لاحظت طبعا أن خطاب الرئيس محمد مرسى فى ميدان التحرير كان مختلفا عن خطاباته اللاحقة فى المحكمة الدستورية وجامعة القاهرة والهايكستب.. ففى الخطاب الأول كان الميدان بطاقته الروحية الجبارة حاضرا بعمق فى مفردات الدكتور مرسى وأدائه الحركى، ما جعله أكثر تحررا وانطلاقا وتفاعلا مع نبض الحشود وكيمياء الميدان العبقرية. لقد كان أروع ما فى إطلالة الرئيس المنتخب من فوق منصة التحرير إعادة الاعتبار للميدان وإقرارا بشرعيته التى أهينت وظلمت وانتهكت كثيرا وتعرضت لموجات عاتية من التشويه والتسفيه، بلغت أحط حالاتها فى أحداث محمد محمود ثم مجلس الوزراء، حيث تحولت الثورة فى تلك الأثناء إلى تهمة ونقيصة تلصق زورا وبهتانا بأصحابها.
ولعلك تتذكر تلك التفاهات والسخائم التى انهال بها نفر ممن ناصبوا الميدان العداء ثم عادوا يطلبون العون منه ويستمدون القوة، على المرابطين والمرابطات فيه من القابضين والقابضات على جمر الثورة، ومن ذلك تلك السهام المسمومة التى انطلقت تعربد فى سمعة ثائرات محترمات تعرضن للسحل والتنكيل والتعرية وسط صمت مخجل من قبل كثيرين ممن عرفوا قيمة الميدان وفضله الآن.
وفى ذلك الوقت كان بعضهم يتساءل بجلافة تعليقا على سحل فتيات وتعريتهن «إيه اللى خلاها تروح التحرير» وأظن أن الإجابة واضحة الآن، فالذى جعلهن يذهبن إلى الميدان هو ذاته الذى جعل الدكتور محمد مرسى يذهب إلى قصر العروبة رئيسا منتخبا.. الثورة هى التى جعلت الثوار والثائرات فى الميدان.. والثورة هى التى حملت الدكتور مرسى إلى القصر.
ولذلك عندما يلح ثوار بالنداء على الرئيس الجديد لإيلاء قضية معتقلى الثورة الاهتمام اللازم، فإن هذا ليس من باب المزايدة أو محاولات إرباك الرئيس بأشياء أقل أهمية، ذلك أنه ليس أكثر أهمية بعد ثورة العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية من حرية المواطن المصرى، وبشكل خاص الثوار الذين ضحوا لكى يصنعوا لنا هذا المشهد التاريخى.
ومن هؤلاء هند بدوى المعيدة بجامعة المنوفية التى سحلت وانتهكت إنسانيتها على أيدى الجنود فى أحداث مجلس الوزراء، وتعرضت لأبشع عمليات التعذيب فى سراديب مجلس الشورى وأحيلت إلى النيابة فاقدة الوعى مربوطة فى سرير خشبى مهشمة العظام مكسرة الروح.
لقد تم القبض عليها يوم 17ديسمبر فى قضية أحداث مجلس الوزراء وأمضت ثلاثة أيام فى المستشفى العسكرى وأربعة فى مستشفى باب الشعرية «السيد جلال» وفى اليوم السابع ذهبت للتحقيق فى محكمة القاهرةالجديدة حيث أخلوا سبيلها دون أن يستمعوا لأقوالها وبعد أسبوع من إخلاء سبيلها تم استدعاؤها للنيابة لتفاجأ بعينة محترمة من التهم:
1 الاعتداء على قوات الأمن بالطوب.
2 الاعتداء على قوات الأمن بالمولوتوف.
3 التحريض على إثارة الشغب والفوضى فى الشارع.
4 حرق المجمع العلمى.
5 إتلاف الممتلكات والمنشآت العامة.
6 حيازة أسلحة.
وقبل أن يمر شهر على تولى الدكتور مرسى الرئاسة ستكون هند بدوى أمام محكمة جنايات القاهرة (29 يوليو الحالى) تواجه هذه التهم، حيث تلقت استدعاء لاستكمال أقوالها منذ شهر وطلب منها تقرير من المستشفى العسكرى لعرضها على الطب الشرعى لتقدير إصاباتها التى شهد العالم كله بشاعتها تليفزيونيا، غير أن المستشفى يرفض منحها التقرير، لأنها تجاسرت ورفضت مصافحة المشير عندما كانت ترقد مكومة فى جراحها النازفة حين زار المستشفى.
هند بدوى مجرد نموذج لآلاف الحالات ممن لن ينساهم أحد ولا يليق أن ينساهم أحد ونحن نحتفل بأول رئيس مدنى منتخب.