يبدو أننا نحن العاملين فى وسائل الإعلام نترك من دون قصد، انطباعا بأن هناك نقاشا حقيقيا بين الخبراء عما إذا كان من المنطقى شن ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران هذا العام. والحقيقة أنه لا يوجد هذا النوع من الجدل. أو بالأحرى، هناك جدل من النوع الدائر حول تغير المناخ، حيث ينحاز الخبراء إلى جانب واحد. وفيما يلى ما أخبرنى به بعضهم:
تقول آن مارى سلوتر، البروفيسور فى جامعة برينستون، وكانت سابقا من كبار المسئولين فى وزارة الخارجية ضمن إدارة أوباما «لا أعرف خبيرا أمنيا يوصى بشن ضربة عسكرية ضد إيران فى هذه المرحلة».
وقال جورج باتريك لانج، وهو رئيس سابق لشئون الشرق الأوسط فى هيئة مخابرات الدفاع: «هناك إجماع ساحق على أن هذه فكرة سيئة، مالم تكن منحازا بشكل بالغ إلى جانب المحافظين الجدد بحيث تتعامى عن الحقائق الجغرافية السياسية».
ويقول ميشيل فلورنوى، الذى تنحى لتوه عن منصب المسئول الثالث فى وزارة الدفاع «معظم خبراء الأمن يتفقون على أنه من السابق لأوانه اللجوء إلى الخيار العسكرى» ويضيف: «نحن فى منتصف الطريق لزيادة العقوبات على إيران؛ التى تخضع بالفعل لعقوبات أشد قسوة مما تعرضت له من قبل، ونحن الآن نضغط أكثر نحو فرض عقوبات تمس البنك المركزى، وعقوبات من شأنها المساس بالمنتجات النفطية، وهكذا».
وتابع فلورنوى: «كان الأمر سيئا بالنسبة لهم، وسوف يزداد سوءا. وينصب التوافق الغالب على ضرورة أن نتيح لهذا الأسلوب فرصة النجاح».
والأمر المؤكد، أن المسئولين الأمريكيين يشعرون بقلق بالغ إزاء البرنامج النووى الايرانى، على الرغم من أنه لا يوجد تخوف كبير من أن ايران قد تستخدم الأسلحة النووية ضد إسرائيل أو غيرها. فمن الواضح أن ايران طورت اسلحة كيماوية للرد على هجمات العراق الكيماوية خلال الحرب الإيرانية العراقية، والتزمت بضبط النفس إزاءها. غير أن كل ما نخشاه فى حالة قيام إيران بتجربة ونشر أسلحة نووية، أن تحذو حذوها دول أخرى، من بينها المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر، مما يبدأ معه جولة أخرى من الانتشار النووى.
ويطرح مسئولون وخبراء أمنيون عدة نقاط عريضة تفسر السبب فى اعتبار أى ضربة عسكرية ضد إيران فكرة بغيضة.
فأولا، من شأنها ألا تعرقل البرنامج الإيرانى أكثر من ثلاث سنوات فحسب ومن المتوقع بعد ذلك أن يستمر سرا، مع تمتعه بتأييد محلى أكثر من قبل.
وثانيا، لن يقتصر الأمرعلى توجيه ضربة واحدة، وإنما سيتطلب عدة طلعات جوية خلال أيام عديدة لمهاجمة الكثير من المواقع. وعلى نحو ما، سيكون من المستهدف قتل العلماء الذين يقومون بإدارة البرنامج. ومن ثم، سيكون هناك ضحايا مدنيون. وسوف يتصاعد الغضب فى العالم الإسلامى وعبر أنحاء العالم ضد إسرائيل وأمريكا، يوما بعد يوم. وربما يتفكك التحالف الذى يضغط على إيران عبر العقوبات.
ثالثا، يمكن أن ينجم عن ذلك حرب إقليمية فى الشرق الأوسط، تتورط فيها الولاياتالمتحدة. ومن الممكن أن ترعى إيران هجمات على أهداف أمريكية فى العالم، كما يمكنها أن تستخدم وكلاء لتصعيد الهجمات على القوات الأمريكية فى أفغانستان.
رابعا، ربما تتم عرقلة امدادات البترول عبر الخليج، فترتفع أسعار البترول والغاز بما يضر بالاقتصاد العالمى.
خامسا، أدت العقوبات والأساليب السرية، مثل فايروس الكمبيوتر ستاكسنت، إلى إبطاء التقدم الإيرانى بالفعل، وسوف يواصل فرض عقوبات أشد وأساليب التخريب السرية تأخير البرنامج بطريقة منخفضة المخاطر.
●●●
وربما يكون كل ما أقوله هنا خطأ. فقد مر كل من الهجوم الإسرائيلى على مفاعل أوزيراك العراقى عام 1981 وهجومها عام 2007 على مشروع المفاعل السورى بسلاسة، ومن دون انتقام. وقد عرقل الهجومان البرنامج النووى فى كل من البلدين على نحو يزيد كثيرا عن توقعات المتشككين.
غير أن هناك سببا وجيها للاعتقاد بأن إيران تختلف، ويرجع ذلك جزئيا إلى برنامجها الذى تمت تجزئته لدرجة كبيرة كما يحظى بحماية بالغة. وعلى نحو أوسع نطاقا، فإن الحرب بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها، كما أن إسرائيل كثيرا ما كانت تدخلاتها قصيرة النظر بشكل مرعب. فقد تحول غزوها للبنان عام 1982 إلى مستنقع ساعد على ظهور حزب الله، بينما أضر دعمها فعليا لحماس فى بداية نشأتها فى غزة بالجميع (باستثناء ايران).
وعلينا أيضا أن نتذكر أنه عندما يقرع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طبول الحرب، فربما يؤدى إلى تعزيز موقف المتشددين الإيرانيين. وتقول سلوتر :« من المرجح أن يؤدى التهديد المستمر بضربة عسكرية إلى إقناعهم بالمضى قدما فى برنامجهم، بنفس القدر الذى يعمل على ردعهم.»
●●●
ويعتبر التساؤل حول احتمال مهاجمة إسرائيل للمواقع النووية الإيرانية من التساؤلات المهمة لهذا العام، ويبدو أن الذين عندهم علم بالأمر يعتقدون أن الاحتمال يساوى 50 فى المائة. ونحن لا نعرف إن كان الاقتصاد سوف يتضرر أو أن حربا ستقع، ومخبول من يكون واثقا مما سوف يحدث.
ومن ثم، فعندما نستمع إلى حديث عن عمل عسكرى ضد إيران، علينا أن نتبين أمرا واحدا: بعيدا عن مساعدى نتنياهو وحفنة الصقور، يرى جميع الخبراء أن توجيه ضربة عسكرية فى هذا الوقت من شأنه أن يكون فكرة سيئة على نحو كارثى. وهذا ليس محل جدل، وإنما إجماع.