الأسبوع الماضى، استيقظنا على عنوان رئيسى مثير بقدر إثارة ما كانت تنشره صحيفة نيوز اوف ذى وورلد المتوقفة الآن: «روبرت مردوخ لا يصلح لإدارة شركة كبرى». سقوط مروع لشخص كان أمله «غزو العالم». وقد فضح سقوط مردوخ من فوق القمة العلاقات المشينة بين الإعلام والنخبة السياسية والمالية فى إنجلترا، والفساد الذى يهدد مؤسسة الصحافة البريطانية نفسها. لكن هنا فى أمريكا، حيث مساءلة الصحافة تعانى الحصار أيضا، كنا من الحكمة بحيث نرى الأزمة من خلال التحذير الكامن فى القصة. إن هلاك الصحف موثق بصورة جيدة حتى الآن؛ ففى عام 2011 فقط، ألغيت 3700 وظيفة صحفية. ولوقف الخسائر التى تتعرض لها الصحف، تقوم تكتلات الإعلام التى كانت تندفع بنهم لشراء أى صحيفة بإغراقها بمعدلات تثير المخاوف. ولنأخذ تريبيون كومبانى، التى خفضت أعداد العاملين بها وبددت الكثير من قيمة شيكاغو تريبيون ولوس أنجلوس تايمز، فى الوقت الذى دفعت فيه 100 مليون دولار مكافآت لمديريها، برغم أن هؤلاء قادوا الشركة إلى الإفلاس.
●●●
إن مواطنى العصر الرقمى هذا يتمتعون بإمكانية الاتصال بالمزيد من المنابر والقنوات بصورة غير مسبوقة. لكن الصحافة الجيدة التى تراجع زعماءنا والتى تحاسب الأقوياء التى تعد من سمات الديمقراطية تواجه الخطر وفى ظل الضغوط الساحقة للروح التجارية، حيث الأولوية للسرعة وليس للتفكير، تضاءلت التغطية إلى سعار لاهث لتغذية الدورة الإخبارية على مدار 24 ساعة.
وفى ظل غياب المحاسبة من جانب الصحافة، يجرى فى أغلب الأحيان ملء هذا الفراغ فى الصحافة بالأكاذيب والدجالين من مروجى الخرافات: الرئيس أوباما مسلم من مواليد كينيا؛ الاحترار العالمى مؤامرة دولية يقف وراءها علماء مناخ جشعون؛ الأزمة المالية كانت ناتجة عن التنظيمات الحكومية. وكانت النتيجة هى ما يسميه جون نيكولاس وروبرت و. ماكنزى «أكبر خطر فى حياتنا على الحكم الذاتى وسيادة القانون».
وليس من الهين افتقاد صالات الأخبار للموارد، أو تزايد أعداد مشاهدى المواقع التى تفضل عروض الحيوانات الراقصة (بالرغم من أن كليهما صحيح). كما أن المحررين، فى سعيهم النبيل للتعبير المحايد عن كل جوانب القصة، يميلون أكثر إلى تصديق حجج على حساب الحقائق المنذرة. لكن، وكما كتب عالما السياسة نورمان اورنشتاين وتوماس إ. مان مؤخرا فى واشنطن بوست، فإن «المعالجة المتوازنة لظاهرة غير متوازنة تشوه الحقيقة». والصحفيون ليس دورهم إعطاء كل طرف مساحة مساوية، أو التوصل إلى تكافؤ كاذب، وإنما التوصل إلى الحقيقة ونشرها.
إننى محررة مجلة للرأى والأخبار. ونحن نقدر الحجج الذكية والتغطية الدقيقة لأننا، حسب القول الذى كان المرحوم دانييل باتريك موينيهان مغرما به، ملزمون بآرائنا وليس بحقائقنا الخاصة.
وعلى المستوى القومى، هناك العديد من المجلات والجرائد مثل مجلتنا بما فيها بعض الصحف المهددة بالإغلاق مستمرة فى تقديم تغطية جيدة بينما تعجز عن ذلك الصحف الأخرى. لكن لا يمكن قول الشىء نفسه عن صالات الأخبار الفارغة فى عواصمالولايات وقاعات المدن بامتداد البلاد وهذا له تداعياته الخطيرة. يقول جورج جوترى، المصور المخضرم فى مسرحية توم ستوبارد «ليل ونهار»، «الناس يرتكبون الفظائع بحق بعضهم البعض، لكن الحال أسوأ فى أماكن يفرض فيها التعتيم على الجميع».
●●●
ولحسن الحظ، هناك شعاع من الأمل. وعلى كل حال، كانت الصحافة الاستقصائية المتفوقة التى تمارس دورها فى المراقبة من أجل الصالح العام هى التى كشفت، عن طريق إحدى الصحف فساد شبكة مردوخ. وكما يخبرنا رئيس تحرير الجارديان، الان روسبريدجر، فعندما تلقى المحرر المحنك نيك ديفيز معلومات سرية عن اختراق المكالمات الهاتفية، تابعها بإصرار، وهو لا يعلم إلى أين تقوده، برغم المجازفة المالية وغيرها التى تنطوى عليها متابعة شركة بهذا القدر من القوة.
وما زال بإمكاننا رؤية جمرات هذا النوع من الصحافة الحريصة على مواصلة دورها فى المساءلة فى الولاياتالمتحدة. وفى الأسبوع الماضى، تشرفت بتقديم جائزة هيلمان للصحافة الإخبارية عن العام 2012 التى تمنح لتكريم الصحافة الساعية إلى تحقيق الخير للمجتمع لصحيفة اتلانتا جورنال كونستيتيوشن على تحقيقها الرائد الذى كشف الغش فى الاختبارات الموحدة للمدارس العامة بأتلانتا. وهددت الشركة بسحب أعمالها فى حال استمرت الصحيفة التى تعانى ضائقة مالية فى نشر سلسلة مقالاتها. وما زالت الصحيفة متمسكة بموقفها بشجاعة.
إن هذا النوع من التغطية يزداد ندرة. لكن فى ظل التحول المزلزل الذى يتعرض له الإعلام الأمريكى والعالمى، هناك إمكانية كبيرة لتأسيس صحافة جديدة تخدم الصالح العام، كما يوضع الأساس لنماذج غير ربحية مثل بروببليكا. لكن هناك الكثير الذى ينبغى عمله. ويستكشف تقرير أصدرته مدرسة كولومبيا للصحافة بعنوان «إعادة بناء الصحافة الأمريكية» فى 2009، وضعه المدير التنفيذى السابق لواشنطن بوست، ليونارد داونى، كيف يمكن للحكومة الفدرالية تعزيز الإعلام الجماهيرى وإعلام الطوائف.
●●●
إذا أردنا النجاح فى مكافحة سيطرة الدولة على الإعلام وإفراغه من محتواه، علينا تدبير موارد عامة جديدة للتمويل من أجل تمكين الصحافة من المساءلة، وتدريب الجيل القادم من المحررين على البحث عن الحقيقة بأمانة وشجاعة. وهذا ليس اقتراحا راديكاليا؛ فهناك بلاد أخرى، من بينها تلك المتصدرة لمؤشر الإيكونوميست للدول الحرة والديمقراطية، تمول الصحافة المستقلة من الأموال العامة. لكن التغيير المطلوب لن يتحقق حتى يطالب به مجتمع مهموم بالأمر.