركز الباعة المتجولين في محافظة القاهرة، وأن البعض في المحافظات المختلفة يرى في القاهرة مكانًا لكسب الرزق، حتى أصبحت القاهرة "مرتعًا للباعة الجائلين"، بحسب وصف اللواء سيف الإسلام، الذي أضاف أن "مش كل مصر هتاكل عيش في التحرير أو العتبة، أو يشتغلوا بياعين في العاصمة"، وتابع "لابد من إيجاد بديل عن مجيء الناس إلى القاهرة، عن طريق عمل مشاريع وشركات ومصانع تستوعب العمالة، وتكون جاذبة للمواطنين في الأقاليم، وليست طاردة لهم".
واختتم النائب كلامه معلقًا على الاعتراضات، ومقاومة إزالة الإشغالات "دي الحلول والمقترحات بتاعتنا، وليس عندنا غيرها، ومن عنده البديل يطرحه، فالنقد ليس لمجرد النقد".
"ندفع فلوس.. بس نفضل في مكاننا"
شنت معظم محافظات مصر، بالتعاون مع جهاز الشرطة وأجهزة الحي في كل منطقة، حملات منظمة لإزالة الإشغالات في الطرق الرئيسية، أو الإشغالات المخالفة وبدون تراخيص، وفي كل حملة يتكرر نفس المشهد، مقاومة شديدة ومشادات كلامية بين أصحاب الإشغالات بجميع أنواعها، والتي كان آخرها ما حدث اليوم في منطقة صفط اللبن بالجيزة.
أكد فوزي علي، صاحب كشك بصفط اللبن، ل«بوابة الشروق»، أن لديه ترخيص بهذا الكشك، وأن الحي طلب منه إزالة "الثلاجة التابعة للكشك فقط قبل يومين"، وبالفعل أزالها، وسمح الحي بوجود الكشك لأنه لا يعترض نهر الطريق، وليس مخالفًا، بحسب كلامه، ولكن اليوم كان مصيره أن قام الحي بهدم الرصيف أمام الكشك لإزالته، دون أن يعرف "عم فوزي"، والكثيرين غيره من نفس المنطقة، ما هو البديل الذي تتحدث عنه الحكومة، وعن مصدر جديد للقمة عيشهم.
من جانب آخر، أكد الباعة في أحد الشوارع الجانبية بميدان العتبة، أنهم ليس لديهم أي خلفية عن موقف الحي منهم، رافضين فكرة أسواق اليوم الواحد، ومستنكرين: "إحنا هنا من زمان.. هنروح فين في اليوم الواحد؟!، اللي عارفينه إن سوق اليوم الواحد كل يوم في مكان، هفرش كل يوم في سوق، وكل يوم انقل حاجتي من سوق لسوق؟".
ورغم إلقاء اللوم على جهاز الشرطة، من جانب هؤلاء الباعة، "لتخاذلها في القيام بدورها بمنع الباعة الذين افترشوا الشوارع العمومية، وعطلوا الحركة المرورية، لتكون النتيجة أن -ياخدوا العاطل في الباطل"، إلا أن بعضهم عرض دفع إيجار شهري للحي مقابل "الاستقرار في مكاننا مصدر رزقنا الوحيد".
بناء على توجيهات السيد النائب..
"بناء على توجيهات السيد النائب".. الجملة الأكثر تكرارًا خلال لقاء «بوابة الشروق» مع حسين حسن الشاطر- رئيس حي الموسكي، للرد على مشكلات الباعة الجائلين في منطقة العتبة والمناطق التابعة للحي، والذي أكد أنه تم الاتفاق على عمل سوق لهم في منطقة الأزبكية، وبدأت عملية تخطيطه، وتم تشكيل لجنة تنفيذية من الباعة أنفسهم لحضور عمليات الحصر "لضمان حقوقهم، وألا يظلم مواطن".
وتابع قائلاً: "كل بائع سيحصل على كارت يضمن وجوده في مكانه الخاص بشكل دائم، وسيكون له رقم محدد، بحيث يمكن الرجوع إليه من قبل المشتري"، وذلك حتى يستفيد الجميع بائعًا ومبتاعًا.
وأكد الشاطر، أن "هناك قرار لرؤساء الأحياء بعدم مغادرة المكاتب إلا بعد الانتهاء من هذه الأعمال، وكل همنا، بناء على توجيهات نائب المحافظ، إراحة البائع والمشتري والمواطن".
فهل يرتاح البائع؟ أم تتحقق خطة المائة يوم على حساب أرزاق هؤلاء الباعة الجائلين بالشوارع؟.